«القادوميات».. دروب قديمة للمشي بعيدا عن الزفت والضوضاء

يتضمن المشروع شق الطرق بين القرى اللبنانية وإقامة بيوت الضيافة

يمشون نحو القمة («الشرق الأوسط»)
TT

«القادوميات» اي طرقات السير على الأقدام، او «طريق الرِجْل» كما يسميها البعض، او الدروب القديمة، هي جزء من تاريخ لبنان الاجتماعي والزراعي والاقتصادي. واذا كان «نادي الدروب القديمة» هو اول من أحيا هذا «التراث» اللبناني وذكر اللبنانيين بجمالات وأهمية هذه الدروب، فان شركة «ايكوديت» للاستشارات البيئية تنفذ حاليا، وبالتعاون مع منظمة السياحة العالمية، والوكالة الاميركية للأحراج، ومجموعة واسعة من البلديات والهيئات الحكومية وغير الحكومية وشركات سياحية، مشروعا اوسع نطاقا يقضي بـ «ترسيم» ما أطلق عليه اسم «درب الجبل اللبناني» الذي يمتد بطول 300 كيلومتر، ويربط المناطق والقرى الجبلية على نحو متواصل مرورا بنحو 75 بلدة.

فبالنسبة الى النادي تقول نائبة الرئيس ومنسقة الرحلات زينة شهاب لـ «الشرق الأوسط»: «لقد تأسس النادي عام 1971 على يد مجموعة من الاصدقاء الذين يهوون المشي. ولم يتوقف اعضاء النادي البالغ عددهم نحو 60 عضوا، عن تنظيم الرحلات في المناطق اللبنانية، حتى خلال الأزمات والحروب». اضافت شهاب: «هناك نحو 20 دليلا يضعون أنفسهم في تصرفنا يحددون مسبقا الطرقات التي نسلكها، ثم نلتقي جميعا في ساحة انطلياس كل يوم احد، وننطلق بسياراتنا كل مع حوائجه، نحو المكان المحدد، حيث نوقف السيارات، ونسلك القادوميات سيرا سريعا لمدة 4 أو 5 ساعات، وقد يلجأ بعضنا الى ممارسة هواية اضافية، كجمع الحجارة، أو التقاط الصور، أو جمع النبات النادر، ويعمل بعضنا الأخر احيانا على «تنظيف» القادومية من النبات البري او الصخور».

وتعتبر شهاب أن المشي في القادوميات افضل كثيرا من المشي على الطرقات الإسفلتية «التي تسبب الارتجاج والتعب»، اما القادوميات فقد هندسها باتقان وعناية كل من الماعز والحمير والبغال. وقديما كان المزارع يفلت حماره ويلحق هو به راسما له الطريق الى الحقل، ثم جاء الاكارون (المكارية باللغة الدارجة) لينقلوا البضائع والسلع على هذه الطرقات بعد توسيعها«. وتشير شهاب الى تعاون النادي اللبناني مع اندية خارجية، ولاسيما «نادي الألب» الفرنسي، علما ان قادومياتنا تختلف عن قادومياتهم. فعندنا يتغير المنظر كل نصف ساعة. اما عندهم فيمشون ساعات عديدة في بيئة واحدة، وعندنا نعرف حدود الفصول، اما عندهم فلا تعرف متى تمطر ومتى تشمس. عندنا ننام في الطبيعة ملء جفوننا، وعندهم لا يقوون على النوم من دون ناموسيات للحماية من البعوض«.

اما بالنسبة الى «درب الجبل اللبناني« فقد جرى ترسيمها على اربع مراحل ووفق معايير محددة: تسهيل السير مع وجود استراحات، مراوحة الارتفاع بين الف متر و1500 متر عن سطح البحر، وامكان استخدامها على مدار السنة، وقربها من المشاعات او المعالم الطبيعية والثقافية، ومركز الضيافة والاستقبال ومراكز التخييم، وابتعادها عن الطرقات المعبدة. وقد استعين في ترسيم الدرب بخرائط الجيش اللبناني، وخرائط القادوميات لدى «نادي الدروب القديمة».

وجاء ترسيم الدرب، في صيغته النهائية، عابرا 29 قرية شمالية، و23 قرية في جبل لبنان الشمالي، و10 قرى في جبل لبنان الجنوبي، و16 قرية في الجنوب بعد تغيير مسار الدرب الاولي لاسباب امنية. ويقول المسؤول في شركة «ايكوديت» صاحبة المبادرة، كريم الجسر لـ «الشرق الأوسط»: «ان المشروع يتضمن اقامة بيوت ضيافة لاستراحة المشاة ومبيتنهم، واقامة مراكز للتخييم، والـ«بك نك». ويجري العمل حاليا على تطوير التصاميم لتأهيل ساحتين تاريخيتين، و«درب الشخروب» التي كان يسلكها الأديب اللبناني المشهور ميخائيل نعيمة».

ويضيف: «ان الهدف من هذا المشروع تعريف اللبناني والسائح الأجنبي على معالم لبنان الطبيعية، وتنمية الريف، وخلق فرص عمل للقرويين، وقد دربنا فعلا عناصر محلية للإشراف على صيانة الدرب والإرشاد السياحي، وادارة مراكز الضيافة والاستقبال. وتتضمن الخطوات المستقبلية تأهيل اجزاء اخرى من الدرب ووضع لافتات لتسهيل السير عليه، واصدار خرائط سياحية تستخدم في دليل الدرب والموقع الالكتروني.