تمثال الحرية مكبل بالقيود

الكونغرس الأميركي يناقش إعادة الحياة إلى تاج الحرية

TT

اعتاد الأميركيون والسياح الأجانب على مدى أجيال متعاقبة على زيارة تمثال الحرية قرب مدينة نيويورك، وصعود درجاته الـ162 إلى أعلى الرأس للوقوف داخل تاج التمثال، إلى أن قررت السلطات الأميركية منع الدخول إلى مبنى التمثال عقب هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، وهي الهجمات التي أصابت الحرية بسهم موجع، وفقد تمثال الحرية جزءا من حريته بسببها. وبعد ثلاث سنوات من الهجمات أعيد فتح التمثال جزئيا للزوار‏، ولكنه ظل محروما من استقبال الزوار على تاجه الشهير لأسباب قيل وقتها إنها أمنية‏. وبعد تزايد المطالبات برفع الحظر عن تاج التمثال تعلل المسؤولون بأن دواعي الأمان وليس الأمن هي التي تفرض استمرار فرض القيود على تاج سيدة الحرية، وقالوا إن تاج التمثال البالغ من العمر 121 عاما لم يعد يتحمل صعود الزوار إليه لأن مخاطر الحريق وشروط السلامة لم تعد متوفرة بالمقاييس الحديثة للسلامة.

وفي إطار المطالبات بتحرير سيدة الحرية من القيود المفروض عليها عقدت إحدى لجان الكونغرس الأميركي في واشنطن جلسة استماع لمناقشة القضية ودراسة امكانية إعادة الحرية الكاملة للتمثال، حيث استمع النواب الحاضرون خلال الجلسة إلى مبررات مسؤولي خدمات الحدائق الوطنية الذين أقروا بأن المخاوف من الإرهابيين المتنكرين في ثياب السياح فرضت عليهم تشديد القيود على التمثال، مشيرين أيضا إلى أن السلالم الموجودة داخل رقبة التمثال التي توصل الزوار إلى منطقة الرأس لم تكن مبنية لاستيعاب مئات أو آلاف الناس الذين يتوقون لصعودها كل عام، وإنما مخصصة من الأساس لعمال الصيانة كي يصعدوا إلى منطقة الرأس.

ويخطط المسؤولون وفقا لما ذكره دانيال وينك، نائب مدير خدمات الحدائق الوطنية في جلسة الاستماع، إلى إبقاء الزوار في أسفل التمثال ومنعهم من صعود سلالم الحرية، حفاظا على سلامتهم وليس خوفا من العمليات الإرهابية. وأوضح المسؤول أنه من المستحيل على أي شخص يبدأ بصعود السلم أن يعود إلى الأسفل قبل أن يصل إلى تاج التمثال لأن الأشخاص الموجودين في وسط السلم وأسفله يصدون طريق العودة ولن يتمكن الموجودون أعلى السلم من الفرار في حال اندلاع حريق أو أي أمر آخر يستدعي الفرار.

تجدر الإشارة إلى أن السلطات المسؤولة عن صيانة التمثال جمعت وأنفقت في السنوات القليلة الماضية أكثر من 20 مليون دولار من أجل تحسين شروط السلامة، خصوصا ما يتعلق بالتعامل مع الحرائق المحتمل اندلاعها في منطقة التمثال لأي سبب كان، ولكن السلطات ذاتها، وفقا لما تناولته الصحافة الأميركية، عجزت عن تحديد حجم المبالغ الإضافية التي تحتاج إليها لجعل التمثال يتمتع بالسلامة والأمن الكامل إلى جانب التمتع بالحرية دون أن يؤثر ذلك على الأمن.

ومن المعروف أن تمثال الحرية يمثل عملا فنيا نحتيا صممه المهندسان فريدريك بارتولدي وغوستاف إيفل على هيئة سيدة وأهدته فرنسا إلى الولايات المتحدة في 28 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1886، بهدف توثيق عرى الصداقة بين البلدين، ومنذ ذلك الحين استقر التمثال بموقعه المطل علي خليج نيويورك بولاية نيويورك ليكون في استقبال كل زائري البلاد سواء كانوا سائحين أو مهاجرين. وكانت فرنسا قد عرضت على الخديوي إسماعيل نقل التمثال إلى مصر ليتم وضعه في مدخل قناة السويس، لكن الخديوي إسماعيل اعتذر عن قبوله نظرا للتكاليف الباهظة التي يتطلبها المشروع.

