النباح في البيت الأبيض يكسب ساكنيه تعاطف الناخبين

دخول كلب الرئيس فورد المكتب البيضاوي كان يعني انتهاء موعد الزيارات الرسمية

الرئيس بوش مع كلبه الاسكتلندي بارني
TT

الكلاب الأكثر حظا هي تلك التي تسكن في البيت الأبيض ويمتلكها الرجل الأول أو السيدة الأولى في الولايات المتحدة. ولكن تلك الكلاب لا تعرف أنها محظوظة إلى درجة كبيرة ويتابع أخبارها معظم الأميركيين. فالكلب الأول في الولايات المتحدة أو الكلبة الأولى هو الذي يمتلكه أو هي التي يمتلكها الرئيس الساكن في البيت الأبيض، وكثيرا ما يكسب الرئيس التعاطف أو يحصد الكراهية من خلال مراقبة الشعب لطريقة معاملته لكلبه قبل وبعد وأثناء الانتخابات. وقد عرفت الولايات المتحدة حتى الآن 42 رئيسا أكثر من نصفهم امتلكوا كلابا في البيت الأبيض، كان أولهم جورج واشنطن الذي امتلك عشرة كلاب، وآخرهم جورج بوش الذي يمتلك كلبين اثنين.

من يشاهد معاملة الأميركيين للكلاب، وحبهم لها، وتعلقهم بها، لا بد أن يتذكر العبارة الواردة في التراث العربي «أنت وفيُ كالكلب»..

ورغم أن تراثنا كما يفهم من هذه العبارة ربط الكلب بالوفاء إلا أنه مع مرور الأيام أصبح العربي إن أراد أن يشتم أحدا أطلق عليه صفة الكلب، دون أن يدري أن الكلب صاحب صفات حميدة، ولا يقل وفاء وإخلاصا لصاحبه عن الفرس أو الجمل، إن لم يتفوق على بني الإنسان في هذه الصفة.

وفي الوقت الذي تخلى فيه العرب عن تراثهم في ما يتعلق بفهم الكلاب، فإن الأميركيين يتخذون من الكلاب رفاق درب ويعاملون الحيوانات الأليفة كما يعاملون أطفالهم. ولا يستغرب الأميركي عندما يسمع أميركيا آخر يطلق صفة «كلبي» على الشخص الذي يعزه أو يريد أن يمدحه أو أن يصفه بالوفاء، وهو ما ينطبق تماما على نظرة التراث العربي للكلب.

وفي الوقت الذي يقتصر فيه امتلاك الكلاب والحيوانات الأليفة على الأشخاص القادرين أو الأسر متوسطة الدخل التي تستطيع الإنفاق على هذه الحيوانات فقد تأسست جمعيات غير ربحية تمتلك كلابا متطوعة تزور المرضى في المستشفيات وذوي الاحتياجات الخاصة في دور المسنين، لإشراك هؤلاء في الحصول على حنان وعطف الكلاب، إضافة إلى قضاء وقت مع أولئك الذي يرغبون في التنفيس عن عواطفهم عن طريق لمسات حانية من أياديهم على ظهور الكلاب ورؤوسها.

وتأتي جميعة «الكلاب الحانية» الأميركية في مقدمة الجمعيات التي تشجع أصحاب الكلاب على التطوع بكلابهم وحيواناتهم الأليفة الأخرى لقضاء أوقات سعيدة مع المرضى وكبار السن والأشخاص العاجزين عن امتلاك الكلاب. وتقول الجمعية التي تأسست أوائل السبعينات من القرن الماضي في ولاية نيوجرسي، إن زيارات الكلاب للمرضى في المستشفيات أو المصحات تساعد في العلاج النفسي والتعجيل بشفائهم.

وفي الوقت الذي يمكن أن نرى في الولايات المتحدة رجالا ونساء مشردين في الشوارع، فمن المستحيل أن يوجد كلبا مشردا أو قطا هاربا، لأن الحيوانات الأليفة وعلى رأسها الكلاب تتمتع بالسكن المجاني لدى أصحابها ورعاية كاملة ونظافة محكمة.

وبالنسبة لأخبار كلاب الرئآسة، فهناك أميركي واحد على الأقل من بين كل ثلاثة أميركيين ممن يملكون الكلاب يتابعون أخبار كلاب الرؤساء ويراقبون معاملة هؤلاء الرؤساء لكلابهم وهو ما يعود على الرؤساء بالتأثير سلبا أو إيجابا طبقا لأسلوب تعامله مع كلبه الذكر أو الأنثى. ويحرص الرؤساء على معاملة كلابهم برقة وحنان خصوصا أمام الكاميرات، ولكن الرئيس الوحيد الذي تولد عنه انطباع سيئ بسبب اقتنائه حيوان أليف كان ليندون بي جونسون، فهو الرئيس الذي لم يكن يحظى بالتأييد الشعبي بسبب حرب فيتنام، وازداد غضب الجماهير عليه وهم يشاهدونه يسحب كلبه من أذنيه أمام عدسات التليفزيون.

وأهمية الدعم الذي تقدمه الحيوانات في وقت الحرب برزت مرة أخرى مؤخرا على يد بوش الذي يعاني من عزلة متزايدة بسبب كارثة الحرب في العراق. فقد علق بمرارة مؤخرا قائلا انه لن يسحب القوات من العراق حتى لو لم يبق بين من يؤيده أحد سوى كلبه الاسكتلندي الصغير بارني وزوجته لورا.

