كريستوفر كاين يقدم تشكيلة مبتكرة أنجزها في أسبوع

أسبوع لندن.. سيناريوهات مشوقة من الابتكار والسرقات

من عرض كريستوفر كاين
TT

«ما أحلى الرجوع إليه».. هذا ما قالته إبداعات البريطانية لويلا بارتلي أول من أمس في العاصمة التي شهدت ولادتها كمصممة قبل ان تحلق إلى نيويورك حيث ظلت تعرض فيها لمدة خمس سنوات. مشاركتها هذه المرة تزامنت مع افتتاحها اول محل خاص بها في العاصمة، غير ان الحق يقال انها بغض النظر عن السبب المكيافيلي هذا، فهي لم تخيب آمال من انتظروها بلهفة وترقب. فقد قدمت تشكيلة جمعت فيها الكلاسيكي الذي ينم عن قدرة عالية على الخياطة والتفصيل مع لمسة «بانكس» تحية للندن، فضلا عن حقائب ستعرف طريقها، لا محالة، إلى أكتاف الأنيقات. عرض جاسبر كونران، كان مختلفا وأكثر هدوءا، تهادت فيه العارضات بـ«شورتات» وفساتين وتنورات قصيرة وفساتين سهرة بألوان معدنية، بينما كسر جون روشا قاعدته المتعارف عليها، وأدخل بعض الألوان على الأسود. فقد كانت هناك عدة قطع بالأحمر والوردي والأصفر، وطبعا لونه المفضل، الأسود، على العكس تماما من الثنائي باسو أند بروك اللذين قدما توليفة من الألوان الطبيعية بدت فيها تصميماتهما وكأنها لوحات فنية متحركة تحتفي بالربيع والصيف، وتتراقص على نغمات مستقبلية من الخيال العلمي، لاسيما في ما يتعلق بالقبعات المستوحاة من الأطباق الطائرة. لكن إذا كان هناك عرض يحتفي بالأناقة الراقية، سواء من حيث الخامة المترفة أو التفصيل الدقيق، فهو للمخضرم بول سميث، الذي استوحاها من موسم العودة إلى المدارس، مما أعطاها طابعا عمليا. لكن رغم الاحتفاء بعودة كل من لويلا وماثيو ويليامسون إلى لندن، ومشاركة مخضرمين متمرسين من امثال بول سميث، وإيقاع العاصمة السريع هذا الموسم بفضل حضور نجوم وشخصيات مهمة، سواء للاستمتاع بالأزياء المبتكرة أو لإحياء ذكرى محررة الأزياء إيزابيلا بلو، التي توفيت هذا العام إثر تناولها جرعة زائدة من المسكنات، فإن الحدث الذي أثار الكثير من الاهتمام هو عرض المصمم الاسكوتلندي كريستوفر كاين. ليس لأنه المصمم الذي تهلل له المجلات البراقة، وتحاول دور أزياء ان تجذبه إليها من دون جدوى، (دوناتيلا فيرساتشي اقترحت عليه ان يعمل معها بعد حفل تخرجه مباشرة لكنه رفض حتى يتفرغ لماركته الخاصة) لكن لأنه قدم تشكيلته في ظروف جد صعبة، وفي وقت قياسي، لا يتجاور الأسبوع. والسبب ليس لأنه لم يجد ممولا، لكن كل ما في الأمر ان المجموعة التي عكف على تصميمها لمدة أشهر اختفت فجأة من الاستديو الخاص به قبل اسبوع فقط من عرضه الثالث في اسبوع لندن. المجموعة المسروقة تضم 23 زيا فيما يبدو بأنه سرقة مقصودة من باب التخريب عليه وتشتيت جهوده، بعد النجاح الذي حققه خلال المواسم الثلاثة الأخيرة من تخرجه. مجموعته الاولى التي قدمها عقب التخرج لفتت الانظار وحظيت بتغطية كبيرة، وكانت مكونة من ملابس ضيقة بالوان براقة مطعمة بدانتيلا شفافة. وشملت مجموعته الثانية تلاعبا فنيا بقماش القطيفة باللون الغامق والجلد وكريستال سواروفسكي بأحجام ضخمة. دوناتيلا فيرساتشي ليست المعجبة الوحيدة بموهبة هذا الشاب الاسكتلندي، فرئيسة تحرير مجلة «فوج» النسخة الامريكية، انا وينتور، أيضا كان لها رأي إيجابي بخصوص تصميماته ذات التفاصيل الكثيرة، التي ارتدتها شخصيات معروفة مثل كايلي مينوغ وكايت بوسوورث وغيرهما، ولا تزال تعتبره من المصممين الواعدين.