وفي ذلك الوقت كانت الجمهورية الفرنسية تتملكها فكرة إهداء هدايا تذكارية لدول صديقة عبر البحار من أجل تأصير أواصل الصداقة بها، لذلك تم التفكير في إهذاء الولايات المتحدة الأمريكية هذا التمثال في ذكرى احتفالها بالذكري المئوية للثورة الأميركية (1775 ـ 1783). وفي يوليو (تموز) عام 1884 تم شحن التمثال على باخرة فرنسية وصلت إلى ميناء نيويوك في 17 يونيو (حزيران) 1885 تم تفكيك التمثال إلي 350 قطعة وضعت في 214 صندوق لتخزينها لحين انتهاء أعمال بناء القاعدة وضع عليها التمثال لاحقا. وفي 28 أكتوبر 1886 أي بعد إنتهاء إكتمال بناء قاعدة التمثال بـ6 أشهر أفتتح الرئيس الأميركي غروفر كليفلاند التمثال في إحتفال كبير. ويرمز التمثال إلى سيدة تحررت من قيود الإستبداد ـ التي ألقيت عند إحدى قدميها. وتمسك هذه السيدة في يدها اليمني مشعلا يرمز إلي الحرية، بينما تحمل في يدها اليسري كتابا نقش عليه بأحرف رومانية جملة «4 يوليو 1776»، وهو تاريج إعلان الاستقلال الأميركي، أما على رأسها فهي ترتدي تاجا مكونا من 7 أسنة. وكان الزوار في البداية قادرين على الصعود إلى أعلى يد التمثال ولكن جرى إيقاف ذلك قبل أكثر من مائة عام لدواعي السلامة.

ويرتكز التمثال على قاعدة إسمنتية يبلغ عرضها 47 مترا، كما يبلغ طوله من القدم إلي أعلى المشعل 46 مترا، بينما يبلغ الطول الكلي مع القاعدة 93 متراً. ويتكون من ألواح نحاسية بسمك 2.5 مم (0.01 إنش) مثبتة إلى الهيكل الحديدي، ويزن إجمالياً 125 طنا. ويحيط بالتمثال سور ذو شكل نجمي (نجمة ذات 10 رؤوس). ويتم الوصول إلى الجزيرة الموجود عليها التمثال باستخدام العبارات، ثم يقوم الزوار بالصعود إلى التاج أعلى التمثال باستخدام السلالم، ومنه يطلون على مشهد بانورامي لخليج نيويورك وما حوله. ويمكن للزائر أن يتعرف على تاريخ التمثال من خلال زيارة المتحف الموجود في قاعدة التمثال، ويتم الصعود إليه باستخدام المصاعد. وفي الذراع اليمني الممسكة بالمشعل يوجد سلم يصعد لهذا التاج لكنه، مقصور فقط على العاملين في التمثال، حيث يتم استخدامه في أعمال الصيانة اللازمة للإضاءة الموجودة بالتاج. أما الصعود للمشعل فكان معمولا به حتي عام 1916 حيث أغلق أمام الجمهور. ولمنع التكدس، يتم الحجز مسبقا للزيارة من خلال إحدى وسيلتين، إما من خلال رقم هاتفي ثابت حيث يوجد رقم مخصص داخل الولايات المتحدة وآخر خارجه، أو من خلال الموقع الخاص به على الإنترنت.

ويفضل بعض الزوار مشاهدة التمثال من الجو عن طريق استئجار طائرات مروحية صغيرة يكلف الصعود إليها أقل من مائة دولار للقيام بجولة حول التمثال وحول ناطحة السحاب في نيويورك لمدة قد لا تتجاوز 15 دقيقة ولكنها تمنح الزائر صورة أشمل عن منطقة الجزيرة وتعفيه من تحمل معاناة انتظار ركوب العبارة للوصول إلى جزيرة الحرية.