أوبرا «توسكا» تحت عيون دولة بوليسية

تراجيديا مؤثرة في مسرح مفتوح وسط طبيعة أكثر تأثيرا

لقطات من أوبرا «توسكا» (ا.ف.ب)
TT

عندما يسمع المرء عبارة «حفل أوبرالي»، فإن أول ما يتبادر إلى ذهنه صورة مبنى شاهق عتيق وعريق وشديد الفخامة، ونساء ورجال في ملابس السهرة، سموكينغ اسود وابيض، وفساتين طويلة، بديكولتيه مع مجوهرات، وحقائب يد مذهبة صغيرة، وريش وماكياج خاص بهكذا مناسبة.

عكس ذلك تماما اجواء حفلات اوبرا «توسكا» للايطالي بوسيني، التي بدأت اول من أمس وتستمر حتى 18 اغسطس (اب) القادم، وتقام العروض بالمسرح العائم بمدينة بريغنز عاصمة اقليم فولاربرغ، غرب النمسا. وان كانت حفلات بريغنز تتفق مع بقية الحفلات، من حيث المضمون العام للاوبرا، حيث تفيض المشاعر الانسانية المتضاربة ما بين الحب والكراهية، الفرح والترح، الا انها تختلف اختلافا كاملا من حيث اللوجستك والمسرح .

وتعتبر اوبرا توسكا درة برنامج مهرجانات بريغنز السنوية هذا العام، الذي يضم بالإضافة اليها برامج اخرى متنوعة ومتعددة، منها عرض لاوبرا شكسبير «حلم ليلة صيف»، التي ستعرض في قاعة اوبرا بريغنز، بالاضافة لمسارح متخصصة للاطفال لتثقيفهم، وتشجيعهم للتعامل مع المسرح، بجانب حفلات موسيقية وجولات سياحية حول المدينة.   المسرح العائم حيث تعرض اوبرا توسكا مفتوح يجلس حضوره في الهواء الطلق، وان هطلت امطار فإنها لا تعطل العرض، بل يتدثر الكل بعوازل مطر بلاستيكية «من دون ضرر او ضرار». ويمتاز بان خشبته لا تغطيها ستائر. ورغم ان عرض توسكا الاوبرالي يتواصل لمدة ساعتين من دون انقطاع، وتتغير مناظره ومشاهده بين فصول ثلاثة، فان المخرج وفريقه يتمكنون من الامساك باحاسيس ومشاعر المشاهدين والانتقال بها في سرعة ومهارة وسلاسة بادخال لوحات خلفية «حوائط» على شكل ديكور تنقل المشاهد من الكنيسة الى القصر الى السجن في دراما تؤججها المؤثرات الصوتية والموسيقى والملابس، بالاضافة لاكثر من 100 كومبارس، يتبعهم المشاهد وهم يسوقونه من موقف لآخر، ومن حبكة لاخرى.

ولمحبي الاوبرا فان توسكا مشبعة حتى النخاع بالمشاعر الانسانية المختلفة، في تراجيديا تدور غناء وتمثيلا، ما بين حب وغيرة ونزاع بين السلطة والبطش، والرقة والدين والسياسة والثراء والفن.

وتدور الأحداث حول توسكا الفتاة التي سميت باسمها الاوبرا، فهي مغنية مشهورة، فائقة الجمال يتصارع على ودها الفنان السريالي الثائر كافاردوسي، ورجل الدولة السياسي سكاربيا، صاحب الجاه والسلطة، الذي يتمناها لنفسه فيشعل نار غيرتها محاولا ايهامها بان حبيبها كافاردوسي يخونها، بدليل غرابة اطواره وما يحيط به من اسرار. أما غرابة الحبيب كافاردوسي فتعود لخوفه على سلامة صديقه السجين الهارب اغاليتي، الذي يخطط لتهريبه خارج روما، اتقاء لشرور سكاربيا وشرطته.

وقد نجح المخرج فيليب هيلمان ومصمم الديكور جوهانس لايكر، نجاحا كبيرا في رسم خلفية المسرح على شكل «عين» واسعة تبث احساسا بالدولة البوليسية، والمطاردة والمراقبة لكل من يخالف السلطات والتجسس ومتابعة الجميع حتى لو كانت الحبيبة الجميلة.

وقد قصد منظمو المهرجان تقديم توسكا على المسرح العائم، الذي تم تشييده في التسعينات، للاستفادة من جماله الطبيعي الذي حبته الطبيعة به نظرا لموقعه، اذ يقوم منصوبا داخل مياه بحيرة كونستانس مربط حياتهم وحياة 25 ألف مواطن يسكنون بريغنز التي لا تبعد عن الحدود النمساوية السويسرية كثيرا، في اقليم يقصده سياح من دول الجوار للاستمتاع بطبيعته الخلابة صيفا وشتاء، وبما يوفره من اماكن لهو ورياضة، خاصة التسلق والتزحلق والسباحة، فيما يقصده اجانب اخرون، للتعامل مع مصانع نسيجه المشهورة بانتاج ارقى انواع الاقمشة القطنية، سواء المطرزة او المطبوعة والسادة، ومن اولئك اثرياء الافارقة وكبار التجار، خاصة من غرب افريقيا من نيجيريا والسنغال وعرب خليجيين، بجانب سودانيين تجار وافراد، ممن يجدون ضالتهم في خامات تناسب الثوب السوداني، الذي تبيعه تلك المصانع كثوب بامتاره الاربعة والنصف، وليس مجرد بالات قماش يتم تمتيرها بعد الطلب.  اوبرا توسكا، من دون ان نفسد التفاصيل، تنتهي بموت جميع ابطالها، سواء طعنا بسكين، او ضربا بالرصاص، أو بقتل النفس، بعد قتل الحبيب وانكشاف سر ارتكاب جريمة. أما سبب تحرر الحضور من اللباس الرسمي لحضور هكذا فعاليات، فلأنهم اساسا سياح، يتفرقون بعد العروض للاستمتاع  ببريغنز ومطاعمها، وجبال الالب التي تحيطها والقرى المتناثرة من حولها، التي تنعكس انوارها متلالئة على سطح مياه البحيرة، فتزيد من سحر اجواء مسرحها العائم.