«بيغ براذر» يراقب جورج اورويل.. صاحب «بيغ براذر»

حتى بوهيمية وذوق الروائي البريطاني في الملابس جعلته محط أنظار الأجهزة الأمنية

«بيغ براذر» في كل مكان (أ.ف.ب)
TT

تعبير «بيغ براذر» (الأخ الأكبر) اصبح مرادفا لبرنامج تلفزيون الواقع للقناة الرابعة البريطانية خصوصا بعد الضجة الاعلامية التي سببها ووصل صداها معظم انحاء المعمورة لما دار خلاله من مشاهد مثيرة ومشاجرات بين المشتركين. ومع انه تعبير قديم ومن اكثرها استعمالا في اللغة السياسية والاجتماعية، خصوصا في بريطانيا، بعد ان وظفه الروائي البريطاني جورج اورويل في روايته الشهيرة التي اطلق عليها اسم 1984، إلا ان الكثير من الناس بدأ ينسى هذا الجانب ويعتقد ان التعبير يخص البرنامج التلفزيوني الشهير فقط بسبب المراقبات المستمرة والحية. ومع ان الكاتب، صاحب رواية «مزرعة الحيوانات» الشهيرة الأخرى، كان يتوقع مع حلول عام 1984، ان تتحول فيه الدول الى مجتمعات استبدادية ويتعرض جميع افرادها الى مراقبات دائمة من قبل الحكومات. الا ان الوثائق الرسمية البريطانية التي افرج عنها أمس تبين ان اورويل نفسه قد خضع لهذه المراقبة من قبل الأجهزة منذ زمن بعيد، وكان جهاز «إم.آي.5» الاستخباراتي يعتقد انه عضو في الحركة الشيوعية. قد يكون ذلك صحيحا، ويرى الكثير من النقاد ان كتب اورويل الروائية وغيرها تبين تعاطفه من الفكر الاشتراكي، لكن لم تكن هناك أي وثائق واضحة تثبت انتماءه وعضويته في الاحزاب الشيوعية او الماركسية البريطانية. الا ان انتقاداته الشديدة ايضا للمجتمعات الشيوعية، كما هو الحال في روايته «مزرعة الحيوانات»، خلقت اعتقادا عند بعض النقاد اليساريين المتعاطفين مع الكتلة الاشتراكية والاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة ان اورويل قد يكون عميلا للمخابرات البريطانية، وبهذا فقد خلق اعتقادا آخر عند البعض ان اورويل قد يكون عميلا مزدوجا. ولهذا فإن وصفه بالفوضوي ـ كما رأى نفسه في العشرينات من القرن الماضي ـ قد يكون اكثر دقة عند وصف اورويل. حتى ان البعض اعتقد انه كان يمينيا ومتعاطفا مع اليمين وليس مع اليسار. فترة الحرب الباردة بشكل عام خلقت الكثير من الالتباس حول الانتماءات السياسية، ولذلك لم يكن هناك متسع لمواقف مستقلة، وجاءت الاتهامات لتعكس ذلك. حتى ما كان يرتديه اورويل، خلال عمله وفي اوقات الراحة، نظر اليه من قبل السلطات الأمنية على انه تعاطف مع الحركة اليسارية والشيوعية بشكل عام. وحسب وثائق «الأرشيف الوطني، فقد خضعت حياة اورويل وحياة زوجته ايلين، منذ الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي الى مراقبات من قبل الاجهزة الأمنية، خصوصا عندما كان يعمل اورويل لدى هيئة البث البريطانية «بي.بي.سي» عام 1942. ويقول تقرير الشعبة الخاصة في 20 يناير (تشرين الثاني) عام 1942، كما اوردته صحيفة «ديلي تلغراف»، ان اريك بلير، الاسم الحقيقي لجورج اورويل، منذ 1927 من استقالته من «جهاز شرطة بيرما»، انه «كان هائما على وجهه متنقلا بين لندن وباريس، وكتب كتبا عن تجربته تحت اسم اورويل، وكان مفلسا تماما قبل أي يجد عملا مع البي.بي.سي». وكان اورويل، الذي تخرج من كلية ايتون ـ مدرسة ابناء الارستقراطية البريطانية، قد عاش مشردا حتى يكتسب الخبرة اللازمة لكتابة روايته «طالع ونازل بين باريس ولندن».

وجاءت الشكوك حول معتقدات اورويل وتعاطفه مع الفكر الاشتراكي في الثلاثينات من القرن الماضي عندما طلب منه الناشر فيكتور لانج ان يكتب كتابا حول ظروف معيشة ابناء الطبقة العاملة في شمال انجلترا. وعندما وصل الى بلدة ويغان في شمال انجلترا، حسب سجلات الشرطة، استقبله اعضاء الحزب الشيوعي هناك وساعدوه في ايجاد مسكن. كما ان الشكوك حول انتمائه السياسي والايديولوجي من قبل الأجهزة الأمنية جاء قبل نشر كتاب «الطريق الى ويغان» عن ابناء الطبقة العاملة في هذه المدينة الشمالية. وكان ذلك عندما عقد العزم على التطوع للعمل في اسبانيا ضد قوى الجنرال فرانكو، لكن موقف الحزب الشيوعي انذاك وما قام به من ممارسات بدعم من الاتحاد السوفياتي، جعل منه، وحتى وفاته، مناضلا ضد الستالينية. وعندما عمل في قسم الهند والشرق الأوسط في الـ«بي.بي.سي»، جاء تقرير الأجهزة الأمنية ليبين تعاطفه مع الحركة الشيوعية. وقال التقرير «ان هذا الانسان عمل دائما من خلال الهيئة على تمرير الأفكار الشيوعية، كما ان العديد من زملائه قالوا انهم شاهدوه في اجتماعات لصالح القضية الشيوعية». مضيفا «انه يرتدي الملابس التي توحي بانه بوهيمي، ليس في العمل فقط وانما خلال اوقات الراحة».

إلا ان تقريرا لعميل مخابرات آخر، يدعى دبليو او جيليفي، يقول ان هذا التقييم لانتماءات اورويل غير صحيح، وجاء على نقيض معتقدات الحزب الشيوعي، وهذا ما عبر عنه اورويل في كتاباته «الأسد ووحيد القرن»، وكذلك في كتاب «خيانة اليسار».