للبطيخ في مصر سوق خاص ومذاق متميز

فاكهة الفقراء معها تبدأ أيام الصيف

TT

للبطيخ مكانة عالية بين الفاكهة في مصر، ليس فقط لتاريخه الطويل الذي يعود الى عهد الفراعنة، الذين تؤكد رسومات معابدهم معرفتهم وتناولهم له، ولكن أيضاً لارتباطه في المقام الأول بفئة الموظفين ومحدودي الدخل. فالصورة التقليدية والشهيرة للموظف في مصر، التي اعتاد رسامو الكاريكاتير على التعامل معها، خاصة في فصل الصيف منذ سنوات طويلة، هي عودته من عمله مجهداً يتصبب العرق من على جبينه ويمسك في يده بطيخة كبيرة لا يقدر على حملها. فالبطيخ يعد الفاكهة الأولى في مصر، لأنه رخيص الثمن وتكفي الثمرة الواحدة منه عائلة كبيرة. ولمكانة البطيخ تلك، فانه الفاكهة الوحيدة التي لها سوق مستقل عن باقي الخضراوات والفاكهة، بل يحمل اسمه أيضاً. إنه سوق البطيخ الموجود في منطقة «أثر النبي» بحي مصر القديمة، ويعد أقدم وأعرق أسواق البطيخ في مصر. وهو سوق لا يهدأ ولا يعرف سوى الحركة الدائمة للبيع والشراء طوال فترات العام، وأشدها موسم الصيف الذي يزداد فيه الاقبال على تلك الفاكهة اللذيذة. وبسبب شدة الزحام في السوق وكثرة أنواع البطيخ فيه، يطلق البعض على السوق الذي أنشئ منذ ما يزيد عن 45 عاماً، اسم «جمهورية البطيخ».

عندما ذهبنا إلى السوق وجدنا البطيخ وقد تم رصه على هيئة أهرامات، والسبب كما يقول تجار سوق البطيخ، أن ذلك هو الشكل الأمثل للحفاظ عليه من الكسر، كما يمنحه جاذبية أثناء عرضه للبيع، الذي يتم لتجار الجمله من خلال مزادات يومية، يتحدد من خلالها سعر كيلو البطيخ. مراحل عملية المزاد تبدأ بمجيء سيارات النقل المحملة بالبطيخ من المزارع، حيث يبدأ كل تاجر في تحديد السعر الذي يبدأ به المزاد حسب المناخ العام للسوق. بعدها يبدأ مساعدو التجار في طرح السعر للمشترين من تجار القطاعي بصوت عال لا يخلو من السجع، مثل قول أحدهم «بجنيه ونص تعال بص». فيرد عليه آخر «بجنيه وبس، إحنا الارخص»، وهكذا.. «إذا طل البطيخ، بطل الطبيخ..»، بهذه العبارة بدأ حسن علي عبد الله، أحد تجار سوق البطيخ كلامه، معبراً عن فخره بكونه أحد أكبر التجار بهذا السوق. وأضاف البعض يظن خطأً أن البطيخ في مصر يظهر في فصل الصيف فقط وهذا غير صحيح. فنحن نزرعه في منطقة الوادي خلال أشهر الصيف، وفي جنوب مصر في الخريف، حيث ارتفاع درجة الحرارة. والحمد لله البطيخ المصري له سمعه وسوق عربية وأجنبية، خاصة أن ثماره تتحمل الشحن والتخزين لتصل إلى الأسواق الخارجية على درجة عالية من الجودة «الرصّاص» مهنة البعض في سوق البطيخ، حيث يتولى تفريغ سيارات النقل ورص البطيخ على الارض لحين الانتهاء من بيعه، كما يتولى بعد ذلك اعادة رصه من جديد في سيارات التجار، الذين قاموا بشرائه بعد رسو المزاد عليهم. محمد أحد هؤلاء يؤكد أن مهنته مهنة شاقة، تبدأ في الصباح الباكر من نهار كل يوم، ولا تنتهي الا مع ساعات الغروب. ويشير الى أنه يتوجب عليه الحرص، لأن الخطأ في مهنته معناه كسر البطيخة التي سيدفع ثمنها اذا ما سقطت منه. حلم محمد أن يدخر مبلغاً من المال يستطيع من خلاله المتاجرة في البطيخ. «حوت سوق البطيخ» ذلك هو اللقب الذي يحظي به المعلم أحمد عبد السلام، لما له هو وعائلته من خبرة في هذا المجال. فكل تجار العائلة يعملون تحت قيادته في تجارة البطيخ. المعلم أحمد شرح لنا أنواع البطيخ والفروق بينها: يعتبر «جيزة»، أفضل وأرقى أنواع البطيخ المصري. فهو ذو عرش كبير يغطى الثمار أثناء عملية النمو، مما يقيها لفحة الشمس. يستطيع الزبون التعرف عليه من شكله الخارجي، فثماره مستديرة لونها أخضر لامع مع وجود تعريق رفيع بلون أخضر داكن، ويصل متوسط وزن الثمرة من 5-8 كغم. يمتاز جيزة بلونه الأحمر الداكن، بالإضافة إلى نسبة السكر فيه التي قد تصل إلى 11%، وهي نسبة عالية. ولذلك هو أغلى أنواع البطيخ سعراً. وقد يصل ثمن الكيلو فيه إلى جنيهين. كما يوجد نوع آخر من البطيخ يسمى«عياش»، وهو عبارة عن سلالة محسنة من «جيزة»، هناك أيضاً «النمس» و«سكاته» الذي يتراوح سعر الكيلو منهما بين جنيه وربع الجنيه وجنيه ونصف الجنيه، وهما أقل في الجودة والمميزات من جيزة وعياش. شراء البطيخ في مصر فن له أصول ويدعي البعض امتلاك الخبرة فيه. حيث يمكنك عند الذهاب إلى محال بيع الفاكهة رؤية مشتري البطيخ وهم يمسكونها ويقرعون عليها بأكفهم بطريقة معينة يمسكون الواحدة تلو الأخرى حتى يتم الاستقرار على واحدة بعينها، مؤكدين أنها حمراء من دون فتحها. ويفسرون فعلتهم تلك بأنهم يستطيعون معرفة ما إذا كانت البطيخة حمراء أم لا، من خلال عملية الطرق تلك. فإذا كان الصوت مكتوما يعنى ذلك أن البطيخة حمراء، أما إذا رن الصوت أو كان له صدى فيستنتج من ذلك أن البطيخة من داخلها بيضاء لا طعم لها، أو كما يقول المصريون «قرعة».

المعلمة صباح أحدى تاجرات السوق، تؤكد أن هذا السلوك قد يخدع الزبون لأنه ليس مقياساً سليماً في الحكم على طعم البطيخة ولونها. أما المقياس الصحيح، كما تقول، فهو معرفة الأنواع وسؤال الفاكهاني عليها لأنه الأكثر خبرة.

فبخلاف الأنواع التي أشرنا لها، تشير صباح إلى أن البطيخ يصنف أيضاً طبقاً لحجمه إلى خمسة أنواع. تبدأ من رقم «زيرو»، الذي يعني أكثرها جودة وتنتهي عند الرقم 5 الذي يعني أقلها جودة .

يذكر أن أول حصاد للبطيخ سجله التاريخ قبل 5000 سنة وكان ذلك في مصر. وكان المصريون القدماء يؤمنون بقيمة البطيخ الغذائية. وقد انتقل البطيخ من مصر إلى فلسطين ومنها الى كافة أنحاء دول البحر الأبيض المتوسط. وفي القرن العاشر وجد البطيخ طريقه إلى الصين، التي تعتبر اليوم المنتج الأول في العالم له. وبات هناك 1200 نوع من البطيخ الآن في العالم.