أفق نيويورك يتلاشى في ذكريات السينما

في معرض يصور تطور المدينة الأميركية

TT

قد يكون لبعض الاماكن سحرها الخاص، ولكنها تبقى السر المشترك لمجموعة من زوراها، وعلى الجانب الآخر قد تكتسب اماكن شهرة وجاذبية تجعلها تحتل مكانا في الذاكرة فقط لانها كانت مسرحا لاحداث رواية او خلفية لمشاهد فيلم سينمائي شهير. ومثل هذه الاماكن كثير؛ فهناك على سبيل المثال محطة «غراند سنترال في نيويورك» التي تعد احدى المعالم الرئيسية لمدينة نيويورك.

في هذا المكان يصبح التجول خلال البهو الرئيس للمحطة هو مثل الدخول في ديكورات حقيقية لفيلم سينمائي؛ فقد مر كاري غرانت عبر المحطة خلال هربه من الساعين لقتله في فيلم «شمال الى شمال شرق»، وفيها امسك جيم كاري بيد كيت وينسلت وأسرع عبر المحطة في «الشروق الابدي للدماغ النقي» وهو يراقب الناس يختفون واحدا وراء الآخر مع تلاشي ذاكرته. كما ان موقع المحطة مهم في فيلم FISHER KING عندما اكتشف روبين وليامز الشخصية النقية وغير متوازنة عاطفيا امرأة احلامه الهادئة تتجه الى قطارها. وفجأة يبدأ الجميع في رقص الفالس، عندما يتحول هذا المكان الجميل الى مشهد رومانسي.

ودور المحطة الساحر على شاشة السينما هو الذي يجعلها الموقع المثالي لمعرض «أفق المدينة على شريط سينمائي: نيويورك والسينما» وهو معرض طموح للافلام والصور في قاعة فندربيت، الواقعة الي جوار البهو الرئيسي للمحطة. وقد نظم العرض بأكمله جيمس ساندرز اعتمادا على الكتاب الذي اصدره في عام 2001 بنفس العنوان، الذي يلاحظ بذكاء ان نيويورك الواقعية ونيويورك السينما تتداخلان مع بعضهما البعض في دائرة لا تنتهي.

ويشمل المعرض، سلسلة من افلام تيرنر الكلاسيكية ومواد خاصة اضيفت الى جولة الغراند سنترال، وهي تؤدي الى اكثر من مجرد نقل المشاهد عبر المشاهد وتاريخ المدينة في السينما. ويشرح المعرض كيف جعلت السينما نيويورك خبرة جماعية، ومعروفة حتى بالنسبة لأشخاص لم يزوروا المدينة على الاطلاق.

ولكن ما هي خصائص أي فيلم نيويوركي؟ هو ليس بالفيلم الذي تدور احداثه هناك، ولا يهم اين جرى تصويره. ففي فيلم نيويوركي حقيقي لا يمكن فصل الشخصيات والأحداث عن مجريات الأحداث في المدينة. فهناك ديناميكية بين الشخصيات والمدينة. وساندرز محق عندما يشير كيف يغذي الواقع الخيال السينمائي، والذي يساعد بالتالي في تشكيل ادراك سكان المدينة الحقيقي عن مدينتهم.

وفي الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تناضل للخروج من فترة الركود الاقتصادي كان فريد استير وجينجر روجرز يرقصان عبر المدينة في أناقة مثيرة وملفتة للانظار في الاندية الليلية التي ابدعتها بلاتوهات هوليوود. وشاهدت الستينات المتغيرة فتيات الشوارع في فيلم مثل MIDNIGHTCOWBOY بالاضافة الى فتيات الليل الراقيات في فيلم BREAKFAST AT TIFFANY. بينما شاهدت نيويورك السبعينات المتدهورة التي انتشرت فيها الجريمة نيل سايمون في فيلم OUT OF TOWNERS.

واليوم فإن الواقع متعدد الاعراق في افلام سبايك لي مثل DO THE RIGHT THING و JUNGLE FOR EVER ،و 25TH HOUR تجعله اشهر مخرجين نيويورك، الذي يركز على عناصر المدينة المتعددة ـ التوتر العرقي والطموحات والاتجار في المخدرات.

وحتى النسخ الأكثر كارتونية من نيويورك مرتبطة بشيء واقعي. فـ Spider-Man 3 هو اعلان سياحي افتراضي لتايمز سكوير اليوم. تتحرك بسرعة بين العلامات المشرقة مثل البطل نفسه. وتلعب مدينة «هونغ كونغ»، النسخ القديمة والجديدة، وغوثام سيتي في أفلام باتمان تعكسان تأثير نيويورك.

جزء كبير من المعرض يستكشف تكوين تلك الصور السحرية لنيويورك. ويضم المعرض خلفيات عملاقة مما يستخدم على المسرح مرسومة بالألوان (كل واحدة بارتفاع 25 قدما)، وبينها واحدة للفيلم الخالد (شمال الى شمال الشرق) الذي تعتبر حبكته على صلة وثيقة بنيويورك.

ويبدأ الفيلم في شارع ماديسون أفنيو في بمشهد شهير يظهر فيه مخرج الفيلم الفريد هتشكوك في واحد من أدواره الشهيرة والصغيرة التي كان يتعمد بها الظهور في افلامه؛ حيث تنغلق عليه باب الباص ثم يتبع ذلك مشهد توجه بطل الفيلم كاري غرانت الى أوك بار في فندق بلازا الشهير. ويتجه بطل الفيلم الى مبنى الامم المتحدة، ولكن هيتشكوك لم يستطع الحصول على تصريح بالتصوير في ذلك المكان، ولهذا أخفى كاميرا في الشارع لتصوير غرانت وهو يسير باتجاه مبنى الجمعية العامة. وبحرفية عالية استعاض هتشكوك في مشهد يدور داخل مبنى الامم المتحدة بخلفية ديكور مرسومة ببراعة بحيث تمتزج بالصورة. وفي الواقع لم يجر تصوير أي أفلام سينمائية في الأمم المتحدة الى أن أخرج سيدني بولاك (المترجم) مع نيكول كيدمان. وكانت البناية الشيء الأكثر حيوية، ودليلا على ان الموقع الوثائقي ليس كافيا لإنتاج فيلم نيويوركي جيد.

ويحتل أفق نيويورك خلفية أحد اشهر افلام المخرج رومانس فينسنت مينيلي (الساعة) ـ 1945، حيث تلتقي جودي غارلاند جنديا أثناء إجازته (روبرت ووكر) في محطة بن القديمة. وقد أعيد بناء قاعة الانتظار في المحطة بأسرها في المشهد. والقصة لا تتواصل فهما يلتقيان ويقعان في الحب ويتزوجان خلال يومين، وبينما يمتلئ الفيلم بشوارع نيويورك ومشاهدها، فانه من الملفت للانتباه في بعض الأحيان الى أن الممثلين مفروضون بصورة مبالغ فيها مقابل الخلفية.

ويمكن لصور مثل هذه الخلفية أن تكون آسرة بذاتها. وتظهر لوحتان خلفيتان كبيرتان في المعرض مناظر للمدينة بدون ممثلين، وبعضها صور كمشهد مستقل للمدينة والبعض الآخر ضمن في الفيلم كخلفية للممثلين. وبين المعروضات القيمة في هذا المعرض هي الصور الضخمة التي تصور محطة قبل هدمها في عام 1963. ويشمل المعرض على الكثير من الصور القديمة لشارع برودواي الشهير عبر عقود الزمن. وفي هذه اللقطات تبدو البنايات مألوفة، ولكن المحلات والدعايات الضخمة التي تميز الشارع تبدو مختلفة عن الواقع الآن، وهو ما يخلق في الزائر احساسا يشبه الحلم يختلط فيه الماضي بالحاضر. الطريقة التي نظم بها المعرض كأنما تدعو الزوار الى الدخول في الافلام عبر تلك اللوحات العملاقة، ولكن هذا الاتجاه قد لا يصبح فعالا؛ اذ ان هناك الكثير من اللوحات التي تمثل أفلاما مجهولة والمعروف ان جماهير السينما تريد الدخول الى عالم يستطيعون التعرف على أجزائه ومقابلة اشخاص معروفين. وأكثر الأفلام إدهاشا في معرضنا لا صلة لها بالصور الوهمية على الشاشة الفضية؛ فهي باللونين الأسود والأبيض وتعود إلى بدايات السينما وهي قصيرة. وتدعى بـ«أفلام الواقع» لأنها تقبض على الحياة الحقيقة، وهي أفلام رائعة عن ماضي نيويورك. في عام 1903 ووفق فيلم من هذا النوع يظهر عدد من الرجال والنساء بمن فيهم شرطي وهم يتعرضون لعاصفة أمام مبنى فلاتيرون. ويظهر مشهد شارع برودواي عام 1902 المدينة وهي في طور التحول؛ فهناك عربة يسحبها حصان تجاور عربات يد والمارة يعبرون الشوارع بطريقة مخالفة للتعليمات.

ومن ضمن هذه الأفلام هناك تصوير داخل نفق عام 1905 وكان النفق نفسه جديدا؛ إذ لم يزد عمره على 8 أشهر. وباستثناء اللون يبدو الفيلم وكأنه تصوير لأي نفق اليوم. وإذا نظرت بإمعان فسيمكنك أن تقرأ الكتابات فوق المنصة، حيث يهبط الركاب: غراند سنترال.

*خدمة: «نيويورك تايمز»