لندن تسترجع مجدها وبريقها

معارض وحفلات لا تنتهي وزخم من النجوم والشخصيات

عارضتان ترقصان على موسيقى «برينس» (أ.ف.ب)
TT

شهدت لندن أول من امس تجمعا لم تشهد له مثيلاً في السابق، فقد توافد على أسبوعها عدد لا يستهان به من النجوم والمؤثرين على الموضة بدءا من المصممين جون غاليانو، ألبرتا فيريتي إلى رئيس حزب المحافظين ديفيد كاميرون وزوجته سامنتا مرورا بإليزابيث هيرلي، المغنية كورتني لوف والعارضة كلوديا شيفر وهلم جرا. هذا عدا طبعا وسائل الإعلام وعلى رأسهم عرابة صناعة الموضة ورئيسة تحرير مجلة «فوغ» أنا وينتور، التي يقال انها فضلت لندن على باريس هذا الموسم. توافد هذا الزخم من المشاهير على لندن هذه المرة، ليس لحضور عرض بعينه رغم ان العروض سخية بالابتكار والجديد، بل للاحتفال بالأناقة الراقية نفسها، وبالتالي لم يكن المكان الذي توجهوا إليه الخيمة المنصوبة وسط متحف التاريخ الطبيعي بمنطقة ساوث كينزينغتون أو أيا من القاعات المترامية وسط المدينة والتي يقيم فيها بعضهم عروضا من باب الوجاهة، بل متحف فكتوريا اند ألبرت، الذي يبعد بضع خطوات عن الخيمة.

المناسبة هي افتتاح المعرض الذي سيستمر لعدة اشهر تحت عنوان «العصر الذهبي للخياطة» والذي يحتفل بالمصمم الراحل كريستيان ديور، ما بين 1947 عندما أطلق ثورته في عالم الأزياء باسم «دي نيولوك» وبين 1957 العام الذي توفي فيه. وكان من البديهي ان تكون المدعوات في كامل اناقتهن، حتى يجسدن هذه الحقبة احسن تجسيد، كايت موس، مثلا، حضرت مع المصور العالمي ماريو تيستينو في فستان ذهبي «فينتاج» بينما ارتدت كلوديا شيفر فستانا لدار شانيل، وجمايما خان فستانا من دولتشي اند غابانا يتميز بحزام عريض على شكل كورسيه. «العصر الذهبي للخياطة» ليس المناسبة الوحيدة التي شهدتها لندن هذه السنة واستقطبت لفيفا من الشخصيات العالمية، الأمر الذي اكسب أسبوعها تميزا خاصا وإيقاعا ينافس، بل ويتوفق، لأول مرة ومنذ سنوات على اسابيع العواصم العالمية الاخرى مثل نيويورك، فقد أقيم ايضا في نفس اليوم، لكن نهارا، حفل خاص بمحررة الأزياء الراحلة إيزابيلا بلو، التي كانت لها ايادي بيضاء على العديد من المصممين في بداياتهم، من امثال ألكسندر ماكوين وفيليب ترايسي، مصمم قبعات. إيزابيلا بلو كانت قد انتحرت منذ عدة اشهر بسبب معاناتها الطويلة من حالة اكتئاب حادة، وكان الأمر مفاجئا لكل اصدقائها والمقربين منها إلى حد ان العديد منهم لم يتمكن من حضور مراسم الدفن، الأمر الذي شجع مساعدتها الخاصة بتنسيق هذا الحفل خلال اسبوع لندن للموضة لتتيح لهم فرصة توديعها بالشكل الذي تستحقه، وايضا «لأنها كانت دائما من اكثر المتحمسين لهذه العاصمة ولا شك ستكون سعيدة في حالة ما إذا ساعدت مصمميها الشباب، ولو بطريقة غير مباشرة من خلال استقطاب وسائل الإعلام العالمية إليها» هذا ما قالته مساعدتها ونجحت في تحقيقه. ولا شك ان لندن تحتاج إلى مثل هذه اللفتات الصغيرة ذات التأثير القوي، خصوصا في ظل المنافسة الشرسة التي تعرضت لها في السنوات الأخيرة وحاولت فيها بعض العواصم سحب السجاد منها. فمعظم عواصم العالمية، من برشلونة إلى نيودلهي، اصبحت لها اسابيعها الخاصة وتحاول بأي شكلها مكانتها ضمن العواصم الأربع الكبار. المشكلة التي كانت تعاني منها لندن بالذات، كانت تكمن في افتقادها إلى الصناعات الحرفية مثلما هو الحال بالنسبة لإيطاليا، وإلى الموارد المادية الهائلة التي تصب في باريس. بعبارة اخرى، يمكن القول انها الجانب الفقير والمتجاهل في دورة الموضة، بحيث كانت وسائل الإعلام تتوجه مباشرة من نيويورك إلى ميلانو ثم باريس من دون ان تشغل نفسها بالمرور عليها ولو مرور الكرام. ومع ذلك ظلت ولا تزال تركز على قدرتها على الابتكار، وعلى تفريخ المواهب، يساعدها على هذا معاهدها المتخصصة مثل «سانت مارتن» و«دي رويل كوليدج أوف آرت» وغيرهما. بيد انها استطاعت في السنوات الأخيرة، بفضل دعم محلات «توب شوب» المادي الذي يقدر بحوالي 500.000 جنيه استرليني في كل موسم، من ان تساعد الكثير من المصممين، الشباب على وجه الخصوص وتضعهم في الواجهة مثل كريستوفر كاين، لويز غولدين، ماريو شواس وغيرهم. لكن مع ذلك فإن هذا المبلغ زهيدا بالنسبة لصناعة يمكن ان تدر الملايين، الأمر الذي يدفع جمعية الموضة البريطانية المنظمة للأسبوع، إلى تشجيع ممولين آخرين لتقديم المزيد من العون، لاسيما إذا عرفنا ان تكاليف العرض الواحد تتباين ما بين 15000 و80000 جنيه استرليني، الأمر الممكن بالنسبة لأمثال بول سميث، نيكول فارحي وأماندا وايكلي وغيرهم، لكنه من المستحيلات بالنسبة للشباب المبتدئ.

