كرة القدم تصلح ما يفسده السياسيون

المنتخب العراقي وحد شعبه ورسم ابتسامة على الوجوه الحزينة

TT

أثبتت كرة القدم من جديد أنها الرياضة القادرة على علاج ما تفسده السياسة والحروب، وقد كان مشهد الجماهير العراقية التي خرجت الى شوارع العاصمة بغداد والمدن الرئيسية بالبلاد ابتهاجا بانتصارات منتخبهم في بطولة أمم آسيا المقامة حاليا في أربع دول هي تايلند وماليزيا وفيتنام واندونيسيا، خير تعبير عن ذلك.

ووسط المناشدات اليومية للجهات الحكومية لتكثيف جهودها لمعرفة مصير رئيس اللجنة الاولمبية العراقية احمد عبد الغفور السامرائي الذي اختطف في مثل هذا الايام من العام الماضي مع عدد من اعضاء المكتب التنفيذي اثناء اجتماع رسمي، توجه المنتخب العراقي لكرة القدم الذي واجه الكثير من الصعاب لكي يلملم صفوفه من هنا وهناك، الى البطولة الآسيوية محملا بكثير من آمال شعبه الحزين لأجل تحقيق انجاز ينسيه الأوجاع اليومية التي تمر بها البلاد.

ومثل غيره من بقية الفرق الرياضية العراقية كان منتخب الكرة يعاني على كل الاصعدة، سواء عدم وجود ملاعب مجهزة للتدريب، او صعوبة تجميع اللاعبين الدوليين وغالبيتهم اصبحوا خارج البلاد، والمقيمون بالداخل يواجهون الارهاب تارة والخوف من القتل تارة اخرى، لذلك كان الحل هو التجمع في البلد الجار الاردن.

ويعبر صانع ألعاب المنتخب كرار جاسم عن هذا الواقع بقوله «الدوري المحلي لا يستمر ثلاث جولات متتالية بانتظام بسبب الدواعي الامنية غير الخفية على الجميع، ومع المنتخب من المستحيل أن نجتمع في العراق، وعادة ما يكون ذلك في إحدى الدول العربية القريبة، اما الأمر الأخطر هو التهديد بالخطف او القتل خاصة للاعبين المعروفين».

ويشير كرار في حديث تلفزيوني على هامش البطولة، الى ان راتب اللاعب المحلي لا يتجاوز 250 دولاراً في الشهر الواحد، ورغم ذلك هو الاكثر عرضة للخطر.

وكان المستوى المضطرب للمنتخب العراقي الذي ظهر به في بطولة غرب آسيا التي أقيمت مؤخرا وفاز المنتخب الايراني بلقبها، قد جعل الشكوك تحوم حول مهمته القارية في أمم آسيا ومدى قدرته على النجاح فيها. فبعد مشوار غير مستقر في جولات التصفيات المؤدية الى نهائيات كأس آسيا 2007، تعثر المنتخب العراقي في «خليجي 18» في ابوظبي في يناير (كانون الثاني) الماضي، وألقى ذلك التراجع بظلاله عليه وبقي يعاني من فراغ تدريبي استمر خمسة أشهر إثر إقصاء الاتحاد العراقي للجهاز الفني بقيادة أكرم سلمان. وقد عبر امين عام الاتحاد العراقي لكرة القدم احمد عباس عن هذا الواقع بقوله «منتخبنا يواجه مشاكل فنية معقدة يعاني منها منذ خروجه من (خليجي 18) في ابوظبي، وزاد الفراغ التدريبي من تلك المعاناة. لدينا مدربون محليون على مستوى كبير من الكفاءة لكنهم غير متفرغين لقيادة المنتخب بسبب التزامات خارجية، وهذه أبرز مشاكلنا فلا نستطيع تجميع اللاعبين او الابقاء على المدربين وسط الضغوط التي تعاني منها البلاد».

لكن المنتخب العراقي الذي حقق نتائج طيبة في كأس آسيا الثالثة عشرة في الصين 2004، حيث بلغ ربع النهائي قبل ان يخسر أمام منتخب البلد المضيف، دائما ما ينتفض في المناسبات الكبرى مستعينا بالحماس للتغلب على مشاكله.

وتعاقد الاتحاد العراقي مع المدرب البرازيلي جورفان فييرا لقيادة المنتخب لمدة 60 يوما فقط مقابل 40 ألف دولار وفق عقد لا يلزم الاخير بتحقيق نتائج لا يقدر عليها، وعن ذلك يقول رئيس الاتحاد العراقي حسين سعيد: «رغم المشاكل التي تعترض منتخبنا، فان ثقتنا قوية بلاعبينا لتخطي هذه العراقيل وتحقيق نتائج طيبة في بطولة أمم آسيا». من جهته، لم يخف المدرب الجديد فييرا صعوبة المشاركة في كأس آسيا خاصة بعد ان لمس مشكلة تجميع اللاعبين، حيث كان تسعة لاعبين فقط هم من بدأوا معه برنامج الاعداد القصير قبل ان يلتحق الآخرون قبل البطولة مباشرة. ولم يكن المنتخب العراقي مطالبا بتحقيق المعجزات وفقا للاوضاع التي تمر بها البلاد، إلا ان جمهور الكرة في الشارع كان على ثقة بأن الفريق قادر على رسم ابتسامة وبث الفرحة في شعب عانى الكثير من الآلام. ووضع الشارع الكروي العراقي ثقته في نجوم منتخبه المحترفين بالخارج خصوصا هداف الدوري القطري وفريق الغرافة يونس محمود وهوار محمد العائد من العين الاماراتي، ونشأت اكرم لاعب الشباب السعودي السابق. وأشار المدرب فييرا قبل سفره للبطولة الآسيوية الى صعوبة العمل مع المنتخب العراقي، لكن اكد على انه سيعمل مع اللاعبين على تخطي العديد من الحواجز الفنية وخصوصا ما يتعلق بهضم الافكار التكتيكية من اجل تحقيق الانتصار. وبالفعل نجح المنتخب العراقي في تحقيق انتصار لافت على منتخب استراليا القوى 3/1 ثم تعادل مع عمان، وكان قد تعادل مع تايلند المستضيفة ليتصدر مجموعته الأولى ويضمن التأهل لربع النهائي.

