ماذا تقول المقاعد عن مصمميها؟

علاقة الكرسي والمصمم يطرحها معرض صور ومسابقة

المعمارية العراقية زها حديد تجلس في كرسي أخضر اللون من تصميمها
TT

في دوامة الحياة اليومية قد لا نلاحظ بعض الاشياء في محيطنا المادي، نتعامل معها على انها من المسلمات لا ننظر اليها مرتين ولكن اذا غابت تلك الاشياء نشعر بمدى حاجتنا اليها. ومن هذه الاشياء الكرسي الذي نتفنن في اشكاله وخاماته وألوانه، ولكن هل يعكس هذا الكرسي ملمحا من شخصيتنا؟ قد تكون اجابة البعض بالنفي ولكن معرض المصور جوناثان رووت الاخير في لندن يقول العكس.

المعرض المعنون Sitting Pretty والمقام في «ميوز غاليري» يضم مجموعة من الصور الفوتوغرافية لمشاهير المعماريين والمصممين كل منهم يجلس في مقعد من اختياره، مقعد يعني له شيئا ما ويعبر عن شخصيته في آن واحد.

عشرون مصمما معروفا على مستوى العالم ينظرون لزائر المعرض من داخل الصور كل منهم يجلس بطريقة مختلفة عن الاخر، فالمعمارية العراقية الاصل زها حديد تجلس بأناقة في كرسي أخضر اللون من تصميمها وتعكس استرخاء جسدها وملابسها التي تتميز بالعملية والبساطة وايضا الاناقة، الثقة والذكاء والروح البسيطة المنطلقة.

وعلى امتداد المعرض تعرض ايضا بعض الكراسي التي اختارها المصممون ليجلسوا عليها، فبجانب الصورة نجد الكرسي نفسه كجزء من العرض الذي يصبح ثنائي الابعاد. ويقول ربيع الحاج صاحب «ميوز غاليري» ان المصور رووت اعتمد على «التعبير عن شخصية الغرفة والمصمم في آن واحد».

والمعروف عن المصور جوناثان رووت قدرته على اختيار اللحظة المعبرة والتي تظهر فيها لمحات من شخصية الشخص الجالس امامه وهنا تلتقط عينه الذكية اللقطة التي تساوي مئات الكلمات. وهنا يستطيع المشاهد استقراء بعض ملامح الشخصية امامه ويعرف بعض خباياها التي تظهر من بين ثنايا المظهر الخارجي.

وتختلط اللقطات المصورة في المعرض بحسب الشخصيات المصورة داخلها ما بين الشخصية المتمردة والجريئة مثل شخصية المصمم أريك ليفي والذي يختار ان يجعل من الكرسي مصدرا للضوء فيضع في وسطه مصباحا ويضعه على رف مرتفع. ويقول المصمم لصحيفة فايننشال تايمز حول اختياره «انها حالة من اختلاط الماهية، فالكرسي يصبح مصباحا والمصباح يتحول الى كرسي... وهنا نتساءل عن الانماط التي خلقها المجتمع». أما المصمم فيليب ستارك فيختار كرسيا من البلاستيك الشفاف والمصمم على نمط كلاسيكي وهو بذلك يجمع بين النقيضين ويقول للصحيفة «اخترت هذا الكرسي لأنه قطعة اثاث تكاد تكون غير موجودة».

والى جانب الصور التي تمثل التجديد ومحاوله اعادة رؤية الاشياء هناك ايضا من يتمسك بالشكل التقليدي للكراسي ويرى فيها عنصرا مريحا للنفس مثل صورة الفنانين غلبرت وجورج اللذان يجلسان بشكل مستقيم على مقعد مستطيل من القماش الملون وله اذرع خشبية منقوشة وخلفهما حائط مغطى بالقماش الملون تعلوه لوحة زيتية، الغرفة كلها تنضح بالكلاسيكية والفخامة ولكن طريقة جلوس الفنانين بظهريهما المستقيمين وايديهما الموضوعة على ركبتيهما تطرح فكرة التناغم مع الواقع والجو المحيط.

