موجة حر.. عربية

أنست الأردنيين أكلة «المنسف» وألزمت المصريين شعار «خليك بالبيت»

موجة الحر في الأردن حملت الناس للإقبال على الخضر والفواكه (أ. ب)
TT

أمس، وخلال الأيام القليلة الماضية، قاربت درجة الحرارة الخمسين درجة مئوية، أو لامستها، في بعض الأقطار العربية. وبغير شك تعدتها في بعض الأحيان، حسب لسان حال من شواهم الحر وهم في أعمالهم أو في الطريق إلى بيوتهم. حر كادت تذوب فيه الأمخاخ. لكن الناس تحايلوا على لفحة الهجير كل بما توفر له من مهارب ورثها من ثقافة الآباء في مغالبة الصيف.

وكالعادة، لم يعجز المصريون في الوصول الى حلول للتعامل مع تلك الموجه الحارة، التي أقضت مضاجعهم. فشواطئ مصر الشمالية كانت ملجأ للعديد منهم حتى ساعات متأخرة من الليل، وبخاصة في مدينة الاسكندرية التي تستقبل كل عام نحو 43% من المصطافين المصريين نظراً لتنوع شواطئها، التي تتيح التمتع ببحر المتوسط لكافة المستويات. فما بين الشواطئ المميزة كالمعمورة والمتنزة التي وصلت فيها سعر إيجار الشاليه الى 1000 جنيه في اليوم الواحد، وما بين شواطئ ميامي وسيدي بشر والعجمي التي يرتادها محدودو الدخل، استوعب شاطئ الاسكندرية المصطافين الذين فروا اليه مقدراً ما يعانون منه، فمنحهم بعضاً من نسماته عملاً بالمثل القائل «اعمل الخير وألق به في البحر».

ويتذكر المصريون أن في ثقافتهم في الماضي غنى موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب «الميه تروي العطشان، وتطفي نار الحيران، يا جمالها والحوض مليان، وأنا عايم علي وش الميه». ولكن في هذه الايام التي قاربت فيها درجات الحرارة في مصر الخمسين، إثر تعرضها لموجة حارة، تحالفت الظروف ضد الكثير من المصريين الذين عانوا من ارتفاع الحرارة وانقطاع المياه في عدد من المدن والمناطق رغم كونهم في بلد النيل، إلى الحد الذي شهدت فيه بعض المدن مظاهرات ضد ظاهرة انقطاع المياه، التي لم يعد في إمكانية المصريين الاستعانة بها لإطفاء حرارة الجو وري عطشهم. في الوقت الذي لا تعرف فيه نسبة كبيرة من منازل المصريين، اختراع جهاز التكييف الذي يقتصر وجوده في بعض منازل الطبقة المتوسطة والثرية فقط. أما من لم يستطع السفر لظروف العمل أو لقلة الحيلة وضيق ذات اليد، فقد انقسموا الى فئات، بعضها استعاض بمياه حمامات السباحة في الأندية الرياضية، والبعض الآخر من القادرين مادياً ذهب لقضاء يوم الإجازة في حمام سباحة في أحد الفنادق القاهرية التي تمنح مرتادها بعض الرفاهية. أما الفئة الثالثة (وما أكثرها) فقد قررت الخروج الى الهواء الطلق واصطحاب بعض الأمتعة التي تمكنها من التغلب على درجات الحرارة المرتفعة. البعض من هذه الفئة توجه إلى الحدائق المفتوحة التي تنتشر بها ألعاب الاطفال ونوافير المياه، فافترشوا بعضا من أغطية الأرض تاركين للأطفال فرصة اللعب والانزلاق في نوافير المياه التي عوضتهم حمامات السباحة، في الوقت الذي تمتعوا هم فيه بنسمة من الهواء العليل، وهم يحتسون كوباً من الشاي الساخن، الذي لا غني عنه في أوقات المصريين. والجزء الآخر من تلك الفئة أخذ صنارة الصيد وبعضا من المقاعد الخفيفة التي يمكن طيها بسهولة، بالإضافة الى ترمس الشاي وبعض العصائر، وانتقل الى أرصفة الكباري المطلة على النيل.

