العالم الإسلامي على موعد لافتتاح أحد أكبر المساجد في العالم بأبوظبي

الراحل الشيخ زايد أمر ببنائه ووافته المنية قبل أن يصلي فيه

مسجد الشيخ زايد.. من أكبر مساجد العالم («الشرق الأوسط»)
TT

في عام 1996 وجه الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، ببناء مسجد عملاق ليكون «صرحا إسلاميا يرسخ ويعمق الثقافة الإسلامية ومفاهيمها وقيمها الدينية السمحة، ومركزا لعلوم الدين الإسلامي». إلا أن القدر لم يمهل «حكيم العرب» لمشاهدة هذا المعلم الإسلامي الكبير، الذي يترقب الإماراتيون، وجميع المسلمين على أراضيها وخارجها، افتتاح المسجد خلال العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، ومن ثم الصلاة في المسجد، الذي وافت المنية صاحبه قبل أن يصلي فيه.

وبالرغم من مرور سنين على رحيل الشيخ زايد، فإنه لا يزال حاضرا في قلوب أبناء شعبه، ولا شك أن الافتتاح القريب للمسجد، الذي يضم رفات الشيخ زايد، سيزيد من مكانته في أفئدة مواطنيه. ويترقب الإماراتيون الموعد الرسمي لافتتاح المسجد للتوافد والصلاة فيه، والدعاء لصاحبه بالأجر والمثوبة، والدعاء للشيخ زايد غدا عادة إماراتية (غير رسمية) في كافة مساجدها، عرفانا بالفضل لموحد الإمارات.

وبافتتاح مسجد الشيخ زايد بن سلطان في مدينة أبوظبي سيدخل تاريخ المساجد كثالث اكبر مسجد في العالم من حيث المساحة الكلية بعد الحرمين الشريفين، بمساحة تبلغ أكثر من 412 الف متر مربع، بدون البحيرات العاكسة حوله، وكذلك يعد واحدا من اكبر 10 مساجد في العالم في حجم المسجد، وتبلغ تكلفته الإجمالية مليارين و 167مليون درهم، ويلحظ من يتجول داخل المسجد وساحاته الواسعة وملاحقة المتعددة، أن تاريخ العمارة الإسلامية قد عاد بقوة في بناء هذا المعلم الإسلامي العملاق، فمن قبابه الرئيسية الكبرى الثلاث، التي لم يسبق أن تم وجودها في تصاميم المساجد في العالم الإسلامي باستثناء العدد القليل منها، مرورا ببواباته الرئيسية والفرعية، إلى أرضيات ساحاته الشاسعة، إلى السجادة المصنعة يدويا والأكبر في نوعها في العالم، وانتهاء بطريقة بنائه المعمارية وجمالياته الأخاذة.

ووفقا لمنظمة المؤتمر الإسلامي فإن مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية باسطنبول (ارسيكا)، قد أكد على أن قبة المسجد الرئيسية تعتبر أكبر قبة في العالم، ويبلغ ارتفاعها (83) مترا بقطر داخلي يبلغ (32.8 متر).

وبحسب (ارسيكا) أيضا، فإن قبة المسجد، التي تزن ألف طن زخرفت من الداخل بالجبس المقوى بالألياف، وصممه فنانون مغاربة بزخارف نباتية فريدة، صممت خصيصا للمسجد بالإضافة إلى كتابة آيات قرآنية. ويصل عدد القباب في مسجد الشيخ زايد إلى (57) قبة مختلفة الأحجام تغطي الأروقة الخارجية والمداخل الرئيسية والجانبية وجميعها مكسوة من الخارج بالرخام الأبيض المتميز، ومن الداخل بالزخارف المنفذة من الجبس التي قام بتنفيذها فنيون مهرة متخصصون بمثل هذا النوع من الأعمال.

ويصنف حجم المسجد من الناحية العمرانية ضمن أكبر 10 مساجد في العالم الإسلامي وبطاقة استيعابية لعدد 40 ألف مصل في كافة أقسام مبنى المسجد. كما أن من معالمه المميزة وجود أربع مآذن في أركان الصحن الخارجي بارتفاع 107أمتار للمئذنة مكسية كاملة بالرخام الأبيض. وروعي في تصميم أرضية الصحن الخارجي للمسجد أن تكون بنظام بلاطات خرسانية ضخمة محمولة على ركائز خرسانية، ومكسوة بأجود أنواع الرخام المزخرف بتصاميم نباتية ملونة، وباستعمال الفسيفساء لتغطية مساحة الصحن بالكامل البالغة 17 ألف متر مربع، من ضمن أكبر المساحات المكشوفة الموجودة في المساجد بالعالم. وعدد الأعمدة داخل قاعة الصلاة الرئيسية 24 عمودا تحمل الأسقف والقباب الضخمة، وصممت بحيث يكون العمود الواحد مقسما إلى أربع ركائز تحمل العقود الحاملة للقباب. وتم كساء هذه الأعمدة بالرخام الأبيض المطعم بالصدف بأشكال وردية ونباتية مما يجعلها تضفي جمالا ورونقا في القاعة.

أما عدد أعمدة الصحن الخارجي الموجودة بالأروقة المحيطة بالصحن فيبلغ الفا و 48عمودا مكسيا بالرخام المطعم بالأحجار شبه الكريمة وبتصميمات نباتية وأزهار ملونة ولها تيجان معدنية مطلية بالذهب.

وقد احيطت الاروقة الخارجية للمسجد ببحيرات مائية تعكس واجهات المسجد مما يضيف إليه تميزا من الناحية التصميمية، وأرضياتها مكسوة بالرخام الأبيض، مع استعمال رخام أخضر في الممرات التي تؤدي إلى الصحن، كما روعي أن تكون أعمدة الأروقة الخارجية من الرخام الأبيض المطعم بالأحجار شبه الكريمة، ونفذها عمال مهرة استقدموا خصيصا من الهند، هذا بالإضافة إلى تاج الأعمدة والمصمم بشكل رأس نخلة من الألمونيوم المذهب.

ووفقا للمهندسة خولة السليماني، مديرة المشروع، فإن العمل في بناء مسجد الشيخ زايد بدأ عام 1998 «ليصبح حاليا على مشارف نهايته فريدا بطرازه من الناحية المعمارية والإنشائية، ويمثل صرحا حضاريا إسلاميا يتناسب مع التطور المعماري الحالي في دولة الإمارات العربية المتحدة، ويتماشى مع أحدث نظم البناء الموجود في العالم من حيث الحجم والتصميم».

وتم بناء المسجد على مرحلتين، الأولى شملت أعمال الأساسات والهيكل الخرساني، والثانية شملت أعمال التشطيبات والزخرفة الإسلامية الخارجية والداخلية. وأشرفت على تسيير الأعمال أجهزة فنية من كافة الاختصاصات تمثل دائرة البلديات والزراعة في أبوظبي، إضافