معركة الثوم تثير روح الانفصال بين الشمال والجنوب

بدعم من جميلات إيطاليا

TT

نظرا لتضاؤل الأخبار السياسية المحلية المثيرة في إيطاليا هذا الصيف، بدأت معركة من نوع جديد بإعلان الحرب على استعمال الثوم في الأطباق الايطالية المعروفة مثل السباغيتي والبيتزا وغيرها. فتح المعركة كارلو روسيلا رئيس تحرير الاخبار في القناة التلفزيونية الخاصة رقم 5 التي يملكها رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني، بمقال عنيف منذ بضعة أسابيع في جريدة «لا فوليو» التي تملكها ايضا عائلة برلسكوني. جاء في المقال إن الثوم يفسد مذاق الأكل الايطالي، وأنه على الناس مقاطعة المطاعم التي تقدم الوجبات المطبوخة بالثوم، لما يسببه من رائحة فم كريهة، ثم أورد أمثلة على ثلاثة مطاعم فاخرة في روما حذفت الثوم في وجباتها، وهي مطاعم الفنادق الفاخرة هيلتون وايدن وهاسلر، التي تصل فيها تكلفة الوجبة للشخص الواحد (دون المشروبات) الى 120 يورو (160 دولار). وزعم أن الممثلات الجميلات مثل مونيكا بيلوتشي ومانويلا أركوري يتحاشين المطاعم المشتبه بكرمها في كميات الثوم المستخدمة في أطباقها اللذيذة. كثير من الايطاليين يحاولون رؤية بيلوتشي حين تزور روما، وتتناول طعامها على سطح أحد الفنادق الفخمة «اوتيل رافايل» قرب ساحة نافونا، ويقول الشيف الفرنسي، الذي يحضر لها الوجبات، إنها تعتقد أن رائحة الثوم تبعد عنها المعجبين والمعجبات وتفتح قابليتها للأكل أكثر من اللازم، مما يتعارض مع حرصها على رشاقتها وجمالها، الأمر الذي تتقيد به منذ أن بدأت العمل كعارضة أزياء لدفع تكاليف دراستها الجامعية في جامعة بيروجيا في وسط ايطاليا، وظل معها حين انتقلت الى العمل السينمائي. يشاع أيضا أن مخرج فيلمها المقبل المسمى «قطار الساعة 1:30» الذي سيعرض العام المقبل، وتجري أحداثه بين نيويورك وبوسطن لا يحبذ أن تتناول الممثلات اللواتي يعملن معه، أطباقا تحوي على كميات كبيرة من الثوم. الصحف ووسائل الاعلام الايطالية تحفل الآن بالتعليقات اللاذعة على فكرة الحملة ضد الثوم، لدرجة أن أصداءها خرجت من الحدود الإيطالية، خصوصا أن المواجهة ترتب عنها ظهور معسكرين: أنصار الثوم وأعداؤه، وسرعان ما تطور الامر الى اثارة النعرات الانفصالية بين شمال ايطاليا وجنوبها. فالمعروف أن المطبخ الايطالي اقليمي ومتنوع، في الشمال الصناعي المتطور، مثلا، يستعملون القليل من الثوم والطماطم والكثير من الزبدة والدهون الحيوانية، مثلما تفعل دول أوروبا الشمالية، بينما يشتهر أهل الجنوب، من حدود روما في الوسط وباتجاه نابولي وكابري وسالرينو وكالابريا وجزيرة