وبعيدأ عن بعض الحركات السياسية المصرية التي كانت قد طالبت المصريين بالمكوث في المنزل يوم ذكري ثورة 23 يوليو الماضي كوسيلة للاحتجاج السلبي على بعض الممارسات الحكومية، فإن نسبة كبيرة من المصريين رفعت شعار«خليك بالبيت» كوسيلة للتغلب علي حرارة الجو. تلك الفئة لها طقوسها هي الاخرى. فقد أعدوا شرفات المنازل لتكون ملجأً لهم في تلك الظروف وزودوها ببعض الزرع الذي يمدهم بغاز الأوكسجين النقي، كما وضعوا فيها بعض المراوح الكهربائية لمساعدتهم على تحمل حرارة الجو. ولا تخلو الجلسة في تلك الشرفات من تناول الحلوى وبعض التسالي والمحمصات التي تبدأ «باللب والسوداني» في الطبقات البسيطة، وتنتهي بالبندق والفستق وباقي أنواع المكسرات لدى القادرين. وتزداد قيمة الشرفة التي غنى لها عبد الوهاب في الماضي «فيك عشرة كوتشينة في البلكونة» إذا وضع فيها جهاز التلفزيون ومائدة يلعبون عليها الورق أو الطاولة.. وهكذا هي مصر دائماً عامرة بأهلها الذين يعرفون التكيف مع كل الظروف.

وفي السعودية، على الرغم من أن صيفها يكاد يكون الأعلى حرارة في الدول العربية، إذ تتجاوز درجات الحرارة الخمسين أحيانا كل عام، وهي مرشحة للزيادة بحسب علماء البيئة وفقاً لحساباتهم وتحذيراتهم من ظاهرة الاحتباس الحراري التي تجعل الأرض أكثر حرارة وسخونة عاما بعد عام، فإن السعوديون استطاعوا التأقلم مع هذه الظاهرة والتصالح مع شمس الجزيرة العربية الحارقة بنصائح الجدات وكبار السن التي لا تختلف كثيرا عما يقوله أطباء اليوم. إلا أن التأثيرات السلبية على الصحة التي ينتجها ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير منطقي دفع جهات مختصة مثل إدارة الرعاية الصحية الأولية، ووزارة الصحة إلى إقامة حملات توعوية مكثفة للتعريف بأضرار ارتفاع درجات الحرارة وخطورة التعرض لها وأهم الإرشادات الطبية التي تقي من أضرار الشمس والتعرض لها خاصة في شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب) الشهرين الأكثر حرارة في العام.

ورغم ارتفاع الحرارة والمخاطر التي تصاحبه، فإن الدكتورة إيمان العقل، من إدارة الرعاية الصحية الأولية بجدة، أوضحت أن أعداد الإصابة بضربات الشمس وحالات الجفاف الناتجة عن نقص السوائل في الصيف السعودي هي حالات نادرة الحدوث ومحدودة جداً، لكن عدم انتشار الثقافة البيئية والوعي الحقيقي بظاهرة الاحتباس الحراري وتأثير التلوث البيئي في ارتفاع نسب درجات الحرارة بشكل غير طبيعي، حسب قولها، كلها أمور تؤكد على أن الصيف الذي يعرفه السعوديون في طريقه إلى التغير، ويجب مواجهة مشاكل البيئة لتبقى شمس الصيف التي عرفها السعوديون، واحتملوا حرارتها منذ الأزل صحية وغير مؤذية.

وفي المغرب، لم يعد اهتمام كثير من الأسر منصبا على كيفية الهروب إلى الشواطئ أو الغابات الظليلة أثناء اشتداد الحر، بل في الاحتياط والتأهب في منازلهم لمواجهة عاديات الطقس الحار، حيث يكثر تجوال الحشرات الضارة ليلا، وخاصة الصراصير (العدو اللدود الذي لا يقهر) والمزعج لربات البيوت، والذي لا تحد من غطرسته الهجومية المبيدات الحشرية. كما يحتاط السكان من الحرائق التي يمكن أن تندلع في مساكنهم نتيجة تماس كهربائي أو ضغط شديد على قنينات الغاز، ناهيك من القدرة على احتمال «الصهد» الذي واجهه آباؤهم وأجدادهم في الماضي بالنوم فوق السطوح، التي يمنعها قانون التعمير الحديث في الأحياء العصرية.