لكن على ما يبدو فإن نعمة صعود كاين السريع الى قمة عالم الازياء كانت ستتحول إلى نقمة فيما لم يستطع تنفيذ المجموعة في الوقت المقرر لعرضها. القصة تبدو وكأنها مشهد من مسلسل «آغلي بيتي» حيث الصراعات والطعن في الظهر في عالم الموضة الذي كل ما في ظاهره براق ورائع بينما باطنه مخيف. وهو في طريقه إلى اسكوتلندا لحضور حفل توزيع جوائز الازياء الاسكوتلندي مع شقيقته وشريكته في الاعمال تامي، تلقى اتصالا من الاستديو الخاص به في شرق لندن مفاده ان 23 زيا ـ هي العمود الفقري لمجموعة الربيع/ الصيف لعام 2008 ـ قد سرقت، مع العلم ان قيمتها تزيد عن 30 الف جنيه استرليني، ولم يكن مؤمن عليها.

اضطر كاين للعودة الى الاستديو ليجد المكان في فوضى تامة، فقد دخل اللصوص المخزن باستخدام الشفرة الامنية للبابين، ومما زاد الأمر سوءا ان اللصوص لم يتركوا أي بصمات. وجد كاين نفسه امام خيارين: إما ان يقوم بالمستحيل ويعمل ليل نهار، أو ان يعتذر عن العرض هذا الموسم. ولحسن حظ الموضة هذا الأسبوع، اختار الثاني، وأصر على ان لا يسمح لما حدث بالتأثير عليه. وحسب ما صرح به لجريدة «السكوتسمان»: «بعد الصدمة المبدئية، تبين انه يجب البدء من جديد، فرغم مأساوية الحدث، إلا انه كان مصرا على الاستمرار».

مضيفا: «ابقى هنا طوال الليل. فبالإضافة الى كثرة العمل، لن اغامر في ما يتعلق بالامن على الاطلاق، ولا أريد أن تتكرر السرقة. ان مجرد التفكير في حدوث الأمر مرة اخرى كابوس بحد ذاته». وتقول بعض الشائعات بأن العملية هي عملية تخريب، ومحاولة من منافس غيور لإعاقة كاين الذي حققت مجموعتاه نجاحا باهرا، لاسيما أن المجموعة بغض النظر عن قيمتها الفنية، مميزة بشكل يصعب معه بيعها بسهولة. وقد صرحت شقيقته ساندرا، التي قبلت جائزة مصمم العام في اسبوع الازياء الاسكوتلندي نيابة عنه، بأنه يعتقد انها كانت محاولة لتخريب اسبوع لندن ككل. ويعترف كاين ان الظروف المحاطة بالسرقة مثيرة للشكوك. موضحا أن «المجموعة التي سرقت تم اختيارها بدقة، إذ تم استهداف الأزياء المخصصة للعرض فيما تركت باقي الملابس.. امر في غاية الغرابة. ان الوصول الى الاستديو الخاص بي، يتطلب السير عبر استديوهين اخرين بهما الكثير من معدات التصوير المرتفعة الثمن وقيمتها اكبر بكثير من مجموعتي. واعتقد، انه كان من السهل بيع معدات التصوير اكثر من بيع كشمير».

وتثار حاليا في أوساط الموضة عدة تساؤلات وكأن الأمر يتعلق بفيلم بوليسي. هل سبب السرقة ان منافسا غيورا وراء ما حدث؟ أم هل سرقت الازياء لبيعها لزبون ثري، كما هي العادة بالنسبة للاعمال الفنية المسروقة؟ أم هل نفذت السرقة عصابة محترفة لنسخها في الخارج؟ ولا حاجة للقول ان كل العاملين في الموضة التفوا حول كاين داعمين له ومؤكدين ثقتهم به.

