جنود جيش التاراكوتا الصيني يغزون لندن

كل الاحتياطات اتخذت في سفرهم إلى بريطانيا وكأنهم أبناء إحدى الأسر المالكة

جيش التاراكوتا بعتاده كما اكتشف في موقعه (ا.ب.أ)
TT

عشرات من الصور التقطت، وحزم من الورق تحتوي على ملاحظات دقيقة التفاصيل، تبادلها ممثلون من المتحف البريطاني مع زملائهم الصينيين قبل التوقيع على الوثائق الرسمية، التي وصفت بأنها معقدة قانونيا، وسيتم بموجها نقل مجموعة تماثيل من جيش التراكوتا (مادة طينية بلونها وتكوينها) الصيني الى المتحف البريطاني الشهر المقبل. كل هذه العملية المعقدة تمت فقط لنقل 20 جنديا بعتادهم من موقعهم الذي اكشفوا فيه في الصين ووضعهم في أيد بريطانية.

وهذا ليس بالشيء الغريب ان تتقدم الصين الى الدولة المستضيفة بكل هذه المطالب، انها المرة الأولى التي توافق فيه على نقل هذا العدد الضخم من محاربي جيش التراكوتا، حراس الامبراطور في حياة الآخرة، الذي يرجع تاريخه الى أكثر من 2000 عام. ولهذا فإن هؤلاء المحاربين القدامي سيسافرون مثلهم مثل العائلات المالكة في يومنا هذا، اذ قدرت تكلفة التأمين لكل واحد من هؤلاء الجنود ما بين 750 الفا الى 1.5 مليون جنيه استرليني (1.5 ـ 3.0 مليون دولار). سيستقلون الطائرات المختلفة، مثلهم مثل ابناء العائلات الملكية، الذين يخشون من فقدان عدد كبير منهم ممن يستحقون اعتلاء العرش في حالة سقوط الطائرة. وهذه المرة الأولى التي يستضيف فيها المتحف البريطاني جنودا من العاصمة الصينية القديمة «كشان كان» كانوا ولا زالوا يحرسون ضريح الامبراطور كوين شي هوانغدي. المعرض الذي يقام تحت اسم «جيش امبراطور الصين الأول»، يفتتح للجمهور في 13 سبتمبر (ايلول) المقبل. هناك فقط خمسة عاملين مؤهلين لتحضير ولف الجنود بمواد حافظة لوضعها في الصناديق، وفي الأول من أمس عندما بدأت الاستعدادات لنقل الجنود قام اربعة اشخاص من الخبراء بوضع احد الجنود المتخصصين في فن الرماية بعناية في صندوقه الخاص كونه جاثيا على ركبتيه، أي في حالة الاستعداد للرماية.

هذا الجندي هو واحد من 160 محاربا في جيش يصل تعداده الى الآلاف من جيش التراكوتا، وقد تم تأمين هذا المحارب بمبلغ 1.6 مليون جنيه استرليني (3.2 مليون دولار).

وقال تيم تشيمبرلين من المتحف البريطاني لصحيفة «التايمز» انه شاهد عن قرب الصعوبة التي يواجهها زملاؤه في الصين في تجهيز الجنود والخيول لوضعهم في الصناديق المخصصة، مضيفا ان هذه الخيول لها اجسام كبيرة وثقيلة أما ارجلها فهي طويلة وفي غاية الرشاقة، «مثلها مثل الخيول المستعملة في الساباقات هذه الأيام. وعند وضعها في الصناديق روعي في العملية التأكد من عدم لمس الأرجل قعر الصندوق، حتى اذا وضع الصندوق بقوة على الأرض عند انزاله، فإن ذلك لن يصيب الخيل بأذى».

وقال لي أحد العاملين: «انني خائف من ان اشد الحبل اكثر مما هو مطلوب واسبب العطب للتمثال، بالرغم انني اقوم بهذا العمل منذ اكثر من 20 عاما». وقال ليو يوهوي، نائب رئيس المكتب الثقافي الصيني: لم نكن نرغب في ان نسبب خيبة امل للمتحف البريطاني، ولهذا قررنا ارسال ثلاثة خيول من مكان الحفريات وبعض التماثيل الشبيهة المصنعة حديثا». وبالنسب لهذا الجيش الجرار والضريح المدفن الملكي، فكان قد بني من مادة التراكوتا قبل اكثر من 2000 عام، وقام ببنائه 750 الف عامل على مدى 47 عاما. وبدأ العمال العمل على هذا الضريح بعد ان تسلم الامبراطور الحكم مباشرة في مملكة كين، وهو ما زال في سن الثالثة عشرة. وكان قد تمكن هذا الامبراطور الصارم الصغير من توحيد المملكات المتصارعة في الصين عام 221 قبل الميلاد تحت سلطة سياسية واحدة. توفي الامبراطور عام 210 قبل الميلاد، وأخذت الصين اسمها الحالي من اسم مملكته.

وخلال حياة الامبراطور اعتمدت المملكات المختلفة العملة والأوزان الموحدة، كما شرع في بناء سور الصين العظيم، ومع ان معظم شعوب العالم قد سمعت بهذا الجيش الجرار، الا ان القليل جدا عرف عن هذا الامبراطور، ولم يصبح اسمه متداولا في العالم رغم انجازاته الكثيرة.

وقال المتحف البريطاني ان المعرض سيكون فاتحة لتعرف الناس على واحد من اكثر الشخصيات التاريخية اهمية. وكان قد اكتشف هذا الجيش الجرار صدفة عام 1974 من قبل بعض المزارعين خلال قيامهم بحفر بئر، ومنذ ذلك التاريخ وعلماء الآثار يقومون بالبحث في هذه المنطقة التي تحتوي الجيش وعتاده والتي قدر مساحتها بمساحة مدينة كامبريدج، وما زال جزءا كبيرا منها لم يكتشف بعد. والضريح الذي يحتوي على قبر الامبراطور، كما تقول الاساطير، ما زال «مفخخا»، لم يكتشف بعد، وان المؤرخين الصينيين يريدون الانتظار 100 عام قبل القيام بهذا المشروع الضخم والبدء بالحفر للوصول الى قبر الامبراطور، لاعتقادهم ان الصين ما زالت تفتقد الى الموارد اللازمة من اجل اكماله.

ويعتقد المؤرخ الصيني سيما كيان، ان الامبراطور دفن مع كنوزه في غرفة بسقف مرصع بالجواهر، اضافة الى اللؤلؤ لتمثل الكون بكواكبه، كما ان هناك مادة الزئبق في حالة تدفق كناية عن الماء على الارض. وقد اثبت بعض الاختبارات العلمية الحديثة ان ارض المنطقة تتمتع بنسبة عالية من مادة الزئبق مما يرجح صحة نظرية المؤرخ الصيني كيان. واضاف ليو انه تم اختيار الاشكال بعناية ودقة حتى يتعرف الزائر على اكبر عدد ممكن من الموجودات التاريخية. «اردنا عرض كل انواع الجنود وعرباتهم وخيولهم مع الضباط برتبهم المختلفة. كما اضيف الى المعروضات بعض الاشكال المكسرة حتى تبين للزائر كيف تم عملها وتصميمها قبل اكثر من 2000 عام» قال ليو.

وبشكل عام يتضمن المعرض 120 قطعة، بعضها اكتشف مؤخرا في عام 1999. ويفتتح للجمهور في 13 سبتمبر (ايلول) المقبل ويستمر حتى 6 ابريل (نيسان) المقبل.