غجر إسبانيا ومصارعوها في عروض باريس للأزياء الراقية

ميثولوجيا إغريقية.. شاعرية قوطية وعين على أسواق آسيا

TT

الى الآن لم يكن الطقس في صالح موسم «الهوت كوتير» حيث كان محبطا للحضور والمصممين على حد سواء. وإذا كان الحظ قد حالف العارضات لأن التشكيلة موجهة لخريف وشتاء 2008، أي انها إما طويلة او بخامات دافئة مثل الكشمير والفرو وغيرهما، فإنه لم يكن في صالح «الإخراج» الذي كان يتوخاه بعض الكبار وعلى رأسهم كريستيان ديور وشانيل، اللذان أقاما عرضيهما في حدائق مفتوحة. الأول في قصر فرساي الملكي، والثاني في حدائق «سان كلو» المطلة على نهر السين. كما لم يكن في صالح الحضور، الذين كان معظمهم يتوقع بعض الحرارة في شهر يوليو، مما انعكس على ملابسهم الخفيفة التي لم تحميهم من قرص البرد. وعلى غير العادة، لم يكن حديثهم مركزا على انتقاد او استحسان هذه التشكيلة او تلك، بقدر ما كان يدور حول الطقس وتغيرات البيئة فضلا عن شكاويهم وتأففاتهم من بعض المصممين الذين «سولت لهم» أنفسهم إقامة بعض هذه العروض في الضواحي. لكن الحقيقة التي لا بد من الاعتراف بها انه رغم البرد والمطر، ورغم التأففات، فإن العروض مستمرة وعدد الحضور لم يقل. فالحلم الذي يعاش لمدة عشرين دقيقة على أكثر تقدير، وهي مدة أكبر عرض، أهم من الواقع الرمادي. كلمة حلم تختزل كل ما يتضمنه ويقوم عليه هذا الموسم، فالازياء التي تقدم فيه عموما لا تخاطب سوى شريحة معدودة، تقدر بمائتي سيدة فقط في العالم ممن ما زلن يقبلن عليها، أولا لأسعارها الصارخة، وثانيا لما تستغرقه من وقت وجهد. فالفستان يحتاج إلى ثلاث بروفات ليكون على المقاس، الأمر الذي لم تعد العديد من الزبونات يتحملنه. لكن مع ذلك تبقى «الهوت كوتير ثقافة بحد ذاتها» ثقافة تدين، من الناحية الاقتصادية، لظهور زبونات جديدات من آسيا وشرق اوروبا، ومن الناحية الجمالية للنجمات اللواتي استعملن من قبل بيوت الأزياء كوسيلة لتغذية الحلم واستمراريته، وليس أدل على ذلك من حضورهن المكثف في هذه العروض.

