تحويل الكلمات إلى رموز.. آخر موضة في اختزال الكتابة

في عصر الانترنت والرسائل الالكترونية الأيقونات تدخل حتى على اللغة الشفهية

في عام 1912 اقترح الكاتب آمبروس بيرس آلية ترقيم جديدة تشير ضمنا إلى المزاح والدعابة («نيويورك تايمز»)
TT

هناك العديد من الوسائل لمواساة شخص، بعد فشل عقد قيمته ملايين الدولارات. وليس من بينها ارسال رسالة الكترونية تحتوي على صورة وجوه مكفهرة. فعلى سبيل المثال كادت الكسيز فيلدمان مديرة شركة فيلدمان ريالتي، المتخصصة في العقارات التجارية في مانهاتن، ان تتوصل الى عقد كبير، «وفي اللحظة الأخيرة تلقت رسالة الكترونية من السمسار يقول فيها: اسف العميل ليس مهتما بهذه المساحة، حظا سيئا لم نتمكن من الحصول على المبلغ. ثم يعقبه صورة وجه مكفر».

وتقول الكسيز «أمر سخيف، لن ينتابني شعور افضل بعد خسارة مئات الألوف من الدولارات، لأن شخصا وضع وجها مقتضبا لإبلاغي بالأمر». وتضيف أن «ايقونات المشاعر» مخصصة للمراهقين السذج في «رسائل اميركان اون لاين» بعد اكتشاف، مثلا، الغاء تدريب كرة القدم الاميركية».

تجدر الإشارة الى أن هذه الايقونات EMOTICONS، الوجوه المبتسمة والمكفهرة والغمازة الموجودة في لوحة مفاتيح الكومبيوتر، استمرت وكبرت اكثر مما يجب بعد مرحلة انتشارها في التسعينات. فبعد 25 سنة من اختراعها كنوع من الاختزال الكومبيوتري أصبحت تلك الايقونات مصدر شبه مقبول من علامات الترقيم. فلم تعد خاصة بجيل ليست له ذكرى بالاسطوانات، او بسراويل الجينز التي يصل سعرها الى 25 دولارا، أو عالم بدون نيكول ريتشي.

وقد غزت هذه الصور أو الايقونات حياة الكبار، بعدما انتقل المزيد من اتصالاتنا اليومية من الكلمة المنطوقة الى الكتابة. ويقول المستخدمون انه اذا ما طبقت بدقة، فلن يمكن اعتبارها خاصة بالمراهقين فقط، لأنها تقدم درجة من الضمان لعديد من التفاعلات الاجتماعية للكبار، وتساعد تجنب الاخطاء الفادحة في الاتصالات.

ويقول ويل شوالب مؤلف كتاب «ارسل: الدليل الحيوي للبريد الالكتروني للمنزل والمكتب (دار KNOPF)» الذي وضعه بالاشتراك مع دافيد شيبلي محرر صفحة الرأي في «نيويورك تايمز» «في العالم المثالي، لدينا ما يكفي من الوقت لكتابة رسالة توضح عبر اللغة اننا سعداء أو ودودون».

وقال شوالب انه شاهد زيادة في استخدام الكبار لأيقونات التعبير عن المشاعر في اتصالات حساسة ومهمة. وذكر «الناس الذين بدأوا في استخدام تلك الايقونات يستخدمونها الآن بانتظام. وقد بلغت الايقونات في السنتين الأخريتين سن الرشد». وفي الواقع كشفت دراسة ل«ياهو» ان الأيام التي كانت تعتبر فيها الايقونات مجرد ضحية غير مقبولة في العمل قد انتهت. ففي استطلاع شارك فيه 40 الف مستخدم لبرنامج البريد السريع لـ«ياهو مسنجر» تبين ان 52 في المائة من المشاركين تزيد أعمارهم عن 30 سنة، ومن بين هؤلاء 55 في المائة قالوا انهم يستخدمون الايقونات يوميا. بينما ذكر 40 في المائة انهم اكتشفوا الايقونات لأول مرة في السنوات الخمس الماضية.

