حقول القمح الصفراء ما زالت تجذب الأضواء

لوحة فان جوخ الأخيرة تعرض للبيع لأول مرة

هناك جدل قائم حول ما اذا كانت لوحة «حقول القمح والغربان» هي آخر لوحة لفان جوخ
TT

في خطاب لأخيه ثيو بتاريخ 10 يوليو 1890، كتب فنسنت فان جوخ واصفا لوحته «الحقول»: «انها حقول شاسعة من القمح تعلوها سماء مضطربة، ولكني لم اتعمد افتعال تصوير مشاعر الحزن والوحدة. سوف احضر لوحاتي الاخيرة معي الى باريس وتستطيع ان ترى بنفسك ما لا استطيع قوله لك بالكلمات». اللوحة التي يعتبر الكثيرون انها اللوحة الاخيرة لفان جوخ والتي أنهى العمل فيها قبل انتحاره بتسعة عشر يوما، ستعرض للبيع لأول مرة في صالة سوذبي بنيويورك في شهر نوفمبر ويتوقع ان تباع بمبلغ قياسي. اللوحة عرضت للجمهور لأول مرة في عام 2001 في مدينة أمستردام واثارت وقتها موجة ضخمة من عروض الشراء وهو شيء متوقع كما تؤكد المتحدثة باسم صالة سوذبي لصحيفة الاندبندنت. وتضيف «عمل نادر كهذا يعكس الايام الاخيرة في حياة الفنان من المتوقع ان يثير كل تلك الرغبة الجامحة في اقتنائه، فهي الفرصة الاخيرة لأي جامع للوحات لشراء لوحة من لوحات فان جوخ». ويبدو ان اللوحة حملت الكثير من الاهمية لثيو حتى انه احتفظ بها لمدة عشرين عاما ولم تعرض للبيع الا في عام 1907 ومنذ ذلك الوقت ظلت اللوحة ضمن المجموعات الخاصة بعيدة عن صالات المتاحف، وهو ليس بالمستغرب فالكثير من لوحات فان جوخ ظلت بعد وفاته ضمن المجموعات الخاصة ولم تعرض للجمهور حسبما يؤكد ديفيد نورمان نائب مدير صالة سوذبي لصحيفة الاندبندنت.

ورغم ان الكثير من الخبراء الفنيين يؤكدون ان لوحة «الحقول» هي آخر لوحات فان جوخ، الا ان هناك جدلا قائما حول ما اذا كانت لوحة «حقول القمح والغربان» هي آخر لوحة وخاصة للقتامة التي تسود اللوحة وهي في نظر الكثيرين تعبر عن الحالة النفسية للفنان في أيامه الاخيرة واعتبروها بمثابة «خطاب انتحار» و ان كان لا دليل هناك على كونها الاخيرة.

وذكر فان جوخ لوحة «حقول القمح والغربان» ضمن حديثه عن لوحاته الاخيرة في خطابه لاخيه ثيو «لقد عدت للرسم مرة أخرى وان كنت امسك الفرشاة بصعوبة ولكني أعرف ما الذي أريد أن ارسمه ... أعمل الآن على ثلاث لوحات عن حقول القمح القابعة تحت السماء الملبدة بالغيوم ... أعتقد انها تعبر عما لا استطيع التعبير عنه بالكلمات».

وبغض النظر عما اذا كانت لوحة «حقول القمح والغربان» هي آخر لوحة لفان جوخ فانها تظل لوحة موحية غنية بالمعاني والاشارات الى أيام الفنان الاخيرة حيث يرى الكثير من النقاد ان أسراب الغربان قد تعني المستقبل القاتم.

وتنتمي لوحة «الحقول» الى سلسلة من اللوحات التي انجزها فان جوخ في عام 1890 وكانت فيها حقول القمح الذهبية لمنطقة اوفر سور اويز هي البطل.

والمدهش في لوحة «الحقول» هو اختلاط الامل واليأس و الاحساس بالوحدة بين الالوان المشعة بالأمل المتمثلة في القمح الاصفر وبين اليأس والقتامة في السماء الزرقاء الداكنة المضطربة وهو ما قد يعكس قدرة فان جوخ على الفصل بين اليأس والحزن داخله عن الامل المتراقص مع اعواد القمح الصفراء وهو ما يؤكده نورمان بقوله: «نعرف ان هذا الرجل غارق في اليأس وعلى شفى الانتحار ومع ذلك فهو يظهر في لوحاته ما يراه في العالم الخارجي حوله».