وبالنسبة للرسام أكي كورودا والذي يجلس امام حائط مليء بالرسومات الصارخة ومكتوب أعلاه «هذه الضجة ستدفعني الى الجنون»، فهو يجلس على كرسي مغطى بالألوان الزيتية والى جواره كرسي آخر فارغ، وقد نرى في بذلته السوداء محاولة للانفصال عن تلك الضجة ولكنه يبدو منسجما مع تلك الخلفية بشكل أو بآخر ويضيف في حديثه للصحيفة «احب تلك الكراسي لأنها لا تعبر عن مفهوم ولا تطرح فكرة انها بالنسبة لي لا طراز لها». وتطرح اختيارات المصممين للكراسي عدة امور منها الاختلاط بالطبيعة فالفنان بيت هاين ايك يجلس على كرسي خشبي خاص بالحدائق ويرى فيه العلاقة بين الشجرة التي نحت منها الكرسي والطبيعة المتمثله في الحديقة المحيطة وهو ايضا ما يحمل رسالة صديقة للبيئة.

ونلمح من مجموعة الصور في المعرض علاقة المصمم مع تصميماته وانتاجه وايضا علاقته مع البيئة المحيطة به فيبدو بعضهم وكأنه جزأ من العالم حوله مثل مصممة الازياء زاندرا رودس التي تقف امام حاجز "بارافان" من القماش الملون وحولها تمثالين باللون الاسود ويرتديان زيان صارخان. المصممة تستند على كرسي غريب الشكل، ظهره مقسم بالطول الى نصفين وتبدو هي واقفة بجانب الكرسي وهي مرتدية ملابس ملونة تتداخل الوانها ونقوشاتها مع الوان البارافان والكرسي وكأنها جزء من محيط من الالوان والأشكال.

ويبدو ان الكراسي هي شاغل المعارض اللندنية الآن فإلى جانب معرض جوناثان رووت يقيم معرض الاثاث الدولي «ديكوريكس» والقائم في لندن حاليا مسابقة بين مصممين الاثاث بمناسبة الاحتفال بمرور ثلاثين عاما على بدأ معرض «ديكوركس» السنوي. المسابقة تقام بين مجموعة من نجوم المصممين والشركات المختصة وموضوعها «الكرسي». التصميمات الفائزة سوف تعرض للبيع في المزاد العام في قاعة بونهامز بلندن في يوم 24 اكتوبر وتخصص العوائد للاعمال الخيرية.

من الاعمال المتسابقة هناك الكرسي البديع التصميم للمصمم كيت كمب والذي يختار لكرسيه الجلد الذهبي ويزين ظهره بالأزرار السوداء. الكرسي تنويعة على الشكل الكلاسيكي للكراسي الفخمة ويقول عنه كمب للفايناشال تايمز «اعتقد ان الكرسي الجيد يستطيع البقاء عبر الاجيال متفردا بتصميمه، فهذا الكرسي تستطيع وضعه منفردا في البهو أو تضمه الى اثاث غرفة الجلوس، فهو مناسب لكل تلك الامكنة ويتميز بالانبساط في الظهر وهو ما يعطي الجالس الاحساس بالاحتواء. أما لونه الذهبي فعلى الرغم من تاثيره القوي فهو لون محايد يتمازج جيدا مع الالوان الاخرى».

وتختلف التصميمات المتسابقة في اولوياتها فهناك من يفكر في الاناقة أولا وهناك من يرى ان الراحة جزءا مهما من وظيفة الكرسي وهناك من يأخذ التصميم القديم ويطوره ليصبح تنويعة حديثة على التصميم الكلاسيكي بغرض جعله أكثر راحة وألفة. وفي النهاية يبدو ان للمصممين رؤية في المقاعد ترى فيها اكثر من مجرد قطعة أثاث، وقد يرى فيه البعض معاني مرتبطة بالشخصية والمحيط الخارجي والاحتياجات النفسية للمصمم. ويرى البعض انها قطعة صعبة التصميم حسب القول الشهير للمعماري لودفيج ميزفاندورو "الكرسي من أكثر الاشياء صعوبة في التصميم وبالمقارنة معه يصبح تصميم ناطحة السحاب «شديدة السهولة». Sitting Pretty Mews Gallery Rabih Hage www.rabih-hage.com