من هو القاتل الحقيقي للمخرج السينمائي الكبير باسوليني؟

لغز إيطالي بقي غامضا من دون حل منذ 32 عاما

باسوليني(ا. ف. ب)
TT

في سابقة غير مألوفة ستقيم بلدية روما دعوى قضائية لاعادة التحقيق في مقتل المخرج السينمائي والشاعر والكاتب الكبير بيير باولو باسوليني، الذي لقي مصرعه وعمره 53 سنة في ظروف غامضة عام 1975، وصرح المحكوم عليه بالسجن بتهمة القتل بينو بيلوزي، بعد اطلاق سراحه قبل عامين، بأنه لم يقتل باسوليني وأن القصة الرسمية التي تبناها التحقيق آنذاك لم تكن صحيحة، بل كانت تغطية على المجرمين الحقيقيين وهم ثلاثة، بينهم واحد يتكلم بلهجة جنوبية (في اشارة مبطنة الى عصابات المافيا الصقلية). وفتح التحقيق مجددا بعد تلكؤ ثم طوي لعدم توفر الادلة الكافية، وهذه هي المحاولة الثانية الان لاعادة التحقيق بعد وفاة والدة باسوليني وعدم وجود عائلة له تتبنى القضية.

كانت شهرة باسوليني تطبق الافاق في السبعينات وافلامه مثل «زهور ألف ليلة وليلة» و«ماما روما»، مع الممثلة آنا نانياني، و«حكايات ديكاميرون» و«الانجيل حسب القديس ماثيو» وكتاباته في الصحف المعروفة مثل «العواطف والعقائد» وأشعاره مثل «أحسن شباب» على كل لسان. ميوله اليسارية المتطرفة واتهامه بالشذوذ الجنسي، سببا له عداوات سياسية واجتماعية قوية، كما استقطب من ناحية اخرى تأييد أنصار الحزب الشيوعي الايطالي والعديد من المثقفين، لكن لم يتوقع أحد منهم أن تكون نهايته فاجعة، مثل الكاتب الاسباني المرموق غارسيا لوركا. وتدور الهمهمة الان بأن للسياسة ضلعا في التخلص من باسوليني، ربما قد يصل الى حد اتهام جهات يمينية غير معروفة.

أعلن جاني بورنيا مسؤول الشؤون الثقافية في بلدية روما، خلال مؤتمر صحافي شاركت فيه كاتبات تعرفن على باسوليني ومخرج سينمائي تابع القضية وحلل الافلام الوثائقية المأخوذة في تلك الفترة، أن هناك أدلة جديدة ومستمسكات تستدعي تقديم عريضة وقعها حوالي 700 كاتب وفنان الى رئيس الجمهورية، تتهم التحقيقات السابقة بالاهمال والتستر على مؤامرة التخلص من باسوليني. القصة الرسمية السائدة التي أدت الى الحكم على بيلوزي بالاضافة الى مجهولين، تقول إن بيلوزي كان شابا قاصرا يتعاطى الدعارة والسرقة، وان باسوليني اصطحبه الى مطعم قرب محطة القطارات الرئيسية «ترميني»، ثم ذهب به الى ضاحية اوستيا المطلة على البحر قرب روما، لكن العراك نشب بينهما فجأة، وحين وقع باسوليني على الارض قام بيلوزي بدهسه بالسيارة ثم فر من مسرح الجريمة.

يتساءل بورنيا الان لماذا تركت الشرطة آنذاك سيارة باسوليني في الهواء الطلق لبضعة أيام، ثم قادها شرطي الى مرآب الشرطة، لكنه اصطدم بالحائط وأتلف قسما من الادلة؟ تضيف الكاتبة داشا مارياني: «ما زلنا محتارين حتى اليوم. لو أن عراكا نشب بين القاتل والضحية فكيف نفسر أن ملابس القاتل بقيت نظيفة، بينما تلوثت ملابس الضحية بالدم والتراب رغم قوته البدنية المعروفة، وأن باسوليني لم يقتل ولا حتى برصاصة واحدة؟». وتابعت قائلة «كانت هناك بصمات على سقف السيارة غير بصمات القاتل، فلمن هي يا ترى؟ ولماذا لم يتعمق التحقيق فيها؟.. الناس يتبعون عادة المنطق المعقول في تحليلاتهم، لذا ظنوا أن هناك آخرين وراء الجريمة، لكن القضاء أثناء المحاكمة لم يأخذ المنطق العادي بعين الاعتبار، بل اكتفى باعتراف القاتل الذي قضى في السجن بضع سنوات فقط، ثم أطلق سراحه لكونه قاصرا، انما عاد الى السجن مجددا لارتكابه جنحا وجرائم جديدة حتى الافراج عنه عام 2005.. مما زاد لغز الموضوع، أن التحقيق لم يأخذ وقتا طويلا وأن اعترافات القاتل فيها الكثير من الغموض». ختمت مارياني بقولها: «نحن لا نستطيع القول من فعل ذلك لاننا لسنا قضاة أو محامين، لكننا نريد العدالة ولو بعد حين، وأن تصبح ايطاليا بلدا أكثر جدية.. نبغي جوابا واضحا، لان مثل هذه الامور المبهمة لا تحدث الا في البلاد الديكتاتورية». كتب باسوليني الشعر لاول مرة وعمره سبع سنوات ونشأ على محبة الادب وكرة القدم، ثم انخرط في الجيش خلال الحرب العالمية الثانية، واعتقله الالمان غير انه تمكن من الفرار متخفيا بزي فلاح وانضم الى الحزب الشيوعي الايطالي عام 1947 وكان يكتب الحوار لبعض افلام المخرج السينمائي فيديريكو فيليني، وزار الهند مع الكاتب الروائي البرتو مورافيا، كما زار الاردن عام 1963، وانتقل الى الاخراج السينمائي، حيث اتهم البعض أفلامه بتهمة جديدة وهي «الفاشية الشيوعية». كما تعاون مع منظمة يسارية متطرفة كانت تدعى «الكفاح الدائم»، قبل نشوء «الالوية الحمراء»، بينما كان يكتب مقالات يومية لاذعة في أهم جريدة معتدلة في ايطاليا وهي «كورييري ديلا سيرا» بعنوان «كتابات القراصنة». ويشيع في أوساط معارفه بأنه سيفضح الساسة المفسدين. بدأ في أوائل السبعينات كتابة آخر رواية له بعنوان «البترول»، ويقال إن فيها اشارات الى مقتل رئيس شركة «ايني» الايطالية للبترول في حادث غامض.