موعدنا الساعة 8 يوم 8 شهر 8 عام 2008.. وميلاد «الصين الجديدة»

بدأ أمس عام من العد التنازلي على دورة الألعاب الأوليمبية في بكين

ملصق إعلاني يعود تاريخه إلى عام 2001 في حملة الترويج لمدينة «بكين» في منافستها للفوز بتنظيم الأولمبياد (رويترز)
TT

قبل ستة أعوام، وبعد أيام قليلة من وصولي إلى العاصمة الصينية بكين، أدهشتني احتفالات ضخمة تعم أرجاء المدينة، فلقد خرج الشعب الصيني كله إلى شوارع العاصمة تعبيراً عن حالة فرح جياشة، وعندما سألت مضيفي رجل الأعمال الصيني عن سر الفرح وسبب الاحتفال، اجابني بأن اللجنة الأوليمبية وافقت على أن تستضيف بكين دورة الألعاب الأوليمبية في صيف عام 2008، وأضاف معلقاً أنها تأكيد على أن حكومة الصين قد نجحت في احتواء النظام العالمي الجديد، فالموافقة تحمل بعدا سياسيا ورسالة ذات مغزى، فما ستحققه الصين من وراء هذه الدورة، يمثل تتويجاً لنجاحاتها الاقتصادية، وتأكيداً على قدرتها في الانضمام إلى المجتمع الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية، وختم حديثه بجملة ظل صداها يدوي في عقلي سنوات طويلة «إن اولمبياد بكين 2008 هو الميلاد الحقيقي للصين الجديدة».

ويبدو أن الايام اكدت صحة كلام هذا الشاب الصيني، فلقد شمرت بلد المليار نسمة عن سواعدها لتشيد ملاعب ومدنا رياضية بأكملها، وفنادق ومتنزهات في المدن المشاركة في تنظيم دورة الألعاب الأوليمبية الـ29 وعلى رأس المدن بالطبع، العاصمة بكين التي بدت كعروس مع احتفالات جديدة.

فلقد تجمع اكثر من مليون شخص من سكان بكين في متنزهات العاصمة الصينية صباح أمس (8/8) في أول احتفالات الصين ببداية العد التنازلي لمدة عام على انطلاق دورة الالعاب الاولمبية عام 2008. ومع بداية العرض الضخم، بحسب «رويترز»، عبر مواطنو الصين عن حماسهم واستعدادهم من اجل استقبال أهم حدث رياضي وثقافي يقام في بلادهم.

وذكت صحيفة الشعب اليومية الصينية عن مسؤولين بالحكومة الصينية قولهم «إن استضافة دورة الالعاب الاولمبية، هو الطموح المشترك لجميع سكان البلاد وهو أمر كان الشعب الصيني ينتظره منذ نحو 100 عام، وبعد عام واحد سيتحقق هذا الحلم». وحذرت الصحيفة الصينية من الافراط في التفاؤل، وأكدت انه ما زال هناك الكثير من العمل، وخاصة بعد هطول الامطار بغزارة، مما أدى الى غرق الشوارع وتوقف حركة المرور وهو ما يظهر عدم دقة نظام الصرف الصحي في بكين. وأضافت الصحيفة «ما لم يتم اجراء تعديلات كبيرة على الشبكة الحالية، لا يمكن ان نضمن عدم تكرار هذه الحوادث الصيف المقبل».

وكان الحدث الأبرز في مهرجان الاحتفال هو حضور عشرة آلاف شخص في ميدان السلام السماوي في بكين، حيث حضر البلجيكي جاك روج رئيس اللجنة الأولمبية الدولية بجانب قيادات سياسية صينية، لإعلان بدء العد التنازلي مع تبقي 366 يوما بالضبط على انطلاق الدورة، ووجه روج الدعوة رسميا الى ما يزيد على 200 دولة وإقليم للمشاركة في دورة الالعاب الاولمبية العام المقبل، وقد حضر الحفل ليو شيانغ، حامل الرقم القياسي العالمي في سباقات 110 أمتار حواجز للرجال، وكذلك ونجم رابطة المحترفين لكرة السلة الأمريكية (NBA) ياو مينغ. وشملت الاحتفالات ايضاً التي نظمت في جميع أنحاء بكين بهذه المناسبة إقامة معرض خاص بالألعاب الاولمبية افتتحه رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، كذلك شارك نحو 130 مغنيا لموسيقى البوب من كل من الصين وهونغ كونغ وتايوان في الأغنية الرسمية لبدء عام العد التنازلي على أولمبياد بكين وهي باسم «نحن مستعدون في الميدان».

ويبدو ان الحكومة الصينية لن تترك مجالا للصدفة مع الطقس، فقد ذكرت صحيفة «بكين نيوز» ان مكتب الارصاد الجوية في العاصمة الصينية، وضع اجهزته المعدة للتعامل مع السحب على أهبة الاستعداد في ظل توقعات بهطول امطار في فترة بعد الظهيرة. ونقلت الصحيفة عن مسؤول بمكتب الارصاد الجوية قوله، ان مكتب التعامل مع الطقس مستعد لتجربة «منع الأمطار» باستخدام الطائرات والمدافع ومنصات اطلاق الصواريخ بنشر المواد الكيمائية على السحب لدرء خطر هطول المطر.

