عروض باريس لأزياء الرجال.. فرصة للحرية والإبداع

بين الأفكار الخلاقة والتجارة

من مجموعة ايف سان لوران (أ.ب)
TT

للكثيرين كان التعرف على عالم الازياء والموضة يماثل الذهاب إلى أماكن لا تعرفها، حتى ولو اكتشفت بعد ذلك أنك في وضع أفضل في منزلك مرتديا الجينز أو قميص تي شيرت. فكر في الحدود الفاصلة بين الجنسين والتي عبّر عنها جان بول غولتييه في ملابس الرجال أو المصمم الياباني يوهجي ياماموتو بخطوطه الفاعلة أو ايف سان لورين في طاقته غير المحدودة. وفي هذه الأيام يعاني المصممون من خوف يشل إبداعهم، ويطلق عليه «الماركات»، وهي تعني إصدار حزمة من الأزياء للزبائن لحمايتهم من أي شيء يشير إلى الواقع. وإذا ما كان غولتيية قد اتجه في يوم من الأيام إلى ازياء الجنس المثلي، فإن آخر مجموعته من سراويل البحارة قد تدهورت إلى نوع من مسرحيات البانتومايم على شاطئ البحر ـ أقرب الى سكان قرية يمثلون مسرحية بانتومايم على شاطئ برايتون.

ولا يزال ياماموتي يصمم سترات جميلة ولكن مع مجموعة من أشعار بوب ديلان مطبوعة وأصبح حرفيا يرتدي ذكرياته. وهذا التكرار يمكن أن يبرز تطور الحرفية المتقنة كما يمكن أن يشير إلى استرخاء الذهن، ولكن في عصر الماركات يتحول ذلك التكرار الى ثقل ممل على خيالنا. لقد أبعدت مجموعات الربيع للرجال التي انتهت يوم الأحد الماضي هذه الأفكار؛ فقد كانت هناك بعض العروض القوية برزت فيها جاكتات ري كاواكوبو وقمصان دار كوم ديغارسون ذات الألوان الثلاثية المتعددة التي تخدع النظر وطبقات آن ديمولمستير غير الملتزمة ذات الخطوط والقطع الفردية الرائعة.

وبالرغم من أن عرض جونيا واتانابي يميل إلى تحويل الرجل إلى كتلة من الذكورة بالجاكتات المنكمشة والشورتات الرفيعة والجوارب الممتدة حتى الركبة، فلا يسعنا إلا الإعجاب بإحساسه بالحرية. ولكن يبقى هناك تساؤل عن مدى تلك الراحة المنشودة؟ بعض الملابس «المكرمشة» تشير إلى البيجامات وقمصان البولو اصبحت جاكتات.

ومع مجموعات أخرى تشعر بشيء أقل خصوصية؛ فقد اطلق على مجموعة لوي فيوتون اسم قمر الشاطئ؛ في إشارة إلى الدرجات اللونية المتعلقة بالقمر، إضافة إلى الصور الضبابية لجاك هنري لارتيغ التي اخذت في بياريتز خلال العشرينات من القرن السابق.

يجب القول إنني أكره الملابس التي تشير إلى غياب الخبرة بالحياة. وهذه ليست مشكلة جون غاليانو، إذ على الرغم من أن ملابس رجاله ذات طابع نمطي أحيانا فإنه على الأقل مرتبط بالواقع الحالي، حتى لو أنه يسخر منه. هناك فكرة ذات طابع عسكري تتغلغل إلى عرضه الذي جرى في كنيسة مع طائرات هليكوبتر تحوم في خلفية العرض. وهناك تنويعات على سراويل الكاكي والمعاطف التي تبدو متأثرة بأوروبا وشمال أفريقيا، وهي تتماشى مع صورة المتمردين الهاربين.

أما كريس فان اسشي فهو لا يعرف كيف يكون مقنعا؛ إذ قدم ملابس جميلة، لكن تصميماته لا تبدو نابعة من تجربة أو من مخيلة قوية. إنها قادمة مباشرة من الورق من دون توفر قناعة قوية بأنها تمنح هوية متميزة. فالعنصر الرومانسي لوحده لا يكفي.