وللست سنوات الاخيرة ظلت لوحة «الحقول» تجذب الزوار اليها في متحف أمستردام الى جانب مجموعة اخرى من اللوحات التي تدور حول المناظر الطبيعية للفنان الشهير رسمها في سنواته الاخيرة. وعرضت اللوحة في لندن مرة واحدة في عام 1995 وتعرض للمرة الثانية في السابع من أكتوبر القادم داخل صالة سوذبي استعدادا للمزاد الذي يقام في نيويورك لاحقا.

وتتوقع صالة سوذبي ان تصل المزايدات الى 35 مليون دولار أميركي على اللوحة التي رسمها فان جوخ في منطقة اوفر سور اوز في صيف عام 1890. واللوحة التي ظل اسم مالكها مجهولا حتى الان، معارة الى متحف امستردام منذ عام 2001. وفان جوخ المعروف بلوحات المناظر الطبيعية وزهور عباد الشمس كانت بداياته الفنية تدور حول مناظر طبيعية ومناظر الفلاحين وهم يعملون. وكان يميل إلى الألوان البنية الداكنة والزيتونية ووضوح لمسات الفرشاة. وكانت لوحة آكلو البطاطس في عام 1885 من أرقى أعماله في تلك الفترة. وفي عام 1886 سافر إلى باريس لزيارة شقيقه ثيو وانجذب بسرعة لما شاهده من فنون التصوير التشكيلي الانطباعي هناك. وتأثر فان جوخ بالفنون الانطباعية السائدة في ذلك الوقت وقام بتخفيف فرشاته وبدأ يستخدم الألوان البراقة الواضحة.

وفي عام 1888 انتقل فان جوخ إلى أرليز في جنوب فرنسا. وهناك رسم أكثر لوحاته تعبيراً وواقعية. ومن أعماله في تلك الفترة لوحة راولين ساعي البريد. وفي أرليز كانت تصيبه نوبات عصبية عنيفة من وقت لآخر، وشخصت بعد وفاته بأنها داء الصرع. وكانت الألوان الكثيفة ولمسات الفرشاة المضطربة في لوحاته في ذلك الوقت تعكس اضطراباً ذهنياً، ومن أمثلة ذلك لوحته «الملهى الليلي». وأثناء واحدة من تلك النوبات العصبية في أواخر عام 1888 هدد باغتيال الرسام الفرنسي بول جوجان الذي كان يزوره يومها وقام بقطع إحدى أذنيه أثناء تلك النوبة وفي العام التالي انتحر.

وتعرض لوحة فان جوخ في وقت ازداد فيه الاقبال على شراء اللوحات للمجموعات الخاصة وهو ما ينذر بخسارة فادحة للمتاحف العالمية. وبزيادة الاقبال ازدادت الاسعار حتى وصلت الى مبالغ يصعب تصديقها فمثلا بيعت لوحة للرسام النمساوي غوستاف كليمت في يونيو من العام الماضي مقابل 73 مليون جنيه استرليني، محققة بذلك رقما قياسا في تاريخ المزادات على الأعمال الفنية. وذكرت تقارير اعلامية ان الـ 135 مليون دولار التي دفعها صاحب امبراطورية مستحضرات التجميل «رونالد اس. لاودر» للوحة هو اكبر مبلغ يتم دفعه مقابل لوحة زيتية وهو رقم يفوق مبلغ 104.1 مليون دولار (57 مليون جنيه) ثمن لوحة «صبي ذو غليون» التي رسمها الاسباني بابلو بيكاسو عام 1905 وبيعت في مزاد بدار سوذبي للمزادات عام 2004.

وفي الوقت الذي بيعت فيه لوحة لفان جوخ في عام 1995 بمبلغ 27 مليون دولار يتوقع ان يبلغ سعر لوحة الحقول اكثر من 35 مليون دولار وهو ما يؤكد اختلاف السوق الفني في السنوات الاخيرة. ويقول نورمان للاندبندنت ان السوق الذي شهد بيع لوحة فان جوخ بـ27 مليون دولار «مختلف عن السوق اليوم» ومن يعلم؟ فربما تباع اللوحة بمبلغ غير مسبوق ولن يكون في ذلك مفاجأة كبيرة فنحن نتحدث عن فان جوخ!