وهكذا لم يعد الصيف مقرونا بالحرية والحبور، كما كان العهد حينما كان الطقس معتدلا في المغرب، فقد أصبح السفر مغامرة محفوفة بمخاطر الطريق والتعرض لأمراض الصيف والتسمم الغذائي. وفي هذا السياق تنتشر الأزبال بكثرة في عدد من أحياء المدن المغربية، وتنبعث منها بسرعة روائح كريهة، ولذلك فإن التنقل بالسيارة لم يعد متعة بسبب «حرب» الطرق. أما وسائل النقل العمومي فيصفها البعض بأنها «فران متحركة» كون غالبية الحافلات غير مكيفة كما كثرت الأحاديث المتندرة عن القطارات التي «تستقبل الركاب بحرارة زائدة عن الحد».

وغالبية السكان، نتيجة قلة الوعي لا يدرون أن الإنسان هو عدو البيئة الأساسي، ولذلك يستمر العابثون في الفتك بها، وإضرام الحرائق في الغابات التي لا تصلها سيارات الإطفاء عند حدوث الكارثة، فترش الماء على رماد الأشجار.. تلك مؤشرات أخطار محتملة، ولكن مع ذلك، يفرح المغاربة بمقدم الصيف ويرحبون به، كونه يقترن بعادات اجتماعية يتعاطفون معها مثل كثرة الأعراس، وعودة الجالية المقيمة في الخارج بما تجلبه معها من رواج اقتصادي، ونفح المهاجرين لعائلاتهم بمساعدات نقدية. لكن معاناة الناس الصامتة، إنما توجد في المدن الداخلية والمناطق الجافة النائية، حيث ينحصر الهم اليومي في تدبير الماء لإرواء العطش. ورغم هاته الحالة، فإن السلطات لم تعلن إجراءات استثنائية من قبيل الاقتصاد في استهلاك الماء وتحديد مناطق منكوبة.

وصيف هذه السنة، حار سياسيا كذلك، ففي عزه ستجري الحملات الانتخابية حيث سيتبارى المرشحون من دون أن يحتاجوا إلى إظهار سواعدهم، كونهم يلبسون قمصانا خفيفة، ذات أكمام قصيرة. وهاجس المواطنين أن يحل فصل رمضان وقد هدأت النفوس بعد صراع الانتخابات، لتستقبل الشهر الكريم بروح التسامح والإخاء، حتى يتسنى مواجهة عطش الصوم في شهر سبتمبر(أيلول) المقبل.

وفي الأردن، شهدت المحال التجارية، إقبالا شديدا على تناول السلطات والمثلجات والمرطبات الباردة، في حين تراجع الإقبال على تناول المنسف الأردني والحلويات (الكنافة) بسبب الارتفاع في درجات الحرارة التي وصلت في عمان الى 41 درجة في حين بلغت في الاغوار 50 درجة.

وابتعد الاردنيون عن تناول وجبة المنسف الشعبية التي كانت تتصدر قائمة الوجبات والحلويات خاصة الكنافة الحارة، اضافة الى ابتعاد الناس عن تناول الحمص والفلافل التي يحتاج أكلها الى الماء من شدة العطش، واقبلوا على تناول الوجبات الخفيفة والسلطات بكافة انواعها والفواكه والمثلجات والمرطبات. ودفعت موجة الحر الى شراء المكيفات والمراوح، الامر الذي أدى إلى زيادة استهلاك الطاقة الكهربائية. ولمس التجار الفرق في المبيعات في المكيفات بكافة أنواعها مقارنة مع نفس الفترة خلال العام الماضي. والموجه الحارة فرضت على النساء الابتعاد عن طهي المأكولات التي تسبب العطش واتجهن الى طهي الخضراوات والاكثار من السلطات والفواكه.

الى ذلك اكتظت ساحات المتنزهات العامة وأطراف الشوارع الخارجية في المدن وشارع المطار وشارع الأردن بالمتنزهين الهاربين من حرارة البيوت ليلا، وواصلوا احياء سهرات ليالي الصيف حتى ساعات متأخرة يطفئون نار الحر بتناولهم البطيخ والشمام والمرطبات.

كما احتشد عشرات الآلاف من المواطنين في ساحات حدائق الملك حسين، يتابعون الفقرات الفنية في صيف عمان لعام 2007 وفعاليات بازار الأيادي الثاني لهذا العام.