صقلية، بالسخاء في استخدام الثوم، انما الى حد معقول، وكذلك الامر فيما يتعلق بالطماطم وباستعمال زيت الزيتون في طهي اللحوم والاسماك والخضار، وهذا ما يسمى مطبخ البحر الابيض المتوسط، الذي يفضله أطباء القلب وينصحون باتباعه. منتقدو روسيلا يزعمون أن طريقته في الهجوم المباغت على الثوم، تميزت بالصلف وبالتحامل على أنصار الثوم والداعين لمنافعه، فردوا عليه باتهامه بتملق برلسكوني الذي لا يحب الثوم أصلا، لأنه وزوجته فيرونيكا من ميلانو في الشمال، وأن العدوى وصلت الى روسيلا، وهو من أصل شمالي ايضا من تورينو منذ انتقاله الى رئاسة تحرير مجلة «بانوراما» الاسبوعية اليمينية الواسعة الانتشار بعد سيطرة برلسكوني عليها منذ سنوات. وقال منتقدو روسيلا ان لديه مشكلة في رائحة الفم الكريهة، فاستفز الناس بمبالغته أن الطباخين يضعون الثوم في كل شيء حتى في القهوة. وذكر جوليو كافانيني، طباخ مطعم «جوليو أعطني الزيت» قرب ساحة نافونا، وهو من أصل جنوبي من نابولي، أن روسيلا يريد تدمير أساس الأكل الايطالي، وتصرفه يدل على أنه لم يعد لديه ما يقوله في السياسة، فحول مدافعه ضد الثوم، وأنه غير ضليع في فنون الطهو. مضيفا: «لم يبق له الا أن يطالب بعدم استعمال زيت الزيتون». وأشار بعض المعلقين إلى أن المطاعم التي انتقاها روسيلا تقدم الوجبات للزبائن الأجانب، الذين لا يعرفون مذاق المطبخ الايطالي الأصلي. وقد أجمع العديد من كبار الطهاة الذين تحدثوا مع «الشرق الأوسط» على فوائد الثوم التي ذكرتها الابحاث الطبية، بدءا من أنه يخفض ضغط الدم المرتفع، ويزيد من تدفق الدم الى الدماغ، إلى كونه مطهرا يقتل البكتريا الضارة في الامعاء، ويخفف مع البصل من الاصابة بسرطان القولون والحلق، لكنهم اعترفوا بمشكلة الرائحة التي تتكون من استعماله بوفرة أو نيئا. وذكر البعض أنهم سمعوا أن الرومان جلبوا الثوم الى ايطاليا، بعد اكتشافهم له في سورية، قبل ألفي عام، وأنهم لم يستسيغوا رائحته في البداية. قال جيوسيبي داليزيو، مساعد الشيف في مطعم «لا تافيرنا» باوتيل ايدن الشهير، الذي زكاه روسيلا والمكان المفضل لهمنغواي وفيليني وانغريد برغمان في فترة الأيام الحلوة في روما: «ليس صحيحا اننا لا نستعمل الثوم في أطباقنا، لكننا لا نكثر منه ونطبخه بطريقة لا يشعر معها الزبون بطعمه انما يتمتع بنكهته.. ننصح الزبائن المصابين بالحساسية باستعماله في بعض الوجبات». وتابع: «نظرا لأن أغلب زبائننا من رجال الأعمال، فهم لا يحبون أكل الثوم قبل بدء مباحثاتهم لإبرام الصفقات. وأنا شخصيا أتناول الثوم على الدوام، فهو مخفض للضغط كما أنني من مدينة ساليرنو الجنوبية».

