الأسرة المتنقلة تدخل المعركة السياسية في الكونغرس

تذكر بمشهد من فيلم العراب واجتماع أفراد العائلة تحت سقف واحد بعد محاولة قتل الدون كورليوني

غرفة رقم 211-s للشيوخ (إ. ب. أ)
TT

عند الساعة الرابعة تقريبا في أول من أمس، فتح عمال مبنى كابيتول (المخصص للكونغرس) أبواب غرفة تحمل رقم ( 211-s )، التي تعرف رسميا باسم ليندون بينز جونسون، لكن يطلق عليها بشكل غير رسمي «تاج محل». في الداخل فوجئوا بمشهد غير متوقع: كانت هناك تسعة أسرة في القاعة مع اطرها المعدنية المحمولة. فجأة بدت الغرفة التي كانت مرتبة ونظيفة جدا والمنتمية إلى القرن التاسع عشر، والمخصصة للاستقبال، وكأنها غرفة في معسكر تابع للجيش.

نظريا، ستستخدم الغرفة واسرتها كفترة راحة لاعضاء مجلس الشيوخ من الديمقراطيين، ضمن خطة زعيم الأكثرية هاري ريد الاستمرار على مدار الساعة بالنقاش الدائر، الذي تحول الى معركة بين الكونغرس والرئيس الأميركي حول مقترح سحب القوات الأميركية من العراق، مع انتهاء أبريل (نيسان) المقبل. وفي الحقيقة، كان المشهد إعلاميا وفرصة لالتقاط الصور للمكان بهدف إظهار استعداد الديمقراطيين لخوض معركة حقيقية في المجلس.

والمشهد يشبه كثيرا مشهدا من فيلم «العراب» الحائز الأوسكار، الذي اخرجه فرانسيس كوبولا في بداية السبعينات من القرن الماضي، وتناول فيه ثقافة الاجرام والقيم التي تحكم علاقات الوفاء المبنية على مفاهيم اجتماعية تقليدية، ترجع الى جزيرة صقلية وقيمها العائلية. في الفيلم يظهر الابن سوني (جيمس كان) يتباحث مع شقيقه بالتبني توم هاغن (روبرت دوفال)، الساعد الأيمن لعميد الأسرة (مارلون براندو) والمحامي المعني بشؤون اسرة كورليوني، حول ما يجب فعله ردا على محاولة قتل الدون كورليوني، العراب.

وفي الفيلم يقول توم: «سوني، دعنا نناقش الموضوع، ونطلب اجتماعا مع رؤساء عائلات المافيا الأخرى لتسوية الأمور».

ويرد سوني بحالة عصبية قائلا: لا، لا اجتماعات بعد اليوم.. دعنا نذهب الى (الفرشات) الأسرة المتنقلة». وما كان يقصده سوني هو وضع جميع افراد عائلة كورليوني الاجرامية والمساعدين، يأكلون ويشربون وينامون في مكان واحد، حتى تنتهي العملية ويردون على محاولة القتل ويثأرون بذلك لدم العراب من العائلات الأخرى.

وفي الفيلم يظهر، افراد العائلة، ابناء العراب الأربعة، ونسباؤهم ومساعدوهم، وهم يتناولون العشاء في مكان واحد. حتى اعداد العشاء كان من مهمة الرجال في تلك الليلة. في حالة ريد فإن الفرشات (الأسرة) تعني أن الحزب الديمقراطي كرس كل جهوده لإنهاء دور الولايات المتحدة في حرب يجد أن بلده قد خسرها. أما أن يكون هناك حق أفراد ينامون عليها فهذا لا أهمية له.

هناك عادة ما يقرب من دزينة من الأسرة مخزونة في قاعة المشرف على جلسات مجلس الشيوخ لمناسبات من هذا النوع. فمنذ عام 1915 ظلت هناك جلسات ليلية حول قضايا تخص الحقوق المدنية، والطاقة الذرية وترشيحات القضاة. وهذه المبادرة من الحزب الديمقراطي، هي من أجل مواصلة الجلسات حتى يتم إجبار الأقلية الجمهورية، كي تصوت على إعادة القوات الأميركية من العراق.

فحسب المؤرخ دون ريتشي، الذي يعمل في مجلس الشيوخ، فإن هدف الجلسات المسائية المستمرة على مدار الساعة هو ثلاثة اشياء: القيام بأنشطة حقيقية لها علاقة بعمل ومداولات مجلس الشيوخ، وايقاف من يحاول اعاقة المداولات، وجذب انتباه الشعب للتركيز على قضية ما. وأضاف ريتشي: «جلب انتباه الجمهور هو جزء من العملية العلنية، وكان الأمر دائما هكذا. من حيث محاولة الضغط المعنوي هناك ضغط على الأكثرية، لأنها هي التي تريد أن تحافظ على النصاب. وهذا ما يجعل الأكثرية قادرة على إبقاء شخص أو شخصين هناك، أما البقية فيستطيعون النوم في البيت على أسرتهم. إنها الأكثرية التي تستطيع أن تبقى وتنام على الأطر المعدنية في مبنى الكونغرس».

فبالنسبة للأشخاص، الذين هم في الثلاثينات من أعمارهم كان مشهد الاسرة الخفيفة المحمولة داخل فراغات مزخرفة، العملية ذات طابع يعود إلى عام 1997. كان ذلك حينما توجه الكثير من الشباب إلى سان فرانسيسكو لمغامرات خاصة بالويب، من خلال البقاء لساعات في أماكن مكتملة الحاجات مع طاولات بليارد ولوحات للعبة الأسهم وأجهزة العاب فيديو وأسرة.

وقال جو كالواي مؤلف كتاب «عمل يجعلك وكأنك تستعرض نفسك»: «كان ذلك في منطقة باي بسان فرانسيسكو في بدايات عمل الانترنت. كان الناس ينامون في تلك المهاجع على فرش متنقلة. وهذا كان من الأشياء المقبولة التي تبين ان فئة الشباب منسجمة مع ذاتها».

لكن ذلك كان وقتا عمل فيه الشباب بطريقة الفقاعة التي تبقي نفسها بنفسها. انت تستطيع أن تعيش وتلعب وتشرب وتتواعد، بل حتى تنام في مكتبك. فلماذا السفر حينما يكون لديك كل شيء على سطح البيت؟ ولماذا تذهب إلى بيتك حينما يوجد سرير مفتوح بجانب مكتبك؟

بالتأكيد كانت هناك أسباب أخرى لاستخدام عدة النوم. فمثلما هو الحال مع الأسرة المحمولة في قاعة ليندون جونسون تكشف الأسرة فيها على العمل الشاق الذي يقوم به هؤلاء الشباب (في العشرينات من أعمارهم)، والذين سيصبحون مديرين لكليات متخصصة بادارة الأعمال. هذه الصورة التي يرسمونها عن نفسهم مخصصة كي يجعلوا الناس يشترون أشياء مثل طعام الحيوانات البيتية عبر الانترنت.

وأضاف كالواي: «هذا المشهد يقول كم نحن دؤوبون. نحن نريد البقاء كل الليل من أجل إنجاز الأمور. إنه شارة شرف بالنسبة لهؤلاء الرجال. لا يهم ما إذا كانوا سيبيعون أي شيء أما لا».

*خدمة «واشنطن بوست»- خاص بـ«الشرق الأوسط»