أغلبنا بات يقف بعض الوقت أمام حائط في شارع عام لسحب بعض ما يحتاجه من نقود. وأغلبنا، إن لم نكن جميعاً، يعتبر العملية «تحصيل حاصل»، ونتيجة طبيعية لتطور عمل البنوك. لكن احداً لم يفكر في عظمة الفكرة التي كانت وراء اختراع ماكينة الصرف الآلي المنتشرة الآن في معظم شوارع مدن وقرى العالم. امس، استعادت بريطانيا الفكرة واللحظات التاريخية التي غيرت حياتنا وعلاقتنا بالعملة النقدية بصورة دراماتيكية قبل اربعين عاما وما تزال. لم نعد بحاجة لأن نحمل مبالغ مالية كبيرة، او نحشو بها حافظة نقودنا، او «نستعرضها امام انظار الآخرين، او نكورها في جيوبنا مثل اوراق مهملة، او نخشى تعرضنا للسرقة وانتشال ما نحمله منها، الآن اصبحت لدينا بطاقات بلاستيكية بديلة للعملة النقدية وخشخشة العملات المعدنية في جيوبنا».
البداية كانت متواضعة مجرد فكرة. كان شيبرد ـ بارون (الآن 82 عاما)، وحده في الحمام، وبدا كمن يغني وحده بالفعل حين لمعت الفكرة في ذهنه، قبل ان يجعل العالم كله يغني معه لاختراعه. فكر وهمس لنفسه: «لا بد ان تكون هناك طريقة ما استطيع من خلالها الحصول على نقود في أي مكان من بريطانيا او العالم. فكرت عميقا في ماكينة بيع الشيكولاته الاوتوماتيكية، وفي استبدال ما تقدمه من ألواح الشيكولاته بالنقود». وحين خرج جون من الحمام سأل زوجته، كم رقما تستطيعين ان تتذكري للاستخدام عند الحاجة؟ اجابت أربعة.
لقد اقتنع بنك باركليز في حينه بالفكرة مباشرة عندما تم عرضها من قبل جون. وقع البنك عقدا مع صاحب الفكرة، الذي كان يعمل آنذاك في مؤسسة للطباعة.
لم تكن البطاقة البلاستيكية قد وجدت بالطبع، وحين انجز جون شيبرد بارون مشروعه، استخدم شيكا مغمسا بنظير كربون ـ 14 المشع، التي تستطيع الماكينة تفحصها، ومن ثم مقارنة الرقم السري بما لديها وصرف النقود.
واثيرت ضجة في حينها حول استخدام الكربون المشع، وما اذا كان سيسبب ضررا لمستخدمي ذلك النوع من الشيكات، الا ان صاحب الاختراع دافع عن نفسه واختراعه، مؤكدا ان المرء يحتاج الى ابتلاع وهضم 136 الف شيك «مكربن» لكي يتأثر بطريقة ما.
حين اعلن عن اول ماكينة صرف للعملات النقدية، تجمع المارة للفرجة. ولم يكن ممكنا سحب اكثر من عشرة جنيهات استرلينية. الآن بات مسموحا سحب 300 جنيه في اليوم، وبعض بطاقات الائتمان تسمح بسحب مبالغ اكبر. يبلغ تعداد ماكينات سحب النقود في بريطانيا اليوم اكثر من 61 الف ماكينة، كان نصيب لندن منها 410 ماكينات حتى عام 2005. وكانت اول ماكينة ركبت في جدار قبل اربعين عاما، تابعة لبنك باركليز في انفيلد شمال لندن. وقام ريغ فارني، من المسلسل التلفزيوني «في الباص»، بسحب اول مبلغ منها وهو عشرة جنيهات استرلينية».
يذكر ان اكثر اوقات سحب النقود هذه الأيام هو يوم الجمعة ما بين الظهيرة والواحدة بعد منتصف الليل، وقبيل عيد الميلاد من كل عام. وفي العام الماضي تم سحب 57 مليون جنيه استرليني خلال الساعات تلك.