اللبنانيون يلتمسون صيامهم بـ«سيبانة رمضان»

تحولت من تحرِّي هلال الشهر إلى عادة عائلية

TT

لأن لشهر رمضان الفضيل مكانة خاصة في لبنان كسائر بلدان العالم الإسلامي، فان استقباله أيضا يحظى باهتمام خاص من ابنائه، لذا يتحضرون لحلول ايامه المباركة بعادة دأبوا عليها منذ زمن بعيد وأطلقوا عليها تسمية «سيبانة رمضان».

و«السيبانة» هي لفظة عامية لبنانية اختصرت «الاستبانة» التي تعني في الشريعة الاسلامية استبانة هلال شهر رمضان المبارك، أي التماسه مساء 29 شعبان، ليلة اليوم الأول لشهر رمضان. لذا فان للبنانيين تاريخا طويلا مع هذه «السيبانة» التي تبدلت معالمها وتطورت لتجاريَّ موضة العصر ومتطلباته. فهي بعدما كانت نزهة شعبية تجمع العائلات البيروتية مساء 29 شعبان ليراقبوا غروب الشمس على شواطئ مدينتهم، وأهمها الرملة البيضاء والروشة والمنارة... حيث يحملون معهم الحلوى والطعام ويمضون وقتاً ممتعاً في جلسات من المرح والفرح والتسلية لساعات طويلة بانتظار الاستبانة أي التماس الهلال ليحمل عددٌ منهم الخبر اليقين لدار الفتوى الاسلامية للإدلاء بشهاداتهم، ومتى يتم التأكد من أن هؤلاء هم موضع ثقة، يتداول المعنيون هذه الاستبانة، ويعلن بدء شهر الصوم وتطلق المدافع احتفالا.

لكن، يوما بعد يوم بدأت التعديلات والاضافات تدخل على هذه العادة التي تغير موعدها وانتقل من 29 شعبان الى آخر نهار أحد من الشهر نفسه، وذلك لأن هذا اليوم هو يوم عطلة في لبنان يستطيع خلاله اللبنانيون أن يستفيدوا منه ويجتمعوا خصوصا حول مائدة طعام الغداء. لكن طبيعة هذا الاحتفال تختلف بين بيئة لبنانية وأخرى وبين طبقة اجتماعية وأخرى، فالعائلات التي تعتبر من الطبقات العادية أو حتى المتوسطة تعد العدة وتخطط لـ«مشروع السيبانة» قبل أيام لتتحضر للخروج في نزهة الى «البرية» أي البساتين والحدائق في المناطق الجبلية لتمضية آخر يوم عطلة قبل شهر رمضان وللاستمتاع بـ«الافطار» قبل «الصيام»، فيحضرون معهم كل ما لذ وطاب من الحلويات والمشروبات وخصوصا التبولة واللحم المشوي وغيرهما من المأكولات التي يقل تناولها في هذا الشهر. أما الأجواء، فهي ايضا تكون مميزة، اذ يسيطر عليها الغناء والموسيقى والرقص في بعض الأحيان. أما العائلات الميسورة، فتحرص نوعا ما على الاستفادة من هذا النهار في اجتماع أفرادها في أحد المطاعم على مائدة الغداء، خصوصا أن ادارات المطاعم والفنادق تعول على هذا النهار وتحضر برامج خاصة به لاستقبال الزبائن. كما قد يعمد البعض الى تمضية عطلة نهاية الاسبوع التي تسبق شهر الصوم في رحلة استجمام تنظمها وكالات السفر والسياحة الى احدى المناطق اللبنانية أو الى احدى الدول القريبة من لبنان..

وللسيدات اللبنانيات طقوس خاصة أيضا يمارسنها يوم «السيبانة»، وهي بدورها تختلف بين طبقة اجتماعية وأخرى، ولكن كلها تكون تحت عنوان واحد «الصبحية»، وهي الجلسة التي اعتدن أن يجتمعن فيها خلال السنة وفي مناسبات اجتماعية مختلفة. أما في استقبال رمضان فالصبحية لها طعم خاص وأجواء لا تشبه سواها، فسيدات المجتمع المنتميات الى طبقة ميسورة لهن جلساتهن التي ينظمنها في المطاعم والفنادق، ويكون موعدها حول مائدة الفطور التي تحتوي على أنواع متنوعة من المعجنات والفول المدمس والكنافة اللبنانية اضافة الى الحلويات.. ويحيي هذا الاحتفال فنان وفرقة موسيقية وسط أجواء من الفرح والرقص.

ولربات المنازل من الطبقة الاجتماعية العادية اجتماعاتها الخاصة، اذ تحدد الصديقات يوما معينا قبل بدء شهر رمضان، وهو في معظم الأحيان، يكون في 29 شعبان ويتواعدن على اللقاء في بيت احداهن حيث يمضين وقتا مسليا حول طاولة الفطور، لاسيما أنها المرة الأخيرة التي يجتمعن فيها صباحا قبل بدء الشهرالفضيل. ولرمضان هذا العام تقليد صيفي جديد ولا سيما في ما يتعلق بنشاطات الشباب والشابات الذين لم يصادف أن صاموا هذا الشهر في فصل الصيف، فها هم اليوم يخططون لآخر يوم سباحة قبل بدء شهر رمضان المبارك، ويتحسرون على ما تبقى من أيام صيفية كان من الممكن أن يستفيدوا منها في المسابح على شاطئ البحر.