الاحتفال بالمئوية الثامنة لميلاد الشاعر جلال الدين الرومي

شاعر الحب والتسامح والسلام الذي عشقه الغرب

الشاعر جلال الدين الرومي («الشرق الأوسط»)
TT

لأنه شاعر الحب والتسامح والسلام خصّصت منظمة «اليونسكو» هذا العام للاحتفال بالمئوية الثامنة لميلاد العارف الكبير جلال الدين الرومي. ومثل هذا الاختيار هو نتيجة لجهود بعض المستشرقين الذين نجحوا في نقل مقولات الرومي، إلى درجة أنه في انجلترا بيعت قرابة مليون نسخة من أشعاره. ومن أبرز هؤلاء المستشرقين كولمان باركس، الذي ترجم الأعمال الخالدة لجلال الدين الرومي، راجيا أن تسهم ترجماته في إذابة الجليد بين الأميركيين والمسلمين، خصوصا أن الترجمة تحمل رسائل حب إلى كافة الشعوب والأديان، وهو ما تكشف عنه أعماله «الديوان الكبير»، وأيضا «مكتوبات» المتضمن لـ147 رسالة وجهها، كنصائح لحكام عصره.

وفي هذا الإطار، نظّم المجمع التونسي للعلوم والآداب بالتعاون مع السفارة الإيرانية بتونس، ندوة فكرية شاركت فيها مجموعة من الباحثين والمتخصصين في دراسة أشعار جلال الدين الرومي، ونذكر منهم سيد محمد صدر هاشمي، وتوفيق بن عامر، وعبد القادر النفاتي، وأبو أيوب المرزوقي، وقد تم النظر في عدة جوانب تتعلق بالمشترك بين محيي الدين بن عربي وجلال الدين الرومي وتجربة الإرادة عنده، بالإضافة إلى مرتكزات فلسفة السماع في تجربته.

بين الدكتور محمد بن الطيب في مقاربته لنظرية وحدة الوجود بين محيي الدين بن عربي وجلال الدين الرومي، أنه إذا كان يغلب على حديث بن عربي في وحدة الوجود الطابع الحجاجي والمنزع الفلسفي المجرد، فإن منزع جلال الدين الرومي يبدو ذوقيا ويجنح إلى التعبير الشعري ويصطنع أساليب التخيل والتصوير، بمعنى أن الخيال المجنح عنده يتفوق على العقل المجرد، وهو ما يظهر في عمله المثنوي كأثر فني ومصدر للقيم الإنسانية، حيث تتجلى لمحات عن وحدة الوجود باعتبارها تجربة ذوقية.

وهو يرى أن شعر الرومي يستوعب وحدة الوجود في معناها الأعم الأشمل عبر شعر وجداني تأملي دائم التحليق في آفاق العالم الروحاني، لا يكاد يلامس الحياة المادية إلا ليبين تفاهتها إذا ما قيست بحياة الروح وسعادتها الأبدية في الكمال والخلود.

وهو، أيضا، وثيق الاتصال بوحدة الوجود. فشعره إنساني أخلاقي يتناول في جانب كبير منه الإنسان ومنزلته العظيمة في الكون ويرسم المثل العليا للحياة الإنسانية في هذا العالم.

ومركزية قيمة الحب في تجربة جلال الدين الرومي، جعلته يتجاوز حدود المعتاد، ويقبل كل المشارب والأطياف، ويقول بوحدة الحب والأديان، بل ان العاشق في نظره لا يكون صادقا ما لم ينفتح أفقه على كل الخلق. وبالنظر إلى هذه الفلسفة استنتج الباحث أن جملة الأفكار والفلسفات التي صاغها جلال الدين الرومي حول الدين والوجود تعود في أصولها إلى الحب الجارف الذي كان يكتنف روحه بوصفه الإحداثية الأم والمرجعية الأساس التي صاغت كل أفكاره وصبغتها بوشاح العشق والهيام. ولا ريب أن التجاءه إلى «السماع» وسيلة للتعبير وملاذا للنفث والترويح يندرج ضمن هذا الأفق، على اعتبار أن الحب لديه لهيب محرقة، وفي بحر السماع ماء معين ترتوي منه الروح ما تريد وكيفما تشاء. إن كل القيم التي دارت حولها تجربة جلال الدين الرومي الروحية، تصب في فلسفة الحب التي جعلها أساس الوجود الإنساني، وحول المرأة التي ينعكس فيها كل شيء.

فهو عندما يتحدث عن قيمة السماع والمجاهدة والإرادة في مكابدة النفس والوجود، كأنه يجسد فعل المحبة الشاملة.

ومن هنا نستطيع أن نفهم لماذا تهتم «اليونسكو» بمئويته، ولماذا يهتم العرب بتجربته القائمة على المحبة والتسامح، ولماذا كلما تعمقنا قليلا في مقولاته، وجدنا أنه شاعر صوفي يرى أن الروح شعارها العشق الحقيقي لذلك يدعونا إلى أن نعشق حتى الثمالة لأن الوجود كله عشق.