الموضة.. هل هي انعكاس للثقافة أم للنزعة الاستهلاكية؟

قد يسخر منها الجميع ولكنهم لا يستطيعون إلا أن يقعوا تحت تأثيرها

TT

اعتمادا على من يتحدث فان الموضة برجوازية، وغير انثوية، وممتثلة للأعراف، ونخبوية، ومناهضة للفكر، ونتاج ثقافي نادرا ما يستحق الاهتمام الذي يمنح حتى للفنون الأكثر ضآلة.

وارتباطا ببدء اسبوع الأزياء في نيويورك يوم الثلاثاء الماضي، من الجدير أن يتساءل المرء لماذا تبقى الموضة هي القوة الفعالة ثقافيا التي يحب الجميع السخرية منها.

وكلمة «الجميع» تعني نحن الذين يزدرون الموضة صراحة، وأولئك الذين لا يزدرونها، ولكن مع ذلك لديهم الاحساس غير المريح بأن هذا العالم من المظاهر والاستعراضات الشخصية غير جدير بالاحترام.

قالت ايلين شوالتر، الناقدة الأدبية النسوية والأستاذة في جامعة برينستون، «هناك هذه الاشارة الى أن الموضة ليست شكلا فنيا أو شكلا ثقافيا، وانما شكل غرور ونزعة استهلاكية». وأضافت شوالتر ان تلك هي ابعاد ثقافة من المتوقع ان يزدريها الناس «الأذكياء والجادون».

وقالت شوالتر انه في المؤسسة الأكاديمية «يجري التقليل من شأن مظاهر الموضة. وتتمتع البدلة الأكاديمية ببعض التنويعات، ولكن يقصد منها أساسا أن يظهر المرء باعتباره غير مهتم بالموضة».

وعندما أعلنت فاليري ستيل، مديرة المتحف في معهد تكنولوجيا الأزياء في نيويورك، اهتماما في معهد الدراسات العليا في متابعة تاريخ الموضة، اصيب زملاؤها بالرعب. وقالت ستيل «أذهلني حجم العداء الموجه الي، فالمثقفون كانوا يعتقدون انه شيء لا يمكن الحديث عنه وهو جدير بالازدراء وأمر تافه». وربما كانوا ينظرون اليها باعتبارها تمارس ثقافة شيطانية.

وما زالت هذه هي الصورة التي ينظر بها الى الشخص اذا ما صادف ان تحدث وسط مجموعة جادة عن اهتمامه بقراءة مجلة مثل «فوغ».

ومرة قالت ميوسيا برادا لي حول الموضة «أنا أكره ذلك»، في حديث اعترفنا فيه لبعضنا بعضا بعدم الارتياح من فرض شيء مسطح علينا.

واضافت برادا «من الطبيعي أنني احبها ايضا»، ويشير مبررها الى الكثير بشأن سبب كون الموضة موضوعا لا يتعين على المرء أن يشعر بالعار من التعامل معه بجدية. وقالت «حتى عندما لا يمتلك الناس شيئا فانهم يمتلكون أجسادهم وملابسهم».

وخلال الطقوس اليومية الفردية عندما ترتدي الملابس فان الناس بالتأكيد يشرعون في تكوين صورة ذواتهم او اقنعتهم الاجتماعية. وعلى الرغم من الملابس، قد ينظر اليها على انها وسيلة لتحليل الثقافة السائدة والتاريخ والسياسة، الا انها قد تستخدم ايضا كسلاح ضد الاخرين، وذلك يفسر لماذا جرى تحويل حملة هيلاري كلينتون الى الهجوم على ناقدة الأزياء في صحيفة «واشنطن بوست» بسبب محاولتها قراءة أزياء المرشحة للرئاسة؟ لكن الملابس هي أفكار، حسبما تقول مجلة «Hello» وأكاديميون، مثل المؤرخة آن هولاندر قضوا عقودا وهم يدرسون الكيفية التي تخدم فيها الملابس في الترويج للأفراد وتعزيز مكانتهم. وقد يظن المرء أن قليلا من الناس يفهمون هذه الحقيقة مثلما تفهمها امرأة مثل هيلاري كلينتون، التي تواظب بدأب كي تعيد صياغة صورتها من زوجة رزينة إلى شخص يرتدي ملابس تناسبه كي يقود العالم الحر.

ليس السياسيون وحدهم من يتصرف وكأن المخاوف المتعلقة بالموضة قليلة الاعتبار. فحينما توفي المخرج الإيطالي الكبير مايكل انجلو انتونيوني قبل فترة قصيرة راح النقاد السينمائيون يعارضون بعضهم بعضا بحدة حول فيلمه الشهير «المغامرة». وهو عمل لم يره الكثير من الشباب حاليا، إذا استثنينا طلبة معاهد السينما. ويبدو أن انتونيوني منذ ذلك الوقت فقد قوته كمخرج سينمائي منذ فيلمه الشهير «صورة فوتوغرافية مكبرة» (BLOWUP) وتدور حبكته حول عالم الموضة خلال الستينات في لندن.

وبغض النظر عن غياب الحبكة في فيلم «المغامرة» فإن الملابس التي استخدمها انتونيوني لعكس مزاج الطبقة العليا مع فقدانها للمعايير القديمة في ارتداء الملابس، كذلك للتعبير عن مقت انتونيوني للمخرجين الإيطاليين الذين كانوا وراء موجة «السينما الواقعية» في إيطاليا، والذين كانوا يستخدمون ملابس في أفلامهم تعود إلى عصر آخر.

ومثل الكثير من الإيطاليين آنذاك والآن، كان انتونيوني يتعاطف مع دور الملابس في المسرح الإنساني. وبينما كان فيلمه «صورة فوتوغرافية مكبرة» حول الموضة والوسط المنتج لها، فإنه يظل مهتما قليلا بالملابس، لأن ثيمة الفيلم هي عن جريمة وقعت وتم التقاط صورة لها بالصدفة، وحالة عدم الاستقرار فيما نراه وما نعرفه. وحتى بعد 40 عاما يظل اسلوب الفيلم المتميز ضمانة لجذب المتفرجين إليه، فهو يثير مباشرة شكا فكريا. ولعل ما يقترحه انتونيوني هو أن الثقة بما نراه قد يكون خاطئا أحيانا.

لكن الاستثمار فيها قابل لأن يكون ذا نتائج أسوأ مما يتصوره المرء حسبما قالت ستيل. وأضافت: «في ثقافتنا يعتبر الاهتمام بالمظهر مثل السعي كي تكون أفضل مما أنت عليه، ولذلك فهو من وجهة نظر هذه الثقافة أمر خاطئ من الناحية الأخلاقية».

«من السهل كراهية الموضة»، تقول البروفسورة اليزابيث كاريد الاستاذة بجامعة جنوب كاليفورنيا، «يجري النظر للصناعات الثقافية، مثل الأزياء على اساس انها اقصى ما تفكر فيه تلميذات المدارس النحيفات، وليس على اساس انها مجال لدراسة الثقافة السائدة».

وتصل كاريد في بحثها الى نتيجة ان صناعة الازياء رغم وصفها بأنها برجوازية، وغير انثوية، وممتثلة للأعراف، ونخبوية، ومناهضة للفكر فان لها قوة وتأثيرا يجذبان الاموال والمواهب والجمال والصناعات المختلفة التي تخلق الصورة الذاتية المستقلة بعيدا عن الانماط السائدة.

*خدمة «نيويورك تايمز»