ما يحسب للندن ايضا أنها، رغم كل المطبات التي تعرضت لها، لم تتنازل يوما عن فلسفتها بأن لا تصيب العالم بالملل. فهي معين لا ينضب من الابتكار، الذي يجنح إلى الجنون في بعض الأحيان لكن غالبا ما تكون بين طياته وثنياته فنون، يفهمها البعض ويجهلها البعض الآخر، وهنا يكمن الخطر، على الأقل حسب رأي ستيوارت روز، الرئيس التنفيذي لجمعية اسبوع الموضة. فهذا الرجل الذي أنعش محلات «ماركس أند سبنسر» وأنقذها من شفا الإفلاس، ينوي ان يحقق النجاح ذاته مع أسبوع لندن للموضة، وبالتالي فهو لا يزال يرى ان الجانب الفني فيها يغلب على العملي، أو على الأصح التجاري. ففي الوقت الذي تتعامل فيه كل من ميلانو وباريس مع الموضة على انها صناعة وتجارة تدر الملايين على البلد، لا تزال لندن تتعامل معها كهواية الموهوبين «أنا احترم حرية الإبداع لدى المصممين، لكن الموضة تجارة» حسبما صرح به لجريدة «الغارديان» البريطانية. هذه الفلسفة التي قدمها ستيوارت روز لهذا الأسبوع منذ توليه مهمته في عام 2004، هو الذي أعاده إلى الواجهة بقوة. فالجنون من أجل إثارة الانتباه وإحداث الصدمة حل محله جنون معقول أقرب إلى الابتكار والحداثة منه إلى أي شيء آخر، وهذا ما أعطى لندن صبغة عملية مبتكرة، تنافس نيويورك في عمليتها، وتكاد ترقى إلى حرفية ميلانو وخياطة باريس الرفيعة وفي الوقت ذاته تحافظ على روحها الشبابية التي لا يمكن لأي احد ان ينافسها فيها. وليس ادل على ذلك من عرض نيكول فارحي، التي قدمت ازياء أعادت إلى الأذهان الأسلوب البوهيمي بلمسات عصرية ونقوشات إثنية وقصات واسعة. قد يكون هذا جديدا على مصممة عودتنا على قطع منفصلة أنيقة لكل الأيام، ولكل الأعمار، لكنه يؤكد انه هنا تولد توجهات الموضة الشبابية. كذلك الامر بالنسبة للمصممة المخضرمة بيتي جاكسون التي قدمت تشكيلة اكدت ان الإبداع ليس قصرا على الشباب وانه ايضا يصقل مع العمر والتجربة. ما يساعدها على هذا الإبداع انها، مثل بول سميث، تملك شركتها كاملة ولم تتنازل عن أي اسهم منها رغم الإغراءات الكثيرة، لذلك فهي تتمتع برؤية واضحة كما انها، كامرأة، تفهم احتياجات بنات جنسها اكثر، وتترجم هذه الاحتياجات بشكل رائع، بعيد عن الصرعات أو التسويق. ماثيو ويليامسون قدم عرضه الذي ترقبته وسائل الإعلام بلهفة وكان مزيجا بين اسلوبه البوهيمي الراقي الذي يخاطب سيدات المجتمع المخملي اللاتي يقضين معظم اوقاتهن في المنتجعات الراقية، وبين أسلوب دار إيميليو بوتشو التي التحق بها منذ عامين. التأثير كان واضحا من خلال سخائه في استعمال النقوشات الجريئة.