وذكر كريستوفر مايكل مؤسس ورئيس موقع MILITARY.COM وهو موقع لشؤون العسكريين وقدامى المحاربين، ان استخدام الايقونات قد انتشر انتشارا كبيرا في الاتصالات التي تجرى عبر موقعه حتى بين الادميرالات في البنتاغون، حيث يقدمون غطاء محددا لكبار القادة للتعليق على القضايا الحساسة. وأضاف مايكل، وهو ليفتنانت كوماندر في الاسطول. «غمزة تقول الكثير، يمكن لادميرال القول أن الغمزة تعني آلاف من المعاني المختلفة ـ ولكني أعلم ما تعنيه. هي نوع من الشيفرة».

وفي السابق كانت الايقونات تبدو أكثر حيوية، فمثلما كان عند الاطفال القدرة الخاصة لمشاهدة صديقهم السحري لبغ بيرد سنوفلوباغون «في سيسمي ستريت»، وهي شخصية ليس من المفروض ان تكون مرئية للكبار، يبدو انهم يعرفون ان (3:-O) تمثل بقرة، او أن (@>-->-- ) ترمز الى زهرة وغيرها. ولكن بعد 25 سنة من الاستخدام بدأت الايقونات في الانتقال من الصفحات الى لغتنا المنطوقة. وحتى الرجال الكبار في وول ستريت، على سبيل المثال، سيستخدمون التعبير QQ اشارة الى ايقونة، يرمز لها ببكاء عينين في حديث ساخر. وقالت كريستينا غريش مؤلفة كتاب: The Joy Of Text Mating, Dating And Techno-Relating انها اعتادت على استخدام رمز P في اشارة الى مد اللسان في الرسائل السريعة في العمل. وقالت في رسالة بريد الكتروني، ان النادل عندما أبلغهم بطبق اليوم في قائمة الطعام ردت بإرسال ذلك الوجه ليس عن عمد، كما تقول، وإنما لأنه يعبر عن عدم الرغبة. ونظر اليها الصديق الذي كان معها وكأنها اصيبت بالجنون، وسألها ما إذا ارسلت واحدا من تلك الوجوه. على الرغم من اننا ننظر الى ايقونات التعبير عن المشاعر كظاهرة متعلقة بعصر الانترنت، فإن الجيل السابق منها قد ظهر من خلال الآلات الطابعة. ففي عام 1912 اقترح الكاتب آمبروس بيرس آلية ترقيم جديدة تشير ضمنا الى المزاح والدعابة. أول استخدام عام للأيقونات المعاصرة كان عام 1982. إذ ارتبط اسم سكوت فالمان، استاذ علوم الكمبيوتر في جامعة كارنيج ميلون في بيتسبيرغ، بنشرة جامعية الكترونية كانت تنشر آراء محبي الكمبيوتر حول قضايا مثيرة للخلاف مثل الإجهاض ومشاكل طلابية مثل توقيف السيارات في الحرم الجامعي. وجاء في واحد من أعداد النشرة ان خطأ حدث في تفسير ايقونة تتعلق باستخدام مصاعد مباني الجامعة، الأمر الذي دعا البروفيسور فالمان الى اقتراح ايقونة تدل على المزاح وأخرى تدل على التعامل بصورة جادة، وتحولت الأخيرة الى رمز الى عدم الارتياح. تفاجأ البروفيسور فالمان بانتشار أيقونات الدعابة بصورة سريعة، وعكف آخرون على توسيعها، مثل مجموعة فنيي «زيروكس» الذين أعدوا ووزعوا قائمة بعدد من الأيقونات الجديدة. ورغم كل ذلك لم يسجل هذا الابتكار كعلامة تجارية خاصة بالبروفيسور فالمان، ولم يحقق منها أي استفادة مادية. ويقول البروفيسور فالمان، ان ما قدمه لا يعدو ان يكون «هدية صغيرة الى العالم»، وأضاف قائلا انه اذا كانت هناك رسوم مالية على استخدام هذه الايقونات لما استخدمها أحد، لذا لا بد ان تكون مجانية. تطور العمل في هذا المجال وظهرت ايقونات لرموز تاريخية مثل رونالد ريغان (7:^)، فضلا عن مشاهير يضعون نظارات شمسية مثل نجوم فرقة (ZZ Top B-=