علاقة التشكيل بالمكان في معرض مشترك بأصيلة

يسرد قصة تفاعل بين رؤى الفنانين الذاتية ورؤى العابرين والقادمين

من أعمال حسن الشركي («الشرق الأوسط»)
TT

إذا كانت الأسطورة تقول إن باني قصر الثقافة الأثري والتاريخي في أصيلة كان يدفن أعداءه في قلب جدران مسكنه المهيب المطل على المحيط الاطلسي، فان ثلاثة مبدعين من أبناء مدينة الموسم، هم حسن الشركي ونرجس الجباري وزهير الخراز، قد اختاروا ان يتفاعلوا مع جدران هذا البناء الشامخ بطريقة مختلفة، بواسطة اعمالهم الفنية والتشكيلية التي تنطلق من حساسيات مختلفة لتصب في خانة التعبير عن المغامرة الفنية للمدينة. فثلاثتهم يعتبرون من أبناء المغامرة الفنية للمهرجان الذي سعى قبل ثلاثة عقود الى اخراج الفن من المتاحف والمحترفات الى الشوارع، وتملّك الجدران بشكل مختلف عما ترويه الأساطير. لذلك يمكن ان نقول ان اعمال هؤلاء تلعب، فضلا عن قيمتها الفنية الذاتية المحضة، دورا تاريخيا من خلال تقديم شهادة على ما جرى، وسرد قصة تفاعل بين رؤاهم الذاتية ورؤى العابرين والقادمين الى مدينتهم.

تجارب الشركي والجباري والخراز الفنية جعلت أحد النقاد يشبههم بالطيور غير المهاجرة التي تنتمي بقوة للمكان، طيور مقيمة في صمت المدينة الشتوي كما في ضوء صيفها وعبق ربيعها. ولعل هذا ما يبدو جليا في اعمال نرجس الجباري التي تعكف على تفاصيل تساقطات صباغة الجدران لترصد انهياراتها الصغيرة، ولتكشف ولعها بالالوان المندمجة مع آثار انصرام الزمن على جدران المدينة، لتصور الانبثاقات الصغيرة المازجة بين شدة الهدوء الظاهري وفورة العنف الهادر المتمرد داخليا، تماما كحال بياض جدران قصر الثقافة التي تخفي عمقه الاسطوري والتاريخي.

اعمال حسن الشركي تسجل حضور تيمة العين بقوة: عيون متعددة ترصد الأشكال الهندسية والالوان العميقة الغامقة التي يشتغل عليها، كأنما هو يهرب من فوران ضوء المدينة الى عزلة وسكون شتائها ورياحها الديسمبرية، في اشارة منه الى تنوع المكان على صغره، ووفرة الزوايا التي يقدمها للعين. كما ان تأثير التصوير الفوتوغرافي الذي يمارسه الفنان يبدو جليا من خلال حضور العيون المفتوحة النهمة التي ترصد داخل اللوحة موضوعها الخاص، وتعبّر بواسطة ايحاءات نفسية جلية ومعلنة عن انفعالاتها عبر مكونات تشخيصية تتجاور مع اخرى متحررة من الانتماء للواقع. ان الامر يتعلق عنده بنوع من المزج بين التشخيصي والمجرد، وبتمازج ألوان تستحضر العتمة كثيرا رغم انتمائها الى محيط يشكل حضور الضوء به عنصر تأثير قوي على الفنانين المقيمين والعابرين. كما لو ان الشركي بصدد التفكير في صدقية المواضعات والتقسيمات المتداولة حول علاقة الفن بالمكان.

أعمال زهير الخراز تعلن اهتمامها بالعلاقة بين الزائل والمؤقت في مدينة ترقب البحر بعناد وترفض ان تخضع لموجات الغزو منذ الأزل. لقد اختار الخراز ان يشتغل هذه السنة على لحاء شجر الكالبتوس في تقنية مختلطة تمزج الخشب بالبياض، تقيم نوعا من التفاعل بين الحياة والموت في مسار التحلل اللاحق المفترض ان يطالها، وان يترك آثاره عليها.

وعلى العموم يمكن القول ان الامر يتعلق بحساسيات متباينة يجمع بينها قاسم الاخلاص للمكان والتنويع على مكوناته الضوئية واللونية المختلفة المتنوعة على مدار الفصول. ان ما يجمع بينم الفنانين الثلاثة هو بحثهم عن المتحول فيما يبدو ثابتا، انطلاقا من موقعهم المتميز كمنتمين لمغامرة ابداعية دخلوا غمارها منذ طفولتهم الباكرة.