وقالت ستيسي دوغويت محررة التنفيذ لقسم الموضة في مجلة «إيل»: «كل شخص يعمل في حقل الموضة مصدوم تماما لما حدث لكريستوفر. نحن مصدومون ولا أحد يعرف لماذا حدث هذا الأمر. مع ذلك فحقيقة كونه بدأ من جديد وبدأ يظهر عزيمة كبيرة. إنه شيء رائع أن تكون معنوياته لم تحبط نتيجة نكسة كهذه».

وقد تم تمويل عرض كاين في لندن من قبل مؤسسة «التصميم المشترك» بغلاسكو التي ساعدت 8 مصممين شبابا اسكوتلنديين لتقديم مجموعاتهم في لندن، وهذه المنظمة هي التي دعمت كاين حاليا لتجاوز محنته. وفي الوقت الذي لن نعرف فيها من هو المسؤول، على الأقل في المستقبل القريب، إلا ان مثل حوادث السرقات في عالم الموضة لها سوابق، وما علينا إلا ان نعود بذاكرتنا إلى عام 1998 عندما اهتز العاملون في حقل الموضة البريطاني حينما تعرضت محلاتهم لمدة اسبوع إلى السطو. وشكت الشرطة بأن تكون تلك السرقات قد جرت على يد عصابة واحدة، خصوصا بعد اختفاء ملابس تقدر قيمتها بمليون جنيه استرليني.

كانت الضحية الأولى ليزا بروس، المعروفة باسم «ملكة ملابس القطط السوداء». حينما وصلت إلى مخزنها في كنسينغتون اكتشفت أن الباب محطم إلى قطع صغيرة واختفى مخزونها من الملابس الذي تصل قيمتها إلى 100 ألف جنيه.

المستهدف الثاني كان مصمم العام البريطاني انتونيو براردي، فحينما كان الرجال ينقلون مجموعته من عرض أزياء ناجح في لندن جاء رجال يرتدون ملابس غير رسمية ويدفعون عربات عرضوا المساعدة، ونتيجة لذلك اختفى ما يقرب من 180 قطعة ملابس تعد الأكثر أهمية في مجموعة براردي وتقدر قيمتها بـ 500 ألف جنيه استرليني.

وحينما تمت سرقة ملابس قيمتها 180 ألف جنيه من مجموعة ايفي سامارا في أواخر الأسبوع نفسه اعتبرت المصممة أن «الصدمة تشبه فقدان طفل». واعتبر العاملون في حقل الموضة أن ما حدث لم يكن مصادفة لأن مبلغ 1200 جنيه استرليني كان في خزانة سامارا لم يتم مسه. في نفس العام، 1998، اعلنت المصممة البريطانية، اماندا وايكلي تعرضها لسرقة من محلها في لندن. وقالت انذاك «الامر المثير هو كيفية تركيز العصابة، فقد ترك الملابس ذات اللون الازرق البحري واخذوا كل الملابس ذات الالوان الفاتحة».

وردا على سلسلة السرقات التي تعرض لها قطاع الموضة في تلك السنة حذر «مجلس الموضة البريطاني» المصممين الشباب، وطلب منهم أن يتخذوا الخطوات اللازمة لحماية حقوق ملكيتهم لإبداعاتهم عن طريق التوقيع على كل تخطيطاتهم ورسوماتهم، وكتابة التاريخ عليها وحفظها في مكان آمن.

ونتيجة لكل ذلك ازدهرت نظريات المؤامرة حيث زعم البعض أن التصاميم شحنت إلى الخارج من أجل استنساخها بينما شك البعض بأنها عمل تخريبي على يد منافسين ضمن حقل الموضة نفسه.

لحسن الحظ أن موجة الجرائم هذه ظلت محدودة بعام 1998. وعلى الرغم من وقوع سرقات عرضية في السنوات اللاحقة فإن سرقات منظمة على نطاق واسع لم تحدث منذ ذلك الوقت. ولم يتم التعرف على اللصوص وربما ظلوا طليقين حتى اليوم.