* الثوم.. ذلك المكروه رغم فوائده

* حظي الثوم بتقدير عدد من الشعوب منذ فجر التاريخ، فقد كان المصريون القدامى، يطعمونه لعبيدهم محافظةً على صحتهم، واستخدمه اليونانيون لعلاج عدد من الأمراض. وأدرك غيرهم فوائده العلاجية عبر العصور. وفي العصور الحديثة اكتشف مزيدا من فوائده الطبية علماء وأطباء أمثال لويس باستور وألبرت شفايتزر. وعرف في العالم العربي منذ القدم، ودخل ضمن المآكل طازجاً أو مطهواً، كما يدخل في أطباق العديد من الدول المتوسطية كاليونان وإيطاليا وإسبانيا وتركيا. وفي الولايات المتحدة تشير إحصائيات إلى ارتفاع معدلات استهلاكه بنسبة ثلاثة أضعاف في عقد التسعينات من القرن الماضي وحده نتيجة الإقبال على استعماله في الأطعمة وكإضافة غذائية أو دواء عشبي. وحسب تقدير دائرة الأبحاث الاقتصادية في وزارة الزراعة الأميركية بلغ ما استهلكه الأميركيون من الثوم 3.1 أرطال للفرد في العام 1999 مقابل رطل واحد في 1989، ومن أجل تلبية الطلب المتزايد، ارتفعت المساحات المخصصة لزراعته. وللاستفادة من خصائص الثوم العلاجية والوقائية ينصح في الولايات المتحدة بتناول فلقتين من الثوم الطازج يومياً. ومن أهم فوائده تنشيط الدورة الدموية وخفض مستويات الكوليستيرول في الدم (بفضل مركب الآليسين ذي المفعول الموازي تقريباً للمضادات الحيوية) وخفض معدلات ضغط الدم والوقاية من نزلات البرد والزكام. كما تدل دراسات وأبحاث أجريت في الولايات المتحدة وأوروبا والصين أن من يتناولون الثوم أقل عرضة من غيرهم للتعرض لسرطان المعدة وسرطانات (وبخاصة الأمعاء والمستقيم) وأمراض عديدة أخرى. إضافة إلى ذلك تشير الدراسات إلى أنه يقضي على الديدان والطفيليات من الأمعاء ويساعد على التنفس الطبيعي، ويخفف من حدة المظاهر السريرية المتعلقة بالأمراض الصدرية والتنفسية، ويعزز قوة الجهاز المناعي. ولكن في المقابل ينصح بعدم تناول الثوم من يعانون من الصداع والشقيقة (الصداع النصفي) وقرحة المعدة وسيلان الدم ومن يعالجون من نقص المناعة المكتسب (الإيدز). من حيث التصنيف العلمي، فهو يعتبر نباتا قريبا من البصل والكراث، وتعرف عنه رائحته النفاذة التي يكرهها كثيرون رغم فوائده الطبية والغذائية المشهودة. يشكل الماء نسبة تقارب 65% من ثمرة الثوم، وهي متعددة الفلقات، مقابل 3 إلى 5.5% من البروتين و2.3 إلى 3% من النشويات و3.5% من الألياف، بالإضافة إلى زيوت طيارة، ومركبات أهمها الآليين والآليسين (ومنه مصدر الرائحة غير المستحبة في الثوم) والكورستين والسابونين ومجموعة من الفيتامينات والأملاح والخمائر والهورمونات والمعادن كالفوسفور والكالسيوم. المشكلة تبقى في طعمه، الذي يجعل الغالبية من الناس تتحاشاه، لكن ينصح الخبراء والمجربون، للتخلص من رائحته النفاذة وغير المستحبة في السلطة والمأكولات الطازجة غير المطهوة، بمضغ بعض النعناع الأخضر أو الكمون أو الهيل أو بضع حبات من البن المحمص أو تناول تفاحة واستعمال الفرشاة ومعجون الأسنان.

* وصفة السباغيتي بالزيت والثوم والفلفل الأحمر الحار

* أكلة تقليدية بسيطة غير مكلفة لها شعبية كبيرة في روما، خاصة في الأوساط الفقيرة، لكنها غير محبوبة لدى نجمة التلفزيون والسينما الحسناء مانويلا أركوري، رغم انها مولودة قرب روما. المعروف أن السباغيتي مصنوعة من القمح القاسي ووصلت الى ايطاليا عن طريق العرب منذ عشرة قرون الذين ربما اقتبسوا الفكرة من الصين الذين استعملوا الأرز كمادة أساسية. المهم في تحضيرها على الطريقة الايطالية ألا تكون مطبوخة بالكامل.

> المقادير لـ4 أشخاص:

350 غرام سباغيتي ـ 2 فص ثوم ـ فلفل أحمر حار طازج أو مجفف ـ ملح وفلفل أسود ـ 3 ملاعق زيت زيتون صاف نخب أول (اكسترا فيرجن) ـ جبن بارميزان مبشور(استعماله اختياري) > طريقة التحضير:

يغلى الماء في طنجرة، ويضاف إليها قليلا من الملح ثم توضع السباغيتي غالبا لمدة عشر دقائق حتى تسلق مع تحريكها من آن لآخر. في نفس الوقت يحمي الزيت ويقلى الثوم على نار هادئة حتى يتلون قليلا من دون أن يتحول الى لون بني كستنائي، ثم يضاف الفلفل الأحمر الحار. تستعمل مصفاة للتخلص من ماء الطهي ثم تضاف السباغيتي في المقلاة لبضع ثوان مع الزيت والثوم والفلفل الأحمر ويتبل الكل بقليل من الفلفل الأسود والملح أو الجبن المبشور حسب الرغبة، ويقدم الطبق فورا في صحن كبير بعد مزج كافة المكونات.