كما تميز عرض جون غاليانو بنغمات اسبانية تحية لجذوره ولبعض الفنانين الإسبان، وعلى رأسهم بابلو بيكاسو الذي كان يعشق مصارعة الثيران وله رسومات ولوحات في هذا الشأن، كذلك وجه كريستيان لاكروا، أنظاره إلى اسبانيا، وبالذات غجرها ومصارعوها، على عكس دار «ديور» ولحسن الحظ اختار مكانا مغلقا في «باليه دي طوكيو»، متحف الفنون العصرية، المواجه لبرج إيفل، الذي اختار له ديكورا بدا في غاية البساطة بالمقارنة مع ديكورات العروض السابقة، متقشفا ببياض منصته. بمجرد ان بدأ العرض عرف السبب، فهو يريد ان يكون التركيز على التطريزات وعلى التصميمات ولا شيء غير ذلك، خصوصا إذا عرفنا ان لاكروا من المدرسة القديمة أو من المصممين الذين ما زالوا يؤمنون بثقافة الزمن الجميل، أي ان الموضة هدية للمرأة يجب ان تجملها وتجعلها تبدو اكثر جاذبية. تهادت عارضات لاكروا على شكل غجريات بتسريحاتهن العالية والمنفوشة، وقبعاتهن وقلاداتهن الضخمة واحذيتهن المنقوشة بكعوب عالية، وهذا ليس جديدا على المصمم الذي يحتفل بعشرين سنة على تأسيسه لداره، فهو يعشق الصاخب والضخم. لعب لاكروا في التشكيلة على الحجم والتوازن خصوصا في بعض المعاطف، التي تستحضر بانتفاخها وتطريزاتها الشرقية اسلوب الفرنسي بول بواريه، بعضها جاء مصنوعا من الحرير المبطن وبعضها الآخر من الحرير الدمشقي، الجاكيتات استوحيت من لباس مصارعي الثيران، قصيرة وبتطريزات سخية، أو مزينة بالريش. وبينما كانت المعاطف منفوخة جاءت الفساتين مفصلة على الجسم بشكل يبدو كأنه منحوت عليه في بعض الحالات. إلى جانب الألوان، كانت هناك الكثير من القطع بالاسود، يزينها الفرو والمخمل والريش فضلا عن الشيفون، لكن رغم تغير الألوان والتصميمات، تبقى دائما نظرة ومشية العارضات إسبانية وغجرية، فالتعليمات تفرض عليهن هذا. صحيح ان عروض لاكروا لا تكون بدرامية عروض جون غاليانو، على سبيل المثال، كونه يفضل ان يركز على الماكياج والاكسسوارات لتحقيق هذه الغاية عموما، لكن هذا لا يعني انه لا يرسم فكرة واضحة يريدها ان تكون مؤثرة، فهذه المرة، مثلا، عمل على ترجمة الإطلالة الغجرية بلغة عصرية وشاعرية، وهو ما أسماه بـ«الفولكلور الجديد» موضحا: «أحب الخياطة عندما تكون مؤثرة وتحرك المشاعر. فنحن بحاجة إلى هذا النوع من المشاركة وتبادل الصور التي يمكن ان تثير الإنسان على شرط ان تبقى واقعية بما في ذلك جانبها التجاري».

النهاية كانت درامية بكل المقاييس، فقد ظهرت العارضة الاسترالية الاصل جيما وورد في فستان زفاف من القماش المقصب، يستدعي صورة المادونا، باللون الذهبي مزين بالورود.

عرض الثلاثي «أو نوغا تو في» On Aura tout vu كان كالعادة مبتكرا إلى حد كبير، وإن كان السؤال في مدى واقعيته، وما إذا كان سيحقق المعادلة بين الفني والتجاري. لكن ربما يعقد الثلاثي آمالهم على السوق الآسيوي، وبالأخص الياباني، الذين يعشقون هذا النوع من التصميمات الفنية التي قد تبدو لغالبيتنا غريبة. اقيم العرض في مركب على نهر السين، لذلك فإن الحضور كان محسوبا، لكن ما لم يكن محسوبا هنا ايضا، حالة الطقس الذي كان باردا وممطرا، لكن رغم ذلك تهادت العارضات في فساتين بعضها مزين بـ300 ملعقة، وجاكيتات قصيرة من نوع «البوليرو» وقطع اخرى برسومات مبتكرة مثل قطع السكر. فالفكرة كانت هنا بلا شك هي الطعام، وكل ما هو مالح وحلو.

بالنسبة لدار جيفنشي كان الأمر مختلفا تماما، فقد اختار المصمم ريكاردو تيشي، ديرا قديما يتميز بمعمار متميز وأجواء قاتمة نوعا ما، ليكون الخلفية المثالية لتشكيلته التي تميزت بشاعرية قوطية وإيحاءات من الميثولوجيا الإغريقية. عروض جيفنشي في السنوات الاخيرة لا تعتمد على الإثارة، لذلك فهي قد لا تثير الفضول كثيرا، لكنها تخاطب شريحة من النساء ممن يردن اناقة هادئة وراقية في الوقت ذاته، وهذا ما نجح فيه ريكاردو تيشي، هذه المرة ايضا من خلال بنطلونات بقصات رائعة تزينها احزمة من الصوف ومعاطف سهرة انيقة، وهلم جرا. لكن الجديد انها قد تكون هذه التشكيلة من التشكيلات النادرة التي ستناسب حتما مناسبات السجاد الأحمر، لاسيما فساتينها البيضاء المزينة بأشرطة فضية لامعة. عدد القطع التي قدمها كانت قليلة بالمقارنة مع باقي العروض، حوالي 30 قطعة فقط، الأمر الذي جعله اقصر عرض في الموسم لحد الآن، وكأن مصممه يريد ان يقول لنا ان العبرة في ما قل ودل.