«للخطايا ثمن» مسلسل يستبق شهر رمضان بمنع عرضه

بعد «الطريق إلى كابول» و«أوان الورد»، و«فارس بلا جواد»

TT

يبدو أن الوقت ما زال مبكراً على عالمنا العربي كي يتقبل الآخر دونما داعٍ أن يكون هذا الآخر من جنس مختلف، فعدم تقبل الآخر وآرائه والتظاهر ضده ورفضه وصولاً بالتهديد بقتله، من الأمور التي باتت شائعة في أمتنا العربية.

و اخيرا أثارت انباء عرض المسلسل السعودي التأليف، الأردني الإخراج، والذي يحمل عنوان «للخطايا ثمن» على قناة «إم بي سي» الفضائية في شهر رمضان المقبل التنديد و الشجب والسبب في كل هذا ما قيل عن تعرض المسلسل لظاهرة زواج المتعة في الكويت، وهو ما اعتبره البعض شكلاً من أشكال الإساءة لإحدى الطوائف و ما دفع القناة لاعلان وقف عرضه.

فقد أعلن مركز تلفزيون الشرق الأوسط mbc عن عدم بثه للمسلسل الكويتي «للخطايا ثمن» في شهر رمضان المبارك، بسبب قرار رسمي كويتي. وقال أحمد القرشي رئيس قسم الأخبار في mbc لـ«الشرق الاوسط» ان المسلسل اوقف بالتفاهم «كي لا يستغل في إثارة بلبلة». وأكد القرشي «أن الخبر بحد ذاته غير مستغرب، خاصة وان المنطقة تعجُ وتضجُ برنين طائفي يكادُ يصمُ الآذان.. فكان من الطبيعي أن يتأثر مسلسلٌ.. وأن تستجيب مؤسسة كـ mbc تنتهج الاعتدال والتروي وتختار الضرر الاخف».

و قد قام مجهولين امس برمي مكتب MBC بالحجارة، ويُعتقد ان الاعتداء بسبب قيام القناة بالاعلان عن عرض المسلسل. أما مظاهر التنديد والشجب والاعتراض فبدت من خلال عدد من التحقيقات الصحافية، والمناقشات على منتديات الإنترنت الكويتية ومطالبة نواب كتلة العمل الشعبي التي يترأسها زعيم المعارضة النائب أحمد السعدون، في البرلمان الكويتي، بمنع عرض المسلسل الذي أكد مؤلفه سعد الدهش في تصريحات خاصة به، أن هذه الضجة ناتجة عن سوء فهم للمسلسل وقصته، مشيراً إلى أن السيناريو لا يحمل أية إساءة لفئة معينة. يُذكر أن مسلسل «للخطايا ثمن» بطولة عدد من النجوم، في مقدمتهم غانم الصالح وبدرية أحمد ولمياء طارق. تاريخ المنع وإثارة الجدل حول عدد من الأعمال الدرامية التلفزيونية على الشاشات العربية، ليس بالأمر الجديد، لكن الطريف أن كل المسلسلات التي ثارت حولها الخلافات عرضت في شهر رمضان على مدى الأعوام السابقة، وتعمد مبدعوها كسر التابوهات المجتمعية المعتادة كالدين والجنس والسياسة، وأحيانا يكون اختراق المعتاد من خلال تقديم صورة عن أحد المجتمعات. كما حدث مع المسلسل الكوميدي السعودي «طاش ما طاش»، والذي يعد من أكثر المسلسلات إثارة للجدل عبر خمسة عشر عاما هي فترة عرضه، حيث وصل الأمر بتلقي بطليه عبد الله السدحان وناصر القصبي تهديدا بالقتل واتهامات بالتكفير ورفع دعوة حسبة ضد فريق عمل المسلسل، بتهمة نقل صوره خاطئة عن المجتمع السعودي، والتعرض لسلبياته والإساءة إلى علماء الدين وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