ويذكر أن العراق سيواجه فيتنام في بانكوك السبت المقبل وسيكون مرشحا لبلوغ الدور نصف النهائي للمرة الثانية في تاريخه بعد عام 1976 عندما اكتفى بالمركز الثالث. انعكس فوز المنتخب العراقي ايجابا في جميع انحاء البلاد، حيث خرج المشجعون بكافة طوائفهم يحملون صور اللاعبين وتجمعوا بعد انتهاء المباريات للاحتفال غير عابئين بحظر التجوال الذي يفرض على العاصمة. لكن الغريب ان الجمهور الذي اعتاد على سماع صوت الانفجارات يوميا، لم يجد الا اطلاق الرصاص الذي غطى سماء بغداد للتعبير عن فرحته.

لكن انتصار المنتخب أثبت انه ليس فقط انتصارا للكرة العراقية وانما للشعب بأكمله، حيث اجتمع أبناء هذا البلد الجريح الذي يبحث كل يوم عن بلسم للجراح بعد ان ضاقت به السبل لكي يجد لحظات فرح.

يقول عامل بأحد المقاهي التي يحتشد بها الجمهور يوميا لمتابعة المباريات بسبب الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي بالمنازل: «من حقنا ان نبتهج بهذا الفوز الذي أنسانا كل ما يحيط بنا من مشاكل ومصاعب حياتية».

لقد أثبت منتخب كرة القدم انه الوحيد القادر على توحيد الشعب في مثل هذه اللحظات الصعبة. حتى المدرب البرازيلي الذي كان متخوفا في البداية تمنى لو كان في العراق لمشاطرة الشعب الاحتفال.

وقال جورفان فييرا بعد ضمان التأهل لربع النهائي: «أود لو اكون في هذه اللحظات في بغداد لكي أشاطر الشعب العراقي فرحته ببلوغ منتخب بلاده الدور ربع النهائي.. احاول ان اتصور البهجة والسرور في قلوب الشعب العراقي، لكنني اتابع ذلك من خلال الاخبار على شاشة التلفزة». من جهته، اعتبر رئيس الاتحاد العراقي حسين سعيد «هذا الانتصار لكل العراقيين وليس لأسرة كرة القدم في البلاد؛ فقد وقف عشاق المنتخب وراءه ومنحوه جرعة معنوية لتحقيق الانتصار». وأضاف سعيد «لقد تناسى العراقيون جروحهم ومرارة الأوضاع ليقفوا خلف منتخبهم في أدق الاوقات لكي نحقق النصر للعراق وهذا شيء بسيط نقدمه لهذه المشاعر».

واستغلت قنوات التلفزة والإذاعات الحكومية انتصار المنتخب لتعطيه الحيز الاكبر من التغطية في برامجها وكأنها الفرصة التي انتظرها الملايين من العراقيين بفارغ الصبر لنسيان ولو للحظات الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد.

من جهتهم، عبر لاعبو المنتخب العراقي عن تصميمهم للمضي بقوة نحو نصف النهائي، وقال قائد الفريق ونجمه الابرز يونس محمود «مهمتنا مع فيتنام ستكون مثيرة بل مرتقبة، لأننا اصبحنا الآن تحت انظار العالم بعد فوزنا على أستراليا وتصدرنا للمجموعة الاولى». وأضاف محمود «لقد اجتهدنا كثيرا في الدور الاول، وسنحاول السير قدما على نفس المنوال أمام فيتنام لانتزاع الفوز من جهة ومواصلة التقدم في البطولة». ويرى صانع ألعاب المنتخب العراقي الشاب كرار جاسم «مباراة فيتنام لا تقل اهمية عن مباراة استراليا، وانهم في تحد لتأكيد استحقاقهم لصدارة المجموعة بالدور الاول». وقال جاسم الذي انتقل مؤخرا الى صفوف الوكرة القطري لموسم واحد «نسعى بكل قوة الى الفوز امام فيتنام لأنها فرصة مثالية للوصول لنصف النهائي».

ويعقد انصار الكرة العراقية على كرار جاسم الكثير، وهو الذي ظهر بشكل لافت في دورة الألعاب الآسيوية بالدوحة، 2006 وساهم في الحصول على فضية مسابقة كرة القدم فضلا عن دوره البارز مع فريقه السابق وصيف موسم 2005-2006 النجف في منافسات دوري ابطال آسيا.

ودفع المستوى المميز الذي اظهره جاسم ادارة الوكرة القطري لاستقدامه والتعاقد معه للموسم المقبل في اول تجربة احترافية خارجية له.

ويأمل لاعب المنتخب العراقي كرار جاسم الذي بات البديل الناجح والحاسم بيد المدرب جورفان فييرا في هذه البطولة، في الاستمرار حتى النهاية وتحقيق لقب تنتظره الملايين من عشاق المنتخب العراقي.