الصين: الوصول إلى القلوب على جسر من الموسيقى

عازف البيانو لانج لانج .. الطفل المعجزة السابق الذي أحدث ثورة موسيقية

عازف البيانو لانج لانج (أ.ب)
TT

عندما شاهد الطفل لانج شخصية توم الكارتونية في مسلسله المفضل «توم اند جيري» يعزف على آلة البيانوبدأت في داخله رغبة قوية لتعلم عزف تلك الآلة. وفي سن الثالثة بدأ لانج في تلقي دروس لتعلم البيانووفي الخامسة فاز بالمركز الأول في مسابقة شينيانغ لعزف البيانو، ووقتها قدم اول عرض موسيقي عام.

والآن وفي سن الرابعة والعشرين يعتبر لانج واحدا من اشهر عازفي البيانوالعالميين والذين يتميزون بأداء عميق متفرد جعل البعض من محبيه يقولون انه «يجسد الموسيقى».

وبشكل ما يتشابه لانج مع الموسيقي العالمي موزارت في بداياته المبكرة، وصقلت الموهبة الناشئة بالدراسة في معهد الموسيقى في بكين وحصل العازف الصغير على جائزة ثانية عن ادائه المتميز وهو في سن الحادية عشرة، وعزف لكبار الموسيقيين العالميين منهم بالطبع موتسارت.

ومن جائزة لأخرى اكتسب العازف شهرة بين محبي الموسيقى واكتسب مكانة خاصة الى درجة انه شارك في حفل رئاسي لأوركسترا الصين بالعزف المنفرد حضره الرئيس الصيني، وكان لانج وقتها في الرابعة عشر من عمره. وبعد ذلك انتقل الى فيلادلفيا لتلقي المزيد من الدروس في معهد كيرتيس الموسيقي.

ويرى البعض ان أداء لانج يعكس اللمحة الرومانسية والحالمة التي يؤكدها العازف عندما يتحدث عن جمهوره «احب الجمهور والترقب الذي يشحن الجو، ولإحساسي بالأعداد التي تنصت لي أحس بأني لا بد من ان العب دور المترجم وان اصل الى قلوبهم على جسر من الموسيقى». ويقول لانج الذي عادة ما يغمض عينيه ويرجع بظهره الى الوراء خلال العزف «احاول ان أرى الصور أمامي، واستطيع أحيانا رؤية الغابات الخضراء ممتدة امام ناظري». ويرى بعض النقاد ان الأداء الرومانسي للعازف قد يكون عائقا بين الجمهور والموسيقى ولكن شركات الانتاج الموسيقي لا ترى ذلك.

فتلك الشركات ترى في لانج الأرباح الوفيرة وترى فيه الشركة المنتجة لتسجيلاته انه خليط من موتسارت وMTV، فهو بعزفه يجعل الموسيقى الكلاسيكية في متناول الجميع وينافس بها الموسيقى الحديثة.

وفي حفلته الأخيرة في بكين احتشدت جماهير غفيرة خلف خشبة المسرح وأمام حجرة تغيير الملابس الخاصة به بمسرح بولي بلازا بانتظار الاقتراب الى حد الإمكان من عازفهم المفضل.

وعندما ظهر النجم أخيرا قاموا بإلقاء باقات الزهور على الطفل المعجزة السابق والذي أحدث ثورة موسيقية وراحوا يطلبون توقيعه على بطاقات الاوتوغراف.

تقول يولاندا مارتين، 60 عاما، لوكالة الأنباء الالمانية «لقد قام بثورة في عالم الموسيقي تماما مثل الفيس بريسلي».

والمقارنة هنا تثير الارتباك لان لانج لانج ليس واحدا من مؤدي الروك اند رول مثل «الملك»، لكنه عزف كونشرتودي مينور على البيانو لأول مرة مع اوركسترا برلين تحت قيادة الموسيقار دانييل بارينبيوم.

ويقول بارينبيوم لمحطة «سي بي اس» عن لانج «لا استطيع وصفه بعازف بيانو فقط .. فهو يعزف البيانو بمهارة القط ذي الـ11 اصبعا».

ولكن أنثوني توماسيني ناقد الموسيقى بصحيفة «نيويورك تايمز» يرى ان شركة الموسيقى المنتجة لتسجيلات لانج تتجنى عليه حين تصفه بـ«مستقبل الموسيقى الكلاسيكية» ويضيف «أعتقد ان ذلك الوصف يمثل ضغطا كبيرا على العازف فالجمهور اصبح يحضر عروشه متوقعا معجزة اكثر من مجرد عزف موسيقي».

ولكن جمهور لانج لا يرى ذلك فالجماهير التي احاطت بحجرة تغيير الملابس الخاصة بفنان البيانوالشهير ليسوا من مجموعات المراهقين المعتادة بل هم من عشاق الموسيقي الكلاسيكية الذين تجاوزوا مرحلة الشباب ودخلوا في مرحلة منتصف العمر وهم من أوروبا وأماكن أخرى وقد توجهوا إلى العاصمة الصينية لحضور مهرجان السينما في بكين والذي تواكب مع الذكرى العشرين لظهور لانج لانج على المسرح.

ويعزف لانج كونشيرتو البيانو الشهير للموسيقي الروسي رحمانينوف بعمق واحساس مرهف، وهو ما يصفه البعض بعملية تطهير للنفس. ويجيب لانج عن سؤال لمحطة «سي بي اس» عن تأثير المقطوعة الشهيرة عليه، فهي من المقطوعات الصعبة على العازفين ويقال ان احد عازفي البيانو توفي من شدة تأثره بها، ولكن لانج يقول «عندما تعزف الموسيقى تنتفي شخصيتك وتدخل في عالم وعقل كاتب الموسيقى». ولعل هذا ما يفسر التأثر العميق الذي يؤدي به لانج المقطوعة رغم ان طبيعته الشخصية مليئة بالحياة والمرح والتفاؤل.

ولعل ذلك الإحساس المرهف جعل معجبيه يكونون نادي خاص به اطلقوا عليه نادي «محبي لانج لانج في المانيا». تقول عضو النادي مارغريت ريختر اونتريخ من بلدة فريلسنغ بجنوب المانيا لوكالة «د.ب.أ» بعد حضورها حفل لانج «لم اشعر بشيء مثل هذا من قبل. فلأول مرة في حياتي تحولت إلى مشجعة حقيقية».

وأضافت «كان على أن اصل إلى سن الستين حتى اشعر بهذا الشعور».

وقد حضرت ريختر اونتريخ بالفعل 14 حفلا موسيقيا اقامه لانج لانج هذا العام في جولات أخذتها إلى هونغ كونغ وفيلادلفيا ولشبونة وواشنطن وفييناومدن أخرى حول العالم.

وكمكافأة على دعمهم القوي تلقت ريختر وتسعة من نادي محبي لانج لانج في المانيا والذي تأسس عام 2006 قبلة على الخد من العازف الشاب.

وقد بدت جلية سعادة لانج لانج بزيارة المجموعة وبدا انه يعرفهم بشكل شخصي. وقال وقد بدا عليه التأثر «جميل أن ألتقيكم ثانية. لقد أصبحتم جميعا أصدقاء أعزاء علي».

وأضاف «إني اريد أن تحقق الموسيقي السعادة للناس وان تنشر الحب بينهم».

وكان لهذه الكلمات وقع طيب في نفس لي جيانباو،38 عاما، وهو طبيب صيني ترك وظيفته عقب إحدى حفلات لانج لانج في نيويورك عام 2006 ليؤسس النادي الرسمي لمحبي الموسيقار في بكين بالتعاون الوثيق مع الموسيقار نفسه.

ويقول لي الذي توحد مع اسم وشهرة لانج لانج حتى انه عندما يتكلم ويقول «حفلنا» و«نجاحنا»، إن «المرء ببساطة لا بد أن يحبه. انه تجسيد للموسيقي».