فالنتينو يعلن تنازله عن عرشه

يعتزل تصميم الأزياء في أوجه لأنه أحب ترك الحفلة وهي مزدحمة بالحضور

من إبداعاته (رويترز)
TT

قطع تلفزيون استراليا برامجه أمس لينقل خبرا عاجلا مضمونه أن فالنتينو غارافاني، أحد أشهر مصممي الأزياء النسائية في العالم، قرر التقاعد في يناير (كانون الثاني) المقبل عن عمر يناهز الخامسة والسبعين وبعد 45 سنة من العمل المتواصل. جاء الخبر أيضا بعد أن وزعته وكالات الأنباء العالمية في آخر نشرات الأخبار للتلفزيون الإيطالي وتساءل المعلق: لماذا لم ينتظر الذكرى الخمسين؟ خبر تقاعد فالنتينو لم يكن مفاجأة في أوساط الموضة، حيث كانت هناك شائعات قوية، ومنذ أكثر من عام، تفيد بأنه سيسلم المشعل إلى مصمم آخر لم يفصح عن اسمه بعد، وإن كان هناك من يرجح كفة الإيطالي جيامباتيستا فالي المعروف، والبعض الآخر كفة السندرا فاكينيتي، التي سبق لها العمل مع دار غوتشي. في المؤتمر الصحافي الذي عقده خصيصا لإذاعة النبأ، أعلن فالنتينو المفاجأة قائلا «أحب أن أترك الحفلة وهي مزدحمة بالحضور»، معربا عن اعتقاده بأن هذا هو أفضل توقيت لاعتزال العمل والخروج من عالم الأزياء والموضة برأس عال، ومشيرا إلى أنه يريد أن يكون مثل مغنية الأوبرا المتألقة التي تترك خشبة المسرح وهي في أوج تألقها. في البداية كانت هناك حالة من عدم التصديق، رغم أن الأمر كان متوقعا من قبل معظم خبراء الموضة، إذ علق أحد الصحافيين بصوت خفيض: «لا تصدقوا ما سمعتم.. هذه دعاية لا أكثر ولا أقل». ردة فعل هذا الصحافي لا شك نابعة من تصريحات فالنتينو قبل شهر ونصف، وبالضبط حين زادت سخونة الشائعات حول اعتزاله وهو في أوج عزه، أنه لا يرى ضرورة للتقاعد بينما سوق الصين يتوسع باستمرار. لكن الخبر كان حقيقة هذه المرة على الرغم من أسى محبي الذوق الرفيع وعشاق الموضة.

أهم ما يحسب لفالنتينو قناعته بأن الموضة الراقية هي التي لا تعترف بالزمن، وهذا ما جعل النساء من مختلف بلاد العالم يتفاعلن ويتجاوبن مع فلسفته الكلاسيكية البسيطة، التي على أساسها كون لائحة زبونات مخلصات منذ أن افتتح محله في وسط روما عام 1962، أي مباشرة بعد عودته من باريس حيث تلقى تدريبه الفني. ذكاؤه حينها كان واضحا في قدرته على ربط الأزياء مع التطور الاقتصادي والرخاء الذي عاشته ايطاليا في سنوات ما يسمونه بـ«الحياة الحلوة» (دولتشي فيتا) ليكون من المصممين القلائل الذين فهموا لعبة الجمع بين الإبداع والتسويق التجاري منذ البداية، فضلا عن فهمه أهمية النجوم والنجمات، فهو، مثلا، لم يكتف بإرضاء المرأة المخملية أو الذواقة فحسب، بل عمد وتعمد التقرب من الشهيرات ونجمات السينما أيضا لإدراكه أهميتهن في زمن أصبح فيه ثقافة النجوم والمشاهير وسيلة ترويجية سهلة ومربحة. فقد ضمت لائحة زبوناته من الشهيرات، مثلا، صوفيا لورين، وجاكلين كنيدي، واودري هيبورن، واليزابيث تايلور، وجوليا روبرتس، وغوينيث بالترو، وسارة جيسيكا باركر وغيرهن. وتعديه السبعين لم يخفف من همته أو ينسيه انه يجب أن يواكب العصر ومتغيراته. ففي المواسم الأخيرة حاول أن يرضي زبوناته المخضرمات بنفس القدر الذي حاول فيه إرضاء واستقطاب بناتهن وحفيداتهن، ومن ثم رأيناه في تشكيلته لربيع وصيف العام الماضي يسهب في تصميم فساتين قصيرة تصل إلى الركبة في محاولة واضحة منه لإرضاء كل الأجيال، وهو ما نجح فيه إلى حد كبير. وإذا كان أسلوبه في التصميم يعكس أسلوبه في الحياة، فإنه بلا شك يقول الكثير عنه. فالمعروف عنه انه يحب حياة الترف والبذخ في كل مناحي الحياة، بدليل أنه اعترض بشدة في الثمانينات على افتتاح محل ماكدونالد للمأكولات السريعة بقرب مقره في ساحة إسبانيا بوسط العاصمة الإيطالية متحججا بأن رائحة الهامبرغر ستفسد وتلوث مبتكراته وملابسه الأنيقة. كما يملك حاليا يختا كبيرا وعدة منازل فخمة في أوروبا وأميركا ولا يقبل الإقامة في الفنادق مهما علت درجاتها لأنه يعتبر خدمتها دون مستواه المقبول. ويقال إنه يطلب من الخدم في منزله بباريس أن يضعوا منشفة على ساقيه كي لا يسقط الشعر من كلابه الصغيرة المدللة حين تجلس في حضنه. الواقع أن شركته حققت أرباحا طائلة هذا العام وقد تصل إلى ما يزيد على مائة مليون دولار من أصل دخل سنوي يزيد على مليار وربع المليار من الدولارات. وقد اشترت مؤخرا شركة «بارميرا» الإيطالية الحصة الأكبر من شركته بمبلغ يزيد عل ثلاثة مليارات ونصف المليار من الدولارات، مع العلم أنها نفس المجموعة التي تملك حصصا كبيرة في دور كل من ميسوني للأزياء وبوس ومالبورو للملابس. ويقال إن الشريك التجاري لفالنتينو وصديقه الدائم جانكارلو جياميتي سيتنحى أيضا لان شركة بارميرا تنوي التوسع في المستقبل بدون فالنتينو للدخول في منافسة شديدة مع غوتشي وبرادا في الملابس الرياضية والإكسسوار والحقائب الجلدية. طبعا عشاق هذا المصمم المخضرم لا تزال أمامهم فرصة الاستمتاع بآخر ما ستجود به قريحته في العاصمة الباريسية في أوائل العام المقبل، خلال موسم «الهوت كوتير»، وإذا كانت الاحتفالات الباذخة التي أقامها في روما مؤخرا بسبب مرور 45 سنة على بدايته كمصمم هي المقياس، فإنه بلا شك سيقدم تشكيلة مميزة جدا تحفر اسمه إلى الأبد. أما هو فقال في مؤتمره الصحافي الأخير «لقد حققت أمنية عمري بالتفرغ إلى تصميم الأزياء وهو ما كنت أحب عمله دائما منذ الصغر، واعتبارا من العام القادم سأخصص نشاطي لدراسة وتعليم فن التصميم والمحافظة على تاريخ فن الموضة» وهو بهذا يكون من الأشخاص المحظوظين في العالم، لأنه قام بالعمل الذي يحبه، وفي المقابل بادله عمله نفس الحب وأكثر.