الرقابة تمنع مسرحية لبنانية لأنها تثير «النعرات الفئوية»

ربيع مروة يوزع بياناً توضيحياً بالوقائع والتواريخ

مشهد من العرض الذي تم منعه «لكم تمنت نانسي لو أن كل ما حدث لم يكن سوى كذبة نيسان».
TT

وأخيراً وقع المحظور الذي كان يخشاه ربيع مروة. فمنذ ما يزيد على الشهر والمخرج اللبناني الشاب يحاول الحصول على إذن بعرض مسرحيته الجديدة «لكم تمنت نانسي لو أن كل ما حدث لم يكن سوى كذبة نيسان». ورغم ان الردود التي وصلت لمروة خلال الفترة السابقة كانت تشير صراحة إلى أن مسرحيته لن تلقى قبولاً من الرقابة وأنها اقرب إلى المنع منها إلى تيسير وصولها إلى أي قاعة عرض لبنانية، إلا ان مروة تحلى بالصبر، وطلب من اصدقائه الصحافيين عدم نشر أي خبر حول الموضوع كي لا يرى إلى الأمر على انه استفزاز أو محاولة ضغط. فربيع مروة في أعماله الطالعة من قلب الحدث اللبناني والتي تستعيد الحرب الأليمة هلعاً من تكرار ويلاتها، يهمه الجمهور المحلي، المعني أولاً وأخيراً، بالوجع الذي يلامسه ويشرّحه. لكن وبعد طول انتظار، ومحاولة التوسط لدى الرقابة عبر وزير الثقافة، بدا لربيع مروة يوم أمس، انه وصل بمسرحيته إلى طريق مسدود، فوزع بياناً حمل توقيعه وتوقيع كريستين طعمة، مديرة جمعية «اشكال ألوان» المشاركة في الإنتاج، شرحا فيه ملابسات ما حدث. فقد تم «التقدم بطلب إجازة عرض لدى دائرة مراقبة المطبوعات والتسجيلات الفنية في المديرية العامة للأمن العام بتاريخ 16/07/2007 ولكن قراراً بالمنع صدر ممهوراً بتوقيع مدير عام الأمن العام، اللواء الركن وفيق جزيني في 31/07/2007. على الأثر تم تقديم طلب بإعادة النظر في قرار المنع بتاريخ 01/08/2007، وبعد أسبوع من تاريخه جاء الرد بالإبقاء على القرار الأول».

ويضيف البيان: «انطلاقاً من حقنا في معرفة أسباب المنع تقدمنا بتاريخ 08/08/2007 من الدائرة نفسها بطلب توضيح أسباب قرارها القاضي بالمنع والحصول منها على كتاب خطي بذلك، فلم يستجب طلبنا وتمت الإستعاضة عنه بتوضيح شفهي مفاده أن المسرحيّة قد تثير النعرات الفئوية، وتذكّر بأجواء الحرب وهي تسمّي الأشياء بأسمائها. وقد عرضنا المسألة على وزير الثقافة طارق متري الذي حاول بدوره تذليل العقبات، لكن اتصالاته لم تُفلح في إلغاء قرار المنع».

وبناء عليه فإن ربيع مروة الذي لا ينقصه جمهور لمسرحيته هذه التي عرضت لأول مرة في «مهرجان طوكيو الدولي للفنون» في شهر مارس (آذار) 2007 وسيجري عرضها في الخريف المقبل في باريس ضمن فعاليات مهرجان الخريف (Festival d’automne)، كما ستعرض في روما والقاهرة والرباط، يرى ان الجمهور الذي هو المعني الأول بالمسرحية لن يتمكن من رؤية العرض، لأسباب لم تقنعه أو تشفي فضوله. والمسرحية التي كتبها ربيع مروة مع فادي توفيق، وكان يفترض أن تعرض في غاليري «زملر صفير» البيروتي خلال الشهر الحالي، تتناول موضوع الحرب الأهلية اللبنانية على لسان أربعة مقاتلين وهميين، ينتمون إلى أحزاب لبنانية مختلفة، يستعيدون فصولاً من الحرب وهم يستذكرون المعارك التي شاركوا فيها. والمقاتلون الأربعة الذين تقلبوا في ايديولوجياتهم وغيروا توجهاتهم، يروون حكايا حدثت ويستذكرون وقائع تاريخية وقعت. وتداعيات الحديث تجعل الكلام اشبه باعترافات، لهؤلاء المقاتلين، وثمة تسميات لأحزاب شاركت في الحرب، وما تزال موجودة على الساحة. لكن النص في النهاية طابعه تاريخي، والأحداث التي ينبشها قد يجدها القارئ في أرشيف الصحف أو في الكتب الكثيرة التي صدرت بعد الحرب.

ربيع مروة من مواليد بيروت عام 1967، وهو فنان تجريبي بامتياز، قدم عروضاً مسرحية منها «غاندي الصغير»، و«الأسونسور» و«القبعة والنبي» وله افلام عدة، وتجاريب جريئة في التجهيز والتصوير. وهو أحد الممثلين في مسرحية «لكم تمنت نانسي لو أن كل ما حدث لم يكن سوى كذبة نيسان»، إلى جانب ثلاثة ممثلين آخرين هم زميلته وزوجته لينا صانع، وحاتم إمام وزياد عنتر. أما السينوغرافيا وتصميم ملصقات العرض فقامت به سمر معكرون، وتحريك الصور (animation) غسان حلواني. وقد تمت الاستعانة بملصقات جمعتها زينة معاصري في سياق بحث تجريه عن تاريخ الملصقات الحزبية في لبنان خلال الحرب الأهلية. والمسرحية من إنتاج الجمعية اللبنانية للفنون التشكيلية (أشكال ألوان) ومهرجان طوكيو الدولي للفنون ومهرجان الخريف، باريس (الدورة 36).

يبقى أن ربيع مروة الذي قدم عام 2005 عرضاً بعنوان «من يخاف التمثيل؟» يجد نفسه، وشركاءه في العمل أمام نفس السؤال مرة أخرى، وسؤال آخر، ربما اكثر صعوبة هو، ماذا سيفعل ربيع مروة بعد ان منعت مسرحيته التي تتمنى فيها نانسي لو أن كل ما حدث كان مجرد كذبة؟