انطلاق أسبوع نيويورك لموضة ربيع وصيف 2008

عودة الخصر والأزياء الأنثوية.. هدوء الألوان في عرض كالفين كلاين.. وتفجرها في عروض زاك بوسن وكارولينا هيريرا

زي من تصميم الاميركي مارك جاكوبز (رويترز)
TT

عندما افتتح اسبوع نيويورك في الأسبوع الماضي، اعتقد البعض ان الأبيض والأسود والألوان الترابية، مثل البيج وحتى الرمادي ستكون السائدة مستقبلا، خصوصا بعد عرض كل من المغنية غوين ستيفاني، والمصممة نيكول ميللر، لكن سرعان ما انفرجت الأجواء وبدأت الألوان تتفتح لتذكرنا بأننا نشهد أزياء لربيع وصيف 2008 وليس للخريف والشتاء. زاك بوسن فاجأ الحضور بتوليفة رائعة من الفساتين الطويلة استوحاها من فيلم «دايز أوف هيفن» الذي انتج عام 1978 وتناول الحياة في ولاية تكساس في بداية القرن الماضي، بمن فيهم المزارعون، أي اراد العودة إلى البساطة والبراءة إلى حد أن بعض الفساتين استحضرت للأذهان، بألوانها ونقوشاتها وطياتها، أزياء مسلسل «البيت الصغير في البراري». بوسن شرح الأمر بقوله: «لا أستوحي أفكاري من آخر الأفلام فحسب أو ما يعرض في متحف المتروبوليتان، لأني لا أعتقد ان هذا فقط ما تريده المرأة العصرية، وبالتالي فإن هذا جانب واحد من الصورة. ما هو مهم هو ما يجري في العالم، والشعور الذي تريد المرأة الحصول عليه.. بالنتيجة هذا الشعور هو الأزياء المترفة»، ولم يفوت الفرصة للإشارة بأن أحداث العراق ودور أمريكا فيها، جعلاه ينظر بجدية إلى الثقافة الاميركية والقيم التي قامت على اساسها. لم تكن الألوان الصارخة، التي ستناسب ذوات البشرة السمراء أكثر من البيضاء نظرا لدرجاتها القوية، كل ما يلفت الأنظار إليها بل ايضا تصميماتها التي تتفتح مثل الورود سواء عند الاكتاف أو عند الذيل، وأقمشتها المترفة التي تجعل أي واحدة منا تحلم، ولو للحظات، بأنها ستبدو فيها مثل نجمات هوليوود، هذا قبل ان تصحو وتذكر نفسها بأن «القالب غالب»، فالمصمم استعمل العارضات النحيفات إلى اقصى حد. لكن إذا كانت الموضة تقوم أساسا على الحلم وبيعه، فإنه نجح في ذلك تماما، ولا نستغرب ان نرى ازياءه في مناسبات السجاد الأحمر مستقبلا. وإلى جانب الفساتين الطويلة، طرح ايضا تصميمات قصيرة تصل إلى الركبة لعب فيها على الطيات أو ما يعرف بتقنية «بين ويل» وهي جمع كمية من القماش مع بعض لكن من من دون حياكته تماما، لتكون النتيجة مثل مروحة تتحرك بتحرك الجسم بطريقة خفيفة. زاك استعمل هذه التقنية ايضا في القمصان وفي الأكمام والتنورات، ليؤكد انه مصمم ومهندس في الوقت ذاته. على العكس من بوسن، قدم فرانسيسكو كوستا، مصمم دار «كالفين كلاين» تشكيلة مختلفة تماما، من حيث اتسامها بالهدوء. فهي ليست أنثوية مثيرة ولا غنية بالتفاصيل والتطريزات، كما لم تكن بها طيات أو كشاكش، ولا خرز أو ورود. فقد جاءت بسيطة لكن برقي وبخطوط متميزة، الأمر الذي كاد يغيب من على منصات نيويورك هذه السنة. نصف التشكيلة غلبت عليها ألوان الابيض والكريم، بينما غلب على النصف الثاني، الرمادي وجرعات خفيفة من الأخضر. لكن لا تخدعك الصور، فرغم ان التصميمات تبدو بسيطة لكنها جد عصرية بخطوطها المدروسة بدقة لا يعلى عليها، وتخفي الكثير من العيوب، هذا إلى جانب تنوعها ما بين الفساتين الخفيفة والناعمة، وبين البنطلونات ذات الخصر العالي، الواسعة والضيقة على حد سواء، والتنورات المستقيمة، أيضا بخصر عال. إذا كانت هذه التشكيلة تشير إلى شيء، فإنها تؤكد ان المظهر الأنثوي البعيد عن الإثارة هو المستقبل بالنسبة لكالفين كلاين. من جهته، أرتأى مدلل الموضة النيويوركي، مارك جايكوبس، أن يفاجئ معجبيه، وقدم عرضا سرياليا بكل المقاييس، بدأه متأخرا بساعتين، وبرهن فيه على أنه إما بدأ يفقد لمسته الميداسية وعبقريته في نزع الإعجاب، وإما تحول إلى فيلسوف لن يفهمه جيله. العرض لم يبدأ متأخرا فقط، بل ايضا بدأه من الآخر، أي انه ظهر على المنصة ليحيي الجمهور ويتلقى تصفيقات الرضا والإعجاب بتشكيلة حتى قبل معاينتها. بعد ذلك بدأ العرض بأزياء تبنى فيها نظرية «ديريدا» التفكيكية، حيث تبدو وكأن غير مكتملة الخياطة، فبعض الفساتين كانت من دون ظهر أو تفتقد إلى قطعة من الجانب، الأحذية بدورها كانت غير مكتملة، فهي إما تنقص كعبا أو قطعة جلد من الأمام وهكذا. النتيجة؟ حيرة في حيرة وأزياء تفتقد إلى ما تعودنا عليه من هذا المصمم الشاب الذي كان إلى حد الآن، ما إن ينتهي عرضه في نيويورك حتى تبدأ شوارع الموضة العالمية في تقليد إبداعاته وطرحها للعامة. هذه المرة، لا أعتقد أن أيا من المحلات ستعرف من أين تبدأ التقليد.

