رمضان على الطريقة اللبنانية.. مائدة عامرة بالأطايب والعصائر

عادات سنوية جميلة تزيل الحواجز بين الناس

الافطار اللبناني.. تنوع لا يقاوم («الشرق الأوسط»)
TT

إطلالة شهر رمضان المبارك في لبنان، تكتسب حلة جديدة تميزها عن مثيلاتها في الدول العربية وذلك بفضل التعدد الطائفي الذي تتحلى به البلاد. فمع اقتراب حلول هذا الشهر الفضيل يبدأ الجميع، بمن فيهم غير المسلمين، بالاستعداد لاستقباله والتهيؤ للتأقلم مع نظمه وعاداته التي تضفي فرحا على أيامه المعدودة. ومع دنو ساعة الصفر لبداية الصوم، تزداد أسئلة غير المسلمين واستفساراتهم. فهم في الغالب يريدون ان يعرفوا الكثير عن هذا الشهر الذي يمتاز بمظاهر احتفال لا تحصى، فيبدأون بالسؤال عن عدد الأيام مرورا بطلب الإيضاحات عن أبرز التقاليد التي تسوده وصولا الى قواعد التصرف واللياقة المتبعة. أما المحور الأبرز الذي يثير التساؤلات فيدور حول المائدة الرمضانية العامرة بالأطباق والأطايب والعصائر على أنواعها. ولأن الأطباق اللبنانية تتميز عن سواها بالمأكولات اللذيذة، لا يتوانى من هم من الطوائف الأخرى عن توجيه دعوة لأنفسهم ليحلوا ضيوفا عند أصدقائهم المسلمين في حال تباطؤ هؤلاء عن المبادرة لاستضافتهم.

فالإفطار اللبناني يمتاز بعراقته وتراثه وبروتوكوله الذي يبدأ بحبات من التمر وعصائر الجلاب والسوس مرورا بحساء العدس الممهد للأطباق الرئيسية التي تختلف باختلاف المناطق اللبنانية وإن توحدت أحيانا كثيرة. أهالي قرى الجنوب لا يستغنون عن الفراكة أو الكبة وهي اللحمة النيئة مع البرغل ، فيما يشتهر أهالي الشمال بالمحاشي كوسى وباذنجان وورق العنب. أما أهالي بيروت فمعروفون بحبهم للمعجنات على أنواعها من سمبوسك وفطائر السبانخ ورقاقات بالجبنة وأكواز الكبة. وهذه الأطباق الرئيسة لا تفترق عن المازات اللبنانية وفي مقدمها صحن الفتوش الذي «تتبارى» ربات المنازل في تزيينه وإتقانه عبر استعمال الخضر الطازجة والشهية. ولان هذه المائدة لا تقاوم، يبدأ الحديث الذي يدور بين أصدقاء من طوائف مختلفة بمزاح يقترن بسؤال عن موعد الدعوة أو بـ«إعلان» عن الطبق الذي يفضلون تناوله. وقد تبلغ الصراحة درجة عالية حين يعلن غير المسلمين انهم في هذا اليوم أو ذاك سيقرعون باب صديقهم المسلم عند موعد الإفطار. فلا يبقى أمام هذا الأخير إلا التلفظ بكلمات الترحيب والتأهيل! واللافت ان بعض «ضيوف» المائدة الرمضانية يصومون رغم أن دينهم لا يفرض عليهم هذا الأمر، وذلك رغبة منهم في مشاركة أصدقائهم في هذا اليوم ومشاطرتهم الشعور بـ«الجوع» نفسه. وليس حب تذوق هذه المأكولات وحده ما يثير فضول «ضيوف رمضان» إنما رغبتهم بالمشاركة في هذه الجلسات التي تتميز بالألفة والأجواء المرحة، وما يتبعها من نزهات في الأسواق الشعبية التي تزدحم بالمارة في ساعات المساء. ولأن الأفران والمطاعم تفتح أبوابها حتى ساعات متقدمة من الليل، يخرج المسلمون بصحبة أصدقائهم من الطوائف غير المسلمة لتذوق أشهى الأرغفة والمعجنات الساخنة.

ولا تقتصر مشاركة المسلمين هذا الشهر على موائد الإفطار، بل تشمل أماكن العمل حيث يتعاون غير المسلمين مع الصائمين عبر تولي الجزء الأكبر من المهمات ليفسحوا في المجال أمام زملائهم بالخروج باكرا لتناول الإفطار أو لأخذ قسط من الراحة.

يبقى أن شهر رمضان يشكل بجو الألفة الذي يشيعه مناسبة للتلاقي وإزالة الحواجز المصطنعة بين الناس فيتشاطرون الإفطار ويتقاربون ويوطدون أواصر المحبة والود.