الأعراس الشعبية الفلسطينية تتلاشى

تعكس واقع الحياة وتنتشر في القرى وتغيب عن المدن

زفة شعبية فلسطينية على ظهر الخيل (أ. ف.ب)
TT

رغم ان للشعب الفلسطيني تراثا غنيا لاحتفالات الزواج والاعراس الا ان الفلسطينيين في المدن الكبرى قليلا ما يشاهدون عرسا شعبيا تراثيا وتظل تلك الاحتفالات حكرا على القرى الصغيرة التي ما زالت تتمسك بتلك العادات والتقاليد. وحتى في تلك الاماكن يقول السكان ان تلك التقاليد تتلاشى شيئا فشيئا حتى في تلك القرى. وبدلا من الحفلات التقليدية التي تتردد فيها الاغاني الوطنية التي قد تعكس الانتماء التنظيمي للعريس فمن الاغاني التي تمجد فتح وزعيمها عرفات الى الافراح الاسلامية التي تقرع فيها الطبول فقط وتمجد حماس وكتائبها اصبح الناس يتجهون الى الحفلات الحديثة التي تعتمد على الـ« دي جي» والقاعات الكبيرة. وحتى اولئك الذين يحافظون على تقاليد الاعراس التراثية فانهم يختلفون في طريقة الاحتفال ففي افراح شمال الضفة الغربية لا بد من وجود شعراء يتبارون في تقديم الشعر المغنى وهم معروفون «بالحداية» ويغنون الشعر طوال السهرة في تحد لافت بينهم يكشف عن مواهب وثقافات متعددة. اما في جنوب الضفة الغربية يمكن فيه ان ترى البعض يزف العريس على ظهور الخيل التي تكون عادة مزينة بطريقة مبهرة وبالاعلام الفلسطينية. وليس بالضرورة دائما ان تحدد قناعة العريس طريقة الزفة لكن كثيريين لا يجدون الخيل اصلا، وهي تتجمع في مناطق محددة بالضفة وقليلة العدد في مناطق اخرى، او لا يستطيعون دفع تكاليف استئجارها. ويقول عنان الناصر وهو صحافي قد تزوج قبل اشهر زواجا شعبيا ان التكاليف عاليه سواء في استحضار الشعراء (الحداية) الذين يطلب بعضهم حوالي 8000 شيكل (حوالي الفين دولار) او في استئجار الخيل التي ستحمل العروسين ورغم ذلك يقول عدنان انه اختار العرس الشعبي لانه الاكثر شيوعا، وقريب الى الواقع المعاش اذ يغني الشعراء أغاني تلامس طبيعة الحياة ومشاكلها وهو ما يجعلها اكثر جماهيرية اذا يكفي ان يعلم اهالي القرية والقرى المجاورة بحضور الحداية ليتجمعوا بالآلاف. ويضيف الناصر بان هذه الحفلات مطلوبة حتى من المتدينين لانها بدون موسيقى.

وحفلات الحداية عادة لا تقتصر على المبارزة الشعرية لكنها غنية باغاني الزجل الشعبي والميجانا والعتايا وبالدبكة ايضا وهي الوان فنية قلما تجدها في الاعراس الرسمية في المدن الفلسطينية المختلفه. ويرى عنان ان سكان المدن لا يميلون عادة لهذه الاعراس الشعبية لان ثقافتها المدنية والموسيقية مختلفة الى حد كبير ولان استحضار الخيل والحداية من قرى مجاورة اكثر كلفة من اقامة عرس في احدى القاعات. وهناك ايضا عامل الاختلاط فسكان المدن معتادون على الاختلاط في قاعة واحدة وهذا غير ممكن بالقرى. ويؤكد على ذلك الزجال الشعبي ايمن الديرواي الذي يعمل حدايا منذ 10 سنوات ولم يغن في اعراس المدن رغم انه جاب كل القرى الفلسطينية باستثناء الجنوب. ويقول الديرواي ان الظاهرة في القرى لم تتراجع وهي منتشره الى حد كبير وان 60% من الاهالي يلجأون الى الاعراس الشعبيه وفيها يغني ايمن ما يشاء في الدين والسياسة وعن الوطن والجمال لكنه منذ الاحداث الاخيرة في قطاع غزة يمتنع والاخرين عن الاشارة الى الفصائل الفلسطينية ويقول ان لديهم نقابة تراقب هذا الاداء. ويحيي الديرواي الحفل عادة مع احد شركائه او اكثر ويتبارون في مبارزة شعرية مرتجلة كما يقول بحسب آخر التطورات التي يتابعونها في فلسطين او العراق او لبنان وعن الجدار والرواتب والاحتلال، ويطلب منهم مثلا في احيان كثيرة مناظرات شعرية عن الجنة والنار والليل والنهار والبر والبحر والتين والزيتون. واذا كانت هذه الاعراس ما زالت منتشرة في شمال الضفة الغربية فانها شبه غائبة في جنوبها لكن احمد مزهر والذي يملك عددا من الخيول في مدينة بيت لحم يحاول ان يصحح الفكرة بان بعض ابناء المدينة يطلبون الخيول من اجل الزفة لكنه يؤكد ليس تمسكا بالعادات او التقاليد انما من باب التغيير ولفت الانتباه وهو قليل اذ اصبح الجميع يتجهون الى القاعات الحديثة والموسيقى الصاخبه دون اي حداية او زجالة او مظاهر شعبيه او تراثية، وهذا ايضا ينسحب على قرى الجنوب التي تستخدم القاعات والـ«دي جي» في احياء اعراسها وان كان البعض في مراحل مختلفة قد اقام اعراسا وطنية عبر حواجز عسكرية اسرائيلية او في اراض مهددة بالمصادرة.