وكان الرئيس الأسبق هاري ترومان قدم نصيحة بسيطة ذات يوم لا يزال جميع خلفائه حتى يومنا هذا يتبعونها وهم في قمة السعادة، وهي «إذا أردت صديقا في واشنطن عليك بشراء كلب». بيد أن الاصدقاء الذين يمشون على أربع في البيت الابيض هم شيء اكبر بكثير من مجرد أصدقاء يمكن الاعتماد عليهم في عالم السياسة الموحش، فهم يكفلون (للرئيس) تعاطف الناخبين. والاميركيون مهووسون بالحيوانات الاليفة حيث تقتني نحو ثلثي الاسر الاميركية واحدا منها على الاقل في بيوتها. فلا غرابة إذن في أن غالبية الطامحين لدخول البيت الابيض عبر الانتخابات الرئاسية التي تجرى العام القادم والذين يربو عددهم على الـ 20 يقتنون حيوانات أليفة.

وأعلن اثنان منهم ممن لا يقتنون حيوانات اليفة أنهم بصدد اقتناء كلب. ولذا فان ثمة فرصا طيبة في استمرار سماع النباح عبر ردهات البيت الابيض بعد مغادرة الرئيس الحالي جورج بوش للحكم. والمرشحون على شاكلة الشعب الاميركي يفضلون الكلاب بين مختلف الحيوانات لرفقتهم. ويقتني كل من المرشحين الديمقراطيين البارزين هيلاري كلينتون وجون ادواردز كلبا، تماما مثل الجمهوري البارز أيضا جون ماكين. وإذا ما كان النصر الانتخابي يعتمد على مسألة اقتناء الحيوانات الاليفة وحدها فمن المؤكد أن سيناتور اريزونا ستكون لديه فرص رائعة في تحقيق نصر ساحق. فلديه قطة وسلحفتان وواحد من حيوانات ابن مقرض الشبيه بحيوان ابن عرس ويستخدم في اصطياد القوارض، وثلاثة من البراكيت وهو ببغاء صغير هزيل و13 حوض سمك تعيش كلها في المنزل الذي شيد قبل 70 عاما، إلى جانب كلبيه. لكن المرشح الديمقراطي باراك اوباما، وهو أيضا بين ابرز المرشحين، حسبما تشير استطلاعات الرأي، لا ينتمي لدائرة مقتني الحيوانات الاليفة. بيد انه وعد بناته الصغار بشراء جرو صغير لدى دخوله البيت الابيض. كما يتوق الديمقراطي كريس دود أيضا لاقتناء حيوان اليف. وبينما لا يقتني سيناتور كونيكتيكت واحدا حتى الان بسبب معاناة أفراد الاسرة من الحساسية فانه يتطلع الان لشراء كلب لا يسبب الحساسية. وهذا يجعل من عمدة نيويورك السابق رودي جولياني وعضو مجلس النواب توم تنكريدو المرشحين الوحيدين اللذين لا يقتنيان حيوانا اليفا ولا يعتزمان. وعلى الرغم من أن الاقتناء ليس شرطا لازما للفوز بالبيت الابيض فانه منذ الرئيس الاول جورج واشنطن إلى جورج بوش فان الرؤساء الاميركيين هم من محبي الحيوانات الاليفة، وتثبت مقتنيات متحف الحيوانات الاليفة في انابوليس بولاية ميريلاند ذلك.

وتتعدد تلك المقتنيات من بصمة لقدم كلب الرئيس رونالد ريجان (لاكي) وجرس البقرة بولين وين التي كان يقتنيها الرئيس وليام هوارد تافت إلى تمثال بالحجم الطبيعي لبارني وهو احد كلاب الرئيس الحالي.

وتعرف مؤسسة المتحف كلير ماكلين، 73 عاما، قصص الـ400 حيوان اليف عاشت في البيت الابيض كما لا يعرفها أحد. ومنذ عام 1985 عندما تم استدعاء مربية الكلاب إلى البيت الابيض لقص شعر لاكي كلب ريجان، وهي تقوم بجمع تذكارات عن الحيوانات الاولى. وفي عام 1988 قررت عرض مجموعتها للجمهور. تقول ماكلين، التي أطلقت على قطتيها اسم بيتي زوجة الرئيس جيرالد فورد وتشيلسي ابنة الرئيس بيل كلينتون، «لقد افتتحت المتحف للتوثيق لرؤسائنا المغرمين بالحيوانات آملة أن يحذو الناس حذو الرؤساء وان يعاملوا حيواناتهم برفق». وبحسب ماكلين فان الحيوانات لعبت على الدوام دورا في السياسة. فأثناء الحرب العالمية الاولى عهد الرئيس وودرو ويلسون لنعجته بمهمة «جز» عشب حديقة البيت الابيض دعما للمجهود الحربي بتوفير راتب الجنايني. وأهدى الزعيم السوفييتي نيكيتا خروشوف كارولين الابنة الصغرى للرئيس الأميركي كنيدي كلبة فضائية هي بوشينكا التي كانت أمها ستريكا قد طارت إلى الفضاء على متن سفينة الفضاء سبوتنيك 5 . وكانت بوشينكا أو «فلوفي» بمثابة عرض للسلام بعد أزمة الصواريخ الكوبية. وقبل كنيدي الهدية مسرورا لكن فقط بعد أن تم تفتيش جسمها بدقة بحثا عن أية أجهزة تنصت. وعندما كان كلب الرئيس فورد يدخل إلى المكتب البيضاوي للعب كان زائرو الرئيس يعرفون أن مقابلتهم مع رئيس الدولة قد انتهت، ولكن حب الأميركيين للكلاب والحيوانات الأليفة قصة لا تنتهي.