وكان فان اسشي قد اختير من قبل ديور للحلول محل هيدي سليمان كمصمم ملابس رجالية. وفي يوم الأحد الماضي قدم فان اسشي الذي كان مساعدا لسليمان مجموعة ملابس ربيعية وركز فيها على بدلات صقيلة مع تفاصيل هادئة وسراويل مرتفعة عند الخصر ومنتفخة مع قمصان بيضاء. وتحت تأثير سليمان ظل قسم ديور الرجالي دائما متجددا ومثيرا للاستفزاز وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى الطريقة التي يقدم بها الموديلات. أما فان اسشي فقد استوحى فترة الثلاثينات من القرن الماضي في تسريحات الشعر. مع ذلك فإن عليه أن يعرف أن المعايير لدى ديور أعلى قليلا من ذلك.

كيف يشعر الرجال حول الحرير المغسول؟ كنت أتساءل عن ذلك بينما كنت أنظر الى تشكيلة لانفان التي صممها البير الباز بالمشاركة مع لوكاش أوسندريجفير. وقد قدموا مثل هذا العرض مع الحرير المغسول، مثل الشورتات وبنطلونات البيجاما، بحيث يتعين عليك ان تطرح السؤال. وكانت هذه التشكيلة من الألوان من الخزامى الشاحب الى الكريمي الرمادي جذابة كما كان الحال مع الجاكيتات القطنية.

وكانت عروض تشكيلات باريس للرجال من ايف سان لوران وراف سيمونز متميزة لسبب ما. فأنت تشعر ان هؤلاء المصممين يأخذوننا الى مكان لا نعرفه. وكان لكل واحد شيء ما جديد ليقوله حول الأزياء الرجالية، وقالوه بطريقة واضحة ومتواضعة. وقالوه باستخدام لغة ورموز عوالمهم المتفردة.

وربما كان ستيفانو بيلاتي يركز على نحو ضيق في تشكيلته لسان لوران على الرغم من ان ذلك لا يعني سوى ان الملابس كانت جيدة وانه كان بوسعه عرض المزيد. وتجلت موهبته في الامساك بالأشياء الذاوية من سان لوران وجعلها تبدو لنا حية بدون عبء النوستالجيا. وقد فعل هذا مع سراويل القطن البيضاء ذات الرسوم والقمصان القطنية الجميلة، والأحذية التي بدون أشرطة بالجلد أو الكانفاس.

واتسمت الملابس بسمة الاسترخاء والاحساس بالتناسب والتفاصيل التي جرى كثير من التدقيق والتفكير فيها كما هو الحال في الكنزات والقمصان المطرزة. كما كانت هناك سراويل بيجامات (وهو اتجاه في هذا الموسم) وكنزات بلون الرمل فوق شورتات فضفاضة من الكتان.

وفي كل تشكيلة من تشكيلات سيمونز هناك أفكار حول مقاصده، وهذه الأفكار تقود بالضرورة الى عروضه السابقة. وفي الموسم الحالي أعد، بمساعدة صديقه بيتر دي بوتر، الكاتب الذي فعل الكثير من اجل توثيق أعمال سيمونز، ايجازا صحفيا اوضح فيه ان التشكيلة كانت تدور حول تجاوز الحواجز الذهنية. لفترة 12 عاما أفلح سيمونز في قول الكثير من خلال ملابسه أكثر من أي كاتب يمسك قلما او يشتغل عبر لوحة مفاتيح. وذلك هو الشيء الملهم بشأن موهبته. وقد وصف كل كاتالوج التجربة الشبابية والمشاعر من خلال دقة رؤيته.

وقد فعل ذلك مرة أخرى ليلة السبت. وفي عالم الأزياء، كما يعرف سيمونز، سرعان ما يصبح هذا حواجز مفروضة ذاتيا. لماذا لا تستطيع ان تنجز كنزات طويلة تشبه الثياب الفضفاضة (التونيك) ؟ لماذا لا تستطيع أن تجعل الخصر فضفاضا ؟ هل تحول البوت المستخدم في التزلج الى صندل؟

وكانت الحصيلة النهائية لهذه الاستكشافات في التصميم معاطف خفيفة الوزن وملابس النصف الأعلى مع أربطة وسراويل فضفاضة عند الورك ثم تضيق عنك الساقين، وبعض حقائب الظهر كبيرة الحجم.

كما كانت هناك روح مألوفة بشأن الملابس، حيث كان هناك مهرجان موسيقي صيفي. وكان ذلك تذكيرا بعرض قدمه سيمونز قبل خمس سنوات عندما لم يكن لديه مال، وكان عرضا في متنزه بباريس. انها روح التفكير الحر ذاتها، الآن ولكن مع ملابس أفضل.

* خدمة «نيويورك تايمز»