«الحاج متولي» الذي يكفي أن تذكر اسمه أمام أي شخص ليتذكر (الشخصية التيأدى دورها نور الشريف) الرجل المِزواج الذي تزوج أربعة وعدل بينهن، فكان هو الآخر مثاراً لجدل دامَ عاماً عبر جمعيات المرأة في مصر والعالم العربي والتي شنت هجوما ضاريا على بطل المسلسل ومؤلفه بتهمة حث الرجال على الزواج بأكثر من واحدة والترويج لصورة زائفة عن قدرة الرجل على العدل بين أكثر من زوجة. أما مسلسل «العائلة» الذي تعرض لمرحلة الصراع بين الدولة والجماعات الأصولية في مصر، وقدم منتصف التسعينات من القرن الماضي، فقد واجه هو الآخر نقداً واسعاً، خاصة بعد أن أنكر بطله الفنان الراحل محمود مرسي فكرة عذاب القبر من خلال أحد حواراته بالمسلسل. لتنطلق دعاوى الحسبة واتهامات التكفير التي طالت مؤلف المسلسل وحيد حامد إلى الحد الذي دفع بالجهة المسؤولة عن إنتاج المسلسل إلي تصوير مشهد جديد يعتذر فيه البطل عن إنكاره لتلك الفكرة رغم عدم وجود ذلك في النص الاصلي للمسلسل، ولتهدأ الهجمة على «العائلة» وتصمت لحين. ولكن ما هي إلا سنوات قليلة حتى قدم وحيد حامد مسلسلا آخر بعنوان «أوان الورد» بطولة يسرا وهشام عبد الحميد، تعرض فيه الى زواج سيدة مسيحية من رجل مسلم وبقائها على ديانتها. وهو ما احتجت عليه الكنيسة القبطية، ولم تهدأ الأمور إلا بعد أن التقى المخرج وكاتب السيناريو وعدد من المثقفين المصريين مع بابا الإسكندرية والكرازة المرقصية البابا شنودة الثاني حيث تمت تصفية الأمور. وإذا تم تجاوز الأمر بجلسة ودية في مسلسل «أوان الورد»، فإن الامر وصل بوزير الإعلام السابق ممدوح البلتاجي إلى منع عرض مسلسل «بنت من شبرا» منذ عدة أعوام لتعرضه للعلاقة بين المسيحيين والمسلمين عبر عدة عقود في مصر بشكل اعتبره البعض مثيراً للفتن، على الرغم من أن قصة المسلسل مأخوذة من رواية معروفة للكاتب فتحي غانم. الفنانة ليلى علوي صرحت وقتها بتعجبها من عدم وجود تفسير واضح لمنع عرض المسلسل الذي يستند أساسا إلى رواية نشرت قبل ما يقارب من عشرين عاما لكاتب مصري كبير، مشيرة وقتها الى موافقة قطاع الإنتاج بالتلفزيون المصري على إنتاج المسلسل.

التابو الديني والإشكالات التي يثيرها في الدراما لا تتوقف على العلاقة بين الأقباط والمسلمين، فهناك تابو ديني آخر وهو التعرض للرموز الدينية، والعشرة المبشرين بالجنة، الأمر الذي يرفضه جامع الأزهر حتى الآن. كما هو في فيلم «الرسالة» للمخرج الراحل مصطفى العقاد والممنوع من العرض بالتلفزيون المصري حتى الآن بسبب ظهور عدد من الصحابة به. مثال آخر على الدراما التلفزيونية المثيرة للجدل، جاء العام الماضي، عندما أثار مسلسل «خالد بن الوليد» لمحمد عزيزية جدلا مماثلا، فبالإضافة إلى أن بطله باسم ياخور مسيحي، فقد عرض عددا من الصحابة مثل عم الرسول حمزة بن عبد المطلب والصحابيين الجليلين أبي عبيدة عامر بن أبي الجراح وعبد الله بن رواحة، وهو ما نتج عنه قرار عدم عرضه في مصر.

كما نذكر جميعنا مسلسل «فارس بلا جواد»، الذي قام ببطولته وإخراجه الفنان محمد صبحي، وعرض في عدد من الفضائيات العربية منذ سنوات. فعلى الرغم من آراء عدد من النقاد بتراجع مستوى المسلسل الذي صاحبته ضجة شديدة أشاعت تدخل الولايات المتحدة لمنعه من العرض في التلفزيونات العربية لمناقشته لنشأة الدولة الإسرائيلية وكشف مخططات الصهيونية وبروتوكولاتها للاستيلاء على القدس وامتلاك الشرق بتخطيط يرجع إلى تاريخ قديم، إلا أن عدداً من المحطات العربية تراجعت عن عرضه بعد تعاقدها على ذلك، وبعدما احتجت منظمات يهودية أميركية؛ في مقدمتها «معاداة التشهير» على عرض المسلسل. وهي نفس الملابسات التي أحاطت بالمسلسل السوري «الشتات» والذي استعرض نشوء الحركة الصهيونية بأبعادها السياسية والاقتصادية والعقيدية من خلال حياة شخصيات كانت بمثابة اللبنة الأساسية في نشوء هذه الحركة.

وأما «الطريق إلى كابول»، فهو مسلسل تناول حقبات من تاريخ أفغانستان بدءاً من الاحتلال السوفياتي، وصولاً إلى هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 في الولايات المتحدة، فكان الأسوأ حظاً بين تلك الأعمال، إذ تم إيقاف عرضه في عدد من الفضائيات بعد الحلقة الثامنة منه، بتهمة تقديم حقائق مغلوطة عن الارهاب.

أما «الحور العين» الذي تناول الإرهاب في الجزيرة العربية من خلال شاب فشل في قصة حبِّه، فلجأ إلى الانضمام الى الجماعات الأصولية. كما تلقى المسلسل اتهامات بالسخرية من مسألة ثابتة في الدين، وهي الحور العين. ويبقى السؤال إلى متى يتم رفض و شجب الراي المخالف حتى في الاعمال الدرامية؟ ولماذا تأخذ صور الرفض أقسى مظاهرها؟