أطفال أصيلة أكثر سعادة بجدران مدينتهم المرسومة باليد

غضب الطفل حسن من الشعيبية وعاد بعد 10 سنوات ليرسم جداريته في نفس المكان

طفلان من أصيلة، يستمتعان بإحدى الجداريات المنجزة في المدينة العتيقة، في اطار الموسم الثقافي الدولي الـ29 («الشرق الأوسط»)
TT

يبدو الأطفال في مدينة أصيلة المغربية، أكثر سعادة بألوان جدران مدينتهم، التي يصفها الكثيرون بأنها لوحة كبيرة، فأصيلة تُحسب لها نظافتها، التي منحت الجدران والجداريات فرصة التألق والوجود في محيط بيئي يليق بها.

وأصيلة مدينة صغيرة، لكنها تتسع وتتمدد كل عام لكي تحتضن زوارها، مثل جدارياتها وكل اللوحات التي تؤثث لمَعارضها، والتي بقدر ما تضيق عليها إطاراتها بقدر ماتتسع ألوانها لتحلق بمتذوقيها نحو عوالم راقية من البهاء والجمال.

ومنذ تسعة وعشرين عاماً، ومدينة أصيلة تتحول، خلال كل موسم ثقافي، إلى مرسم كبير ومعرض مفتوح في الهواء الطلق أمام الزوار والسكان، شباناً وأطفالاً، رجالاً ونساءً، حتى صارت حكاية موسم أصيلة هي نفسها حكاية الجداريات والألوان التي تراكمت على جدران دور المدينة العتيقة. أطفال الأمس صاروا، اليوم رجالاً، وبعد أن كانوا يتابعون ما يرسم بمتعة، صاروا اليوم، رسامين يستمتعون بتلوين وتزيين جدران بيوت مدينتهم والسفر بلوحاتهم عبر مدن المغرب والعالم، لتحتضنها أروقة المعارض. في أصيلة، أطفال الأمس، يتذكرون اليوم، طفولتهم عبر جداريات وألوان تفنن في رسمها فنانون مغاربة وأجانب وحدتهم الريشة والألوان. ومن جانبها، فالجدران حفظت، عن ظهر قلب، أسماء كل الفنانين الذين صبغوها بألوانهم وصباغتهم. ومع دورات الموسم وتواليها، تشبع أطفال أصيلة بثقافة بصرية صارت تُعطي للألوان مهمة التعريف بالدور والعناوين. ولأن لكل زرع أوانُ حصاد ومتعةُ قطاف، فقد أنجب موسم أصيلة كثيراً من الفنانين في مجالات الرسم والحفر والتصوير وسائر الفنون، ممن تفتحت واتسعت أعينهم على فعاليات الموسم ورافقت كبار المبدعين، الذين تركوا توقيعاتهم على جدران البيوت «الزيلاشية» كعناوين فنية.

ويقول الفنان حسن الشركي، لـ«الشرق الأوسط»: «في طفولتي، كنت أنتظر كل صيف لحظة نزول الفنانين ضيوفاً على الموسم والمدينة، محملين بألوانهم وأفكارهم الفنية. لقد شكل الموسم، بالنسبة لنا كأطفال، مدرسة أولى اقتربنا من خلالها من فنانين مغاربة وأجانب. أحتفظ لنفسي بالكثير من الذكريات الجميلة، وأذكر أنه اقترح علي، وقد كان عمري 13 سنة، أن أساعد الفنانة التشكيلية الفطرية الراحلة الشعيبية طلال، خلال رسمها لإحدى الجداريات. ومن خلال الهالة التي كانت ترافق الشعيبية عرفت أنني أمام فنانة مغربية كبيرة ومشهورة. والغريب أني، في إحدى اللحظات، قلت للشعيبية، وكانت تهم بوضع اللون الأخضر على الأسود، أن هذين اللونين متقاربان وغير متناسقين وأن عليها أن تعيد النظر في طريقة وضعها الألوان على الجدار. لم تتقبل الشعيبية أن أقول لها، أنا الطفل، مثل هذه الملاحظة، فما كان منها إلا أن نهرتني، وعلامات عدم الرضى بادية على محياها، «من هو الفنان.. أنا أم أنت؟». لم يتخل الشركي عن عشقه للألوان والفن التشكيلي، ولذلك سيرجع، بعد سنوات قليلة، حاملاً ألوانه وريشته، لكي يرسم جداريته على أحد جدران المدينة.

لم يرسم الشركي جداريته على نفس الجدار الذي اقتُرح عليه، خلال سنوات الطفولة، لمساعدة الفنانة الشعيبية في تلوين واجهته، ولكن على جدار قريب منها، إلا أنه، كما كل الجدران التي احتضنت جداريات الفنانين المغاربة والأجانب على مدى دورات الموسم، ستنقل لزوار وساكنة المدينة لحظات راقية لغسل العيون والاستمتاع بالألوان، وهي تتعانق في بهاء على جدران مدينة الفنون. وبعد مشاركات متكررة في فعاليات الموسم، يشارك الشركي، خلال دورة هذه السنة، في معرض ثلاثي يجمعه مع الفنانين زهير الخراز ونرجس الجباري، وكلهم من اطفال الأمس، ممن يتحدرون من مدينة أصيلة.