أحزمة الخيام البدوية.. فن من خيوط الحرير

واشنطن: بليك غوبنيك

أحزمة الخيام البدوية بأشكالها وألوانها البديعة («الشرق الأوسط»)
TT

لا تحكم على العرض بعنوانه تعتقد ان الدروس البسيطة لا يصعب تعلمها. ولكن عندما اعلن متحف النسيج عن معرض بعنوان «النسيج الهندسي: شراشيل (أحزمة) الخيام في آسيا الوسطى» في أوائل العام الحالي، لم يؤد الى زيارات فورية. وتأجل الإقبال عليه الى قرب انتهاء عرضه. ومثل أفضل العروض الكلاسيكية لهذا المتحف فإن «شراشيل الخيام» مليئة بمعروضات مدهشة. وتكشف القطع المعروضة التي يصل عددها الى 39 قطعة الى انه لا يمكنك تجاهل فنان جيد.

تخيل انك امرأة تركية من آسيا الوسط تعيش حياة بدوية، تقضى طوال حياتك تجمع ممتلكاتك وتحملها على الجمال وتنتقل مع ماشيتك الى منطقة رعي جديدة. وتعيش وسط مجموعة من الأقارب في خيمة ينتشر فيها الدخان مثلما عاش اسلافك لآلاف السنين. وفجأة يتبين لكي انك في حاجة الى حزام تربطينه حول بيتك، لمنع ثقل السقف من الانهيار على الحوائط. هل تجمعين أي شيء وتربطينه معا لتصنعي حزاما، ثم تستكملين ما كنت تفعلينه مثل خض حليب الإبل؟ بالطبع لا. تمسكين بمغزلك البدائي وتجلسين وسط الغبار خارج الخيمة محاطة بكميات من الصوف المغزول من غنمك وتبدأين في نسج حزام طوله 50 قدما مع علمك انه لن ينتهي في شهور بل في سنوات.

انس حليب الابل ـ هناك عمل فني يجب إنجازه. وتصممين وتنسجين تصميمات دقيقة شبه مستحيلة، بتكرارها المخطط مثلما هو بدقته وتنوعها. وتبدأين بخلفية براقة محكمة النسج ثم تضفين اليها مجموعات من الخيوط والتجاعيد والرموز منسوجة بدقة بالغة بألوان قرمزية ونيلية، ألوان ثرية وحريرية. (بعض الخيوط ربما تكون حريرية مشتراة من المدن الاقليمية. تذكر انت على خط الحرير، فلماذا لا تستفيد من ذلك؟) او ربما الشراشيل من اجل خيمة ابنتك. وتقررين انت وابنتك نسج شراشيل عبر الخيمة كلها: تصل الدقة الى 275 عقدة في البوصة المربعة، أي 1650 ألف عقدة.

وفي كاتلوج المعرض ـ وهو اول كاتالوج من نوعه عن شراشيل الخيام ـ يتحدث ريتشارد ايساكسون عنها باعتبارها «موسيقى للعين» تتكشف عبر الزمن. فضيف في حفل عقد قران لا يستوعب النماذج فورا بل تدريجيا. ويصف ايساكسون الشخص الذي يصنع واحدة من هذه الشراشيل بأنه «باخ وموزارت وبرامز او بارت» بدوي، تضع الحانها على قطعة القماش يصل طوله الى 50 قدما. ويشير ايساكسون الى معان اخرى، تتعدى التجريدي ثمرة الرمان وأشجار مزهرة متداخلة معا؛ إشارة الى الخصوبة، او اطراف متفرعة في اشارة الى القبائل التركية.

ولكن ربما المعنى الجوهري لهذه القطع يقع في صناعتها هي ذاتها: فكل منها يعبر عن نفي لصعوبات الحياة البدوية وتأكيدات بأن صانعها مترف يمكنه قضاء بعض الوقت والموارد في شيء جمالي.

لقد قيل ان الطاووس الذكر يمتلك مثل هذا الذيل الجميل لكي يثبت للوليف المحتمل انه عاش بالرغم من اضاعة كل هذه الطاقة لنمو وحمل مثل ذاك الذيل ـ وكلما كان العائق كبيرا كان تأثير قدرتك على التغلب عليه. وربما الاعمال الفنية المعقدة من سقف كنيسة سيستين الى شراشيل البدو الآسيويين، هي العائق الذي طوره الانسان لتأكيد قيمته.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»