لقاء «الهيبيز» والرومانسية الجديدة

أسبوع ميلانو لربيع وصيف 2008

من عرض جاست كافالي (أ.ب)
TT

من خلال ما عرض لحد الآن في أسبوع ميلانو لربيع وصيف 2008، يمكن القول إن مفهوما جديدا للرومانسية قد ولد هذا الموسم. رومانسية يمتزج فيها البوهيمي بالغجري بالمفصل، بدءا من تشكيلة الثنائي دولتشي اند غابانا وكافالي إلى بيربيري وجيورجيو أرماني. فهذا الأخير الذي ارتبط أسلوبه بالعملي والتجاري لأعوام أكد مرة المرة، انه مصمم مبدع ورجل سوق في الوقت ذاته، يستغل أي ثغرة في السوق وأي نقطة ضعف لدى المرأة ليحقق النجاح لاسمه وامبراطوريته المترامية، التي تشمل الديكور المنزلي والمطاعم وتليفون جوال هو نتاج تعاونه مع شركة «سامسونغ» اليابانية. لهذا الموسم اختار ان يحتفل بالرحل والغجر أينما كانوا. مرة من خلال بنطلون فضفاض مشدود عند الركبة، ومرة من خلال وشاح يغطي شعر الرأس، ومرة أخرى من خلال الألوان الصارخة. لكن ما يثير التساؤل أكثر هو تلك العلاقة الحميمة التي باتت تربطه باكسسوارات الشعر بالذات، فكل موسم يتحفنا بقبعات غريبة، أحيانا صغيرة إلى حد تبدو معه وكأنها مجرد دبوس كبير، وبالنتيجة تكون غير عملية ولا أنيقة، مما يجعل استعماله للإيشاربات هذا الموسم خيارا افضل بكثير. فهي، على الاقل، أكثر عملية وتتماشى مع أي أسلوب. أرماني يقول في الكتيب الذي وزعه على الصحافة إنه استوحى مجموعته من الجزر الإيطالية بالجنوب، حيث يقضي وقتا طويلا بحكم انه يملك واحدا من بيوته المتعددة في «باناريا»، والحقيقة انه استطاع من خلال الإيشارب ان يخلق إطلالات رائعة غنية بالإيحاءات الرومانسية والأنثوية رغم ان بعض القطع الرئيسية هي مجرد استنساخ لقطع رأيناها في مواسم ماضية، بدءا من الجاكيت القصير (البوليرو) إلى البنطلون القصير والمنفوخ الذي يستحضر سروال سندباد. الإيشارب في مجموعته للنهار أخذ عدة اشكال وألوان واحجام. فهو مرة يزين الرأس، ومرة أخرى يحل محل قميص مفتوح يغطي الأكتاف أو محل تنورة مشبوكة بدبوس أو بروش، وفي المساء كان حاضرا بتخريمات رائعة بألوان الذهبي والفضي، فيما غلبت على فساتين السهرة الياقات المفتوحة بشكل كبير، مما يجعل الاستعانة بإيشارب كبير، حتى وإن كان شفافا، امرا ضروريا.

أرماني لم يكتف بالإيشارب لإضافة نكهة صقلية شابة على عرضه، فتلاعبه بالاكسسوارات شمل الأحذية أيضا، حيث أرسل عارضاته بأحذية عالية الكعوب تناسب السهرات مع مجموعته الموجهة للنهار، فيما ارسلهن في أحذية منخفضة على شكل أحذية «الباليرينا» مع مجموعته المطرزة والمترفة للمساء، ورغم ما في الأمر من تناقض، إلا انه خلق جوا لذيذا. بالنسبة للثنائي دولتشي اند غابانا، فقد تبنيا في تشكيلتهما الخاصة بالشابات، اسلوبا يميل إلى اسلوب الهيبيين كما ظهر في ستينات القرن الماضي، لكن نظرا للترجمة العصرية الواضحة فيه، يمكن القول انها مأخوذة من أسلوب الكرنفالات التي أصبحت سمة من الثقافة الأوروبية في الصيف، مثل كـرنفــال «غـلاســتنبوري» البريطاني. الفساتين جاءت إما قصيرة جدا، أو طويلة جدا وواسعة تزينها نقوشات حيوية، بينما تميزت بنطلونات الجينز بكونها واسعة من اسفل تستحضر بدورها موضة أخرى من القرن الماضي: بنطلون التشارلستون. لكن في المناسبات التي لا تستدعي حضور كرنفال، فقد قدما للشابة الصغيرة كنزات واسعة يمكن تنسيقها مع تنورات واسعة وأحذية من دون كعوب وجاكيتات رائعة من اللاميه وبنطلونات واسعة مرصعة بأحجار الكريستال وفساتين من الشيفون بألوان الورد.

وإذا كان عرض جيورجيو أرماني الذي افتتح به اسبوع ميلانو، حدثا مهما، حسب رأي البعض ممن شبهوا التوقيت بمثابة حفل تقدم فيه «التحلية» قبل الطبق الرئيسي، فإن عرض الراحل جيانفرانكو فيري لم يقل عنه اهمية، لا سيما وأن هذه التشكيلة هي آخر تشكيلة أشرف عليه قبل موته في شهر يونيو (حزيران) الماضي، وتم تنفيذها من قبل فريقه الخاص تكريما لذكراه. أقيم العرض على غير العادة في متحف «فوندازيوني أرنالدو بومودورو» فيما كان يعرض دائما في المقر الرئيسي لشركته. وكان لا بد ان يثير تغيير مسرح العرض بعض التساؤلات، وإن جاء جواب عليها بسيطا: انها لفتة للاحتفال به كمهندس موضة وإشارة إلى ان باب التغيير قد فتح على مصراعيه بالنسبة لهذه الدار العريقة، خصوصا أن رياح التغيير شملت ايضا اسلوبه المحدد والمحسوب، الذي استعيض عنه بتصميمات منسابة تنسدل على الجسم عوض ان تحدده. التايورات كانت من الساتان بجاكيتات رشيقة وبنطلونات واسعة بخصر عال. القطعة الرئيسية التي لم تغب عن عرضه في يوم ما هي القميص الأبيض، وهنا ايضا كانت حاضرة لكن بعد أن أخضعت لتغييرات يصعب علينا تصور فيري قابلا أو متقبلا لها نظرا لتفاصيلها الكثيرة إلى حد التعقيد.

التعقيدات، من جهة اخرى، لم تكن يوما مشكلة بالنسبة لروبرتو كافالي، بل العكس فقد بنى امبراطوريته عليها، سواءا كانت على شكل تصميمات جريئة أو ألوان صارخة أو أقمشة كاشفة. في تشكيلته «جاست كافالي» الأخيرة لم يبخل على زبوناته الشابات بالألوان والنقوشات الفنية، التي استوحاها من دفء افريقيا وتوابلها الحارة. المشكلة في هذه التشكيلة ليست في أنها تفتقد الإثارة أو الاناقة، بل في افتقادها الجديد. فكل قطعة تعطي الانطباع اننا رأينا مثيلا لها في مواسم سابقة، لكن ربما يريد كافالي ان يطبق مقولة «إذا لم يكن الشيء مكسورا فلم إصلاحه». نفس القول ينطبق على تشكيلة كريستوفر بايلي لدار «بيربيري». فقد عاد بنا هنا ايضا إلى صورة المرأة المحاربة مع فارق كبير أنها هذه المرة اكثر انوثة وقوة. فالأقمشة مترفة، يغلب عليها التول والشيفون، والاكسسوارات الجلدية، مثل الأحزمة التي تحدد الخصر، جريئة بترصيعاتها. لكن الأهم من كل هذا انها تلخص مفهوم الأناقة العصرية في أجمل حالاتها.