أطفال كاميل الين يولدون على راحة اليد

لم يولدوا في مستشفى ولا حملت بهم أمهات بل صانعة دمى

كاميل تحمل أحد اطفالها على راحة يدها
TT

هؤلاء الاطفال المولودون حديثا، لم يأتوا الى الحياة من رحم امهات، ولم يولدوا في مستشفى عام او خاص، بل على راحة يد فنانة، تتسع لعملية ولادة عسيرة مثل كل ولادة، منذ ان يبدأ «طلق» الفكرة الى ان يخرج الطفل مكتملا في«نحت» دقيق لتمثال صغير على قدر كبير من الجمال، ويثير الكثير من الدهشة.

انهم لا يصرخون لحظة استنشاق اول نسمة حياة تعلن قدومهم الى الدنيا، لكن من قامت بنحتهم صرخت وحدها عند كل ولادة ينضم فيها مولود فني جديد الى اطفالها الكثيرين.

تدهشك التفاصيل، فلأطفال كاميل ملامح متقاربة، لكن تعابيرها ليست كذلك. فهذا يبتسم مبكرا مثل برعم زهرة لم يتعلم التفتح بعد، وذاك نائم في اعماق طفولته يجعلك تحلم بالنيابة عنه، وآخر يتثاءب مللا من سكونه الأبدي، فهو في نهاية الأمر، تمثال صغير من الطين، وإن منحته تلك السمات، ولون جلده وملمسه، وحتى شعيرات رأسه، ملامح انسانية وتعابير تجعل كل امرأة تحلم بأن تنجب مثله.

صاحبة «مصنع» هذه الطفولة المدهشة، التي تغمض عينيها على حرير من البراءة، لم تنجب اصلا، رغم انها متزوجة منذ سنوات، وربما رسمت في تلك القوالب الفنية الجميلة صورا لأطفال تحلم بهم، بعد ان قررت هي وزوجها فعلا ان يضيفا طفلا طبيعيا الى «العائلة» الكبيرة، او الى حضانتها.

انها كاميل الين، الكندية البالغة من العمر 26 عاما، والتي لم تتلق اية تدريبات او تعليم فني رسمي. فقد انجزت اول اعمالها كهواية: تمثال صغير لطفل يملأ الكف فقط، وضعت كاميل صورة له في مزاد للبيع على موقع (e-Bay) الانترنيتي، افتتح ببنس واحد، لكن «طفلها» الاول، بيع في نهاية المزاد، الذي شهد تنافسا كبيرا، بـ65 جنيها استرلينيا، وكانت تلك الذروة الأولى التي بلغها نجاحها الأول. بعد ست سنوات من العمل، التقط جامع دمى اطفالا جددا آخرين، كانت حصيلة صفقة بيعهم شرعا هذه المرة، آلاف الجنيهات. تعمل كاميل في ستوديو في فانكوفر (كندا) تصفه بأنه منير «يشرح الصدر»، في بناية تملؤها البهجة، رغم انها اقيمت عام 1916. فهي تعمل تحت مراقبة هادئة من امواج المحيط التي تطل من النافذة المقابلة، بينما تحمي كاميل ظهرها بسلسلة من الجبال التي يمكن مشاهدتها من الجهة الأخرى خلف البناء. في استوديو كاميل، يمكن التعرف على خطوات العمل، فثمة مواد اولية ضرورية لصناعة الدمى، وعلب الوان، وأجزاء من دمى ولعب اخرى لم تكتمل بعد، تملأ جوانب الاستوديو.

تنطلق كاميل من تفاصيل صور لأطفال نشرت في كتب او مجلات، ومن قطعة من الصلصال، تستحيل في النهاية الى تحفة فنية رائعة. غير ان تلك النهاية، تستغرق ساعات عدة، وصبر ايوب، وتتطلب تركيزا شديدا خصوصا مع اقتراب العمل من نهايته، حين تبدأ الفنانة في وضع التفاصيل الدقيقة للأظافر والشعر الذي تلتقطه من خيوط الموهير، وهو نوع من الوبر الناعم. اطفال كاميل المولودون في الاستوديو، جميعهم يحملون اسماء لم يختاروها بالطبع، مثلنا تماما. تعلمت كاميل فن صناعة الدمى من جدة زوجها قبل خمس سنوات، لكن ذلك اقتصر على الدمى من الحجم الكبير. لهذا كانت بدايات كاميل مع الجدة، اشبه بعمل امرأة تعد المحشي في المطبخ. فهي عادة ما تصنع شيئا آخر من الرز الزائد عن حاجتها بعد حشو ما لديها من حبات الكوسا مثلا او الباذنجان، او ان تصنع أكلة مما تستخرجه اثناء حفر حبات الخضر تلك. كانت الجدة تصنع الدمى الكبيرة، وكانت كاميل تلتقط ما يزيد عن حاجتها من قطع الصلصال وتصنع دمى صغيرة. تقول في ذلك: «عندما حملت اول دمية صغيرة لطفل على راحة يدي، شعرت بالأمان وبهالة من السحر. لقد احببتها فورا». طفلي الأول وضعته داخل قشرة بيضة، وأطلقت عليه «طفل البيضة»، تقول كاميل، وتضيف، «هذا الطفل يذكرنا بوضعه داخل الرحم، ويقدم لنا صورة عن هشاشة الولادة الأولى، وينبهنا الى ضرورة التعامل مع المولود الجديد برقة بالغة وعناية شديدة.

الا ان ما يؤخذ على كاميل، ان اطفالها جميعا جاؤوا من عرق واحد، ولجلدهم لون واحد، اما ملامحهم فقريبة منها هي، وان لم تكن كذلك، فهي ملامح اوروبية عموما. لقد انتبهت كاميل الى ذلك اخيرا، بعد ان ابدى بعض زوار موقعها على الانترنت استياءهم. انها تعمل الآن، والكل يأمل ان يرى قريبا، اطفالا ذوي بشرة سوداء، او سمراء، او صينيي الملامح، وهنودا حمرا تنجبهم الفنانة نفسها.