لحسن الحظ، ان مخضرمين من أمثال أوسكار دي لارونتا وكارولينا هيريرا لم يخيبا الآمال، وأكدا ان الأناقة لا تعترف بسن أو بزمن، سواء تعلق الأمر بالمصمم أو بالمتسوق. أوسكار قدم مجموعة رائعة من الأزياء الغنية بالألوان والتفاصيل المترفة، غلبت عليها الإيحاءات الإثنية التي أخذنا من خلالها إلى أجواء افريقيا، والبنطلونات المستقيمة. بعد العرض قال اوسكار لوسائل الإعلام انه يحب المرأة، ومعجب بالتطور الذي أحرزته والحقوق التي حصلت عليها، فشتان بين الزمن الذي كانت تمنع فيه من دخول مطعم ببنطلون، وبينها اليوم وهي على أبواب أن تترأس أعظم قوة في العالم، وكأنه بهذا القول يلمح إلى ان هذه البنطلونات موجهة إلى السيناتورة هيلاري كلينتون. فربما تتبناها عوض البنطلونات «القديمة» التي تميل إليها وتتميز باتساعها عند منطقة الخصر والأرداف لتضيق عند الساقين، وهو التصميم الذي لا يناسبها ويعتبر في لغة الموضة «دقة قديمة». كارولينا هيريرا، في المقابل، عادت إلى أصولها الجنوب أميركية، حيث استفادت من ألوانها المتفتحة واحتفالها بالأنوثة، لكنها ايضا استقت الكثير، حسب اعترافها، من الرسام جيريمايا غودمان، الرسام الاميركي المهتم بالتصميم المنزلي والذي يتميز بمزجه الألوان بطريقة تخلق طبقات تتفجر منها الوان غريبة. الجديد في الأمر كان إدخالها «شورتات» إلى مناسبات الكوكتيل، ولا نقصد هنا «شورتات» طويلة أو بتصميمات جديدة، بل تلك التي تعودنا ان نراها في الصيف في الشواطئ او في الشوارع أوروبا، الفرق الوحيد انها بخامات تناسب المساء والسهرة. ولأن كارولينا نفسها تنتمي إلى الطبقة المخملية، أو بالأحرى الارستقراطية، مما يعني انها تعرف هذه المناسبات جيدا، فضلا على باعها الطويل في مجال فساتين السهرة، فإنه من الصعب على أي واحد منا ان يظهر استنكاره أو استغرابه لهذا التوجه، على الأقل من باب الخوف من أن يتهم بالجهل، وعدم فهم الموضة ومفهومها المتطور. لحسن الحظ ان الشورتات لم تكن هي البطل الوحيد، فقد كانت هناك ايضا تنورات وفساتين رائعة تحمل بصمات كارولينا كما عودتنا عليها، فضلا عن كنزات بتطريزات تجعلها مناسبة لأحلى المناسبات الصيفية في المساء.

مصممة أخرى تبنت موضة الشورتات هي أنا سوي، لكنها قصرتها على النهار والأيام العادية بأقمشتها الرجالية الخشنة ونقوشاتها المربعة والتي نسقتها مع جوارب بألوان غريبة وأحذية، أرادت منها خلق روح من الشقاوة والمرح، لكن رغم ذلك كان عرضها في غاية الاناقة والإبهار، فتحت الماكياج والتنسيق الغريب كانت هناك قطع رائعة على رأسها الفساتين التي ابتعدت فيها عن التصميمات المنسابة من الكتف إلى الركبة، والتي شاعت في المواسم الماضية، وجعلت كل واحدة منا تبدو وكأنها حامل في شهرها السادس. في رأي أنا سوي: «فتيات اليوم يردن مظهرا انثويا، وهذا يعني بالنسبة لي إعادة إحياء الخصر».