جدير بالذكر أن مراسم الافتتاح للدورة الاولمبية العام المقبل ستبدأ في الساعة الثامنة مساء بالتوقيت المحلي في الثامن من أغسطس (آب) 2008، واختير رقم 8 عن عمد، حيث أنه يعتبر رقم الحظ في الصين.

وقد قال جاك روج رئيس اللجنة الأولمبية الدولية «اللجنة تؤمن أكثر من أي وقت مضى بأن أولمبياد 2008 ستقدم تراثا عظيما للصين عليها أن تتعامل معه وتحافظ عليه، إن هذه الدورة تقدم فرصة ليس فقط للتمتع بالامتياز الرياضي، ولكن أيضا فرصة للناس كي يعرفوا المزيد عن المدينة والبلاد»، وأضاف «إن اللجنة المنظمة لأولمبياد بكين قامت بمهمة رائعة، وإن البرامج المتصلة بالبيئة تمثل أفضل مثال ليس فقط لليوم الحاضر، ولكن أيضا للأجيال المقبلة في الصين». أما ليو تشي رئيس اللجنة المنظمة لأولمبياد بكين 2008 فقد قال «إن اللجنة المنظمة سوف تتبع ثلاثة مبادئ في تقديم الخدمات الأولمبية، وهذه المبادئ هي الالتزام بقواعد اللجنة الأولمبية الدولية والممارسات الدولية، واعتماد معيار موحد في التعامل مع الضيوف الأجانب، واحترام الفردية عن طريق الاهتمام بتفاصيل الخدمات». وأضاف «أن الجهود سوف تتركز على حماية البيئة، وخدمات المرور، وحجز التذاكر، وخدمات الوصول والمغادرة، والخدمات في القرية الأولمبية، والعلاج الطبي، وتسجيل المتطوعين، بالإضافة إلى تنظيم الأحداث الرياضية». وتتبنى العاصمة الصينية بكين تكنولوجيا صديقة للبيئة في النقل وإمدادات الكهرباء وإدارة المياه والمخلفات من اجل ضمان دورة ألعاب أولمبية «خضراء» وفقا لما ذكرته وكالة الأنباء الصينية. حيث تخطط المدينة لاستخدام مائة عربة تعتمد على الطاقة المهجنة من الكهرباء والبنزين كحافلات عامة فى جميع الاماكن وستخدم بضعة مئات من العربات الكهربائية فى إدارات القرية الاوليمبية، وجميع الاستادات بينما سيتم توفير دراجات كهربائية فى المنطقة الاوليمبية الرئيسية. ويشمل هذا المشروع ايضا نظام النقل العام في بكين، ويهدف الى جعل 80% من الحافلات و70% من سيارات التاكسي تسير بواسطة الطاقة النظيفة، وذلك بحلول عام 2008. كما ستمتلك بكين اول محطة طاقة رياح بحلول نهاية العام الحالي بسعة 50 ألف كيلووات، وهي المحطة ستوفر الكهرباء للاستادات الرئيسية.

وقد تقدم اكثر من 560 الف شخص ليكونوا متطوعين في دورة بكين حتى أول اغسطس (آب). وذلك بعد عام من بدء تجنيدهم مسجلين رقما غير مسبوق فى تاريخ الدورات الأوليمبية. ومعظم المتقدمين سنهم اقل من 36 عاما ويحملون درجة البكالوريوس او من مستوى التعليم العالى. وتمثل المرأة نسبة 58.1 فى المائة من المتقدمين.  وكانت اللجنة المنظمة قد أعلنت في وقت سابق عن تمائم البطولة، وهي تجسد الخصائص الطبيعية لأربعة حيوانات شهيرة في الصين هي السمكة والباندا والظبي التبتي والسنونو، وهي المرة الأولى التي تستخدم فيها أكثر من ثلاث تمائم في أولمبياد صيفية. وقد بررت اللجنة ذلك بقولها «إننا لا نعتقد أن شخصية واحدة فقط، يمكن أن تجسد الثقافة العميقة والمتنوعة للصين».

ولكل من تمائم أولمبياد بكين اسم إيقاعى مؤلف من مقطعين ـ وهي طريقة تقليدية للتعبير عن حب الأطفال في الصين ـ وهذه الأسماء هي «بي.بي» للسمكة، و«جينغ جينغ» للباندا، و«هوان هوان» للشعلة الأوليمبية، و«يينغ يينغ» للظبي التبتي، و«ني ني للسنونو». وحينما يتم تجميع أسمائهم «بي جينغ هوان يينغ ني» وترجمتها عن الصينية تعني «مرحبا بكم في بكين».