معرضان للفنون الإسلامية في «اللوفر» بباريس

يعكسان الذائقة الجمالية ويشجعان الحوار بين الحضارات

قطعة باسم «الكعبة» من العهد الصفوي في معرض «أنشودة العالم» (أ.ف.ب)
TT

«لا يمكن فصل تاريخ اوروبا عن الغنى الفلسفي والعلمي والفني للعالم الاسلامي الحاضر، وبطريقة خصبة جدا في اندلس اسبانيا وفي مملكة صقلية في ايطاليا»، هذا ما جاء في الدليل المرافق لمعرض الآغا خان المرتقب، ويؤكده قيام متحف اللوفر الباريسي باحتضان معرضين حول الفنون الاسلامية. فهذا المتحف العريق سيستقبل اعتباراً من يوم غد وحتى مطلع العام المقبل، حدثين فريدين في نوعهما، يتناول الأول الفنون الفارسية الايرانية في عهد الصفويين. والثاني عبارة عن عينات من مجموعة الآغا خان، التي سيضمها عما قريب متحف يقام في كندا.

ولأول مرة يتم عرض نخبة مختارة من أروع ما تضمه مجموعة الآغا خان من النفائس والفنون الإسلامية. أما الأول الذي يحمل «أنشودة العالم» فيستبق افتتاح متحف الآغا خان المتوقع في مدينة تورونتو بكندا والمقرر في عام 2011. وجرى تنظيم هذا المعرض في باريس بمساهمة من مؤسسة الآغا خان للثقافة. وسترافقه ندوات وعروض موسيقية وسينمائية، بينها طاولة مستديرة تلتئم مساء السابع عشر من هذا الشهر تحت عنوان «متحف ـ متاحف» تتناول مجموعة الآغا خان للفنون الإسلامية. ويلقي الباحث سورين مليكيان محاضرة بعنوان «كيومار وبلاطه الفردوسي»، وذلك في ظهيرة الرابع عشر من الشهر الجاري.

أما في معرض «أنشودة العالم» فسيتمكن الزائر من الاطلاع على ما بلغه فن الخط العربي من كتابات تتلوى فيها الحروف لتأخذ أشكالا شتى تقترب فيها من فن التصوير. وهي تعكس الذائقة الجمالية للخطاطين المسلمين الذين أبدعوا أعمالهم على رقعة جغرافية واسعة امتدت من الأندلس ووصلت حتى الهند. كما يقدم المعرض نظرة العالم الإسلامي الى النتاج الفني للأمم الأخرى، سواء الأوروبية أو الصينية. كما يعرض للزائر، في نهاية المطاف، المشروع المعماري الذي رسمه المهندس فوميكو مكي لـ«متحف الآغا خان».

ويعود قسم كبير من المعروضات في معرض «انشودة العالم» الى الفترة الصفوية في إيران، وبينها مجموعة الأوراق التي تؤلف المخطوطة الأشهر من مخطوطات تلك المنطقة، أي «كتاب الملوك» العائد للقرن السادس عشر والعائد للشاه طهماسب. وكذلك تعرض حلتان من ثياب العصر الوسيط محفوظتان بشكل ممتاز. ويؤكد منظمو معرض «الفن الايراني الصفوي»، كما جاء في تقرير مفصل لوكالة الأنباء الفرنسية أمس، استنادا الى الباحثين ان هناك علاقة حميمة ربطت دائما في الثقافة الايرانية بين الكلمة المكتوبة والفنون البصرية التي كانت جميعا تمجد جمال العالم عبر تمجيد الإله وقدرته على الخلق. وتبدو هذه العلاقة ظاهرة تماما في المنمنمات الفارسية او في فن صناعة الأواني والقطع حيث تعكس الموتيفات استعارات ادبية اتسع التوجه نحوها في العهد الصفوي (1501 - 1736).

ويدل المعرض على فن تسوده الرموز. فكل الفنون الايرانية الصفوية كانت مرتكزة على العالم الاستعاري الذي يغذيه العالم الصوفي والروحي. وكان الفن الايراني لفترة طويلة ومن هذا المنطلق بالذات عصيا على الفهم لفترة طويلة في الغرب، وهو فن وان ازدهر وامتد مع الاسلام، فإن جذوره وتاريخه يعود الى ما قبل 4000 عام.

ويقدم المعرض امثلة غير معروفة الا قليلا خارج حدود ايران، للفنون الايرانية الاسلامية التي استقبلت بحفاوة في تركيا العثمانية والهند المغولية، حيث تم تقليد هذا الفن. غير ان الفن الصفوي وبعد مرحلة الازدهار خضع في الربع الاخير من القرن السابع عشر لتحولات كبيرة لا يعرف سببها، وليست مرتبطة بتغير في السلطة، ولكنها سبقت بسنوات وصول شاه عباس الى سدة الحكم، حيث تحول الفن من التجريدي الى فن واضح الملامح. وفي الفترة الثالثة من مسيرة الفن الصفوي، التي بدأت عام 1630 -1640، اكتشف فنانو القصر فنون اوروبا التصويرية وقلدوها، فيما تهاوى فن المخطوطات والكتب، وانقطعت العلاقة بين الشعر والأدب وبين الفن، في حين حافظت الهندسة والكالليغرافيا على تألقهما حتى بداية القرن الثامن عشر. وامتد الفن الصفوي في حينه الى اوزبكستان وهندوستان وتركيا، حيث كانت تستخدم اللغة الفارسية في العلاقات بين الاثنيات وحيث كان الادب الفارسي شائعا.

أما المعرض الثاني الذي سيشهده متحف اللوفر مستقبلا، فيقدم حوالي 80 قطعة من الفنون الإسلامية التي تضمها مجموعة الآغا خان، بما فيها عدد من صفحات الشاهنامة المزينة وكتابات وخطوط من عدة انواع للقرآن وعدد من الكتب بجانب اردية جميلة مزينة محفوظة. وتدل القطع المعروضة على ازدهار الفن في العالم الاسلامي من دمشق الى الاندلس وصولا الى الهند، وذلك بين القرن الثامن والقرن التاسع عشر. وتم إعداد المعرض بشكل يظهر فيه التأثيرات المتبادلة بين العالم الاسلامي واوروبا والصين، وهو قسم الى ثلاثة اقسام. يجسد القسم الاول التأثير المتبادل من خلال النظرة التي يحملها فنانو العالم الاسلامي عن النتاجات الفنية الاجنبية منذ العصور الوسطى، حيث ساهم الاسلام في نقل فنون اليونان والرومان عبر اسبانيا الى الغرب، ثم واعتبارا من القرن السابع يبين المعرض تأثير الغرب في فنون الاسلام. أما التأثير الصيني فيظهر خصوصا في قطع السيراميك المعروضة. ويضم المعرض كذلك في جزء منه مجسما لمشروع المتحف الذي سينجزه المهندس الياباني فيميهيكو ماكي لمتحف الآغا خان في كندا قرب تورنتو.

وفي هذا القسم عدد من عناصر الهندسة الاسلامية مجسدة بالسيراميك ومحراب صلاة وقوس يدلل على غنى الهندسة والديكور في فنون الاسلام فيما يتعلق بداخل المباني وخارجها.

ويتجسد قلب المعرض في جزئه الثالث الذي يركز على فن تخطيط القرآن وتزيينه، وحيث تدل انواع الخطوط والتزيينات على حضور الكتابة الكبير كعنصر تزييني في الفن الاسلامي، وحيث تتراوح انواع الخطوط بين كتابات عملاقة واخرى صغيرة جدا لا تكاد ترى مثل الخط المسمى بالغباري، الذي يمكن عبره ان يخط القرآن على صفحتين.

ويبرز بعض القطع اسم الله وبجانبه اسم النبي محمد واسم الامام علي وقد خطت على علم من البرونز المخرم او هي كتبت على ورقة شجرة نحاسية مخرمة في قطعة جميلة جدا وفائقةالروعة تضاهيها في روعتها طاسة نحاسية خطت بآيات قرآنية كي تشفي المريض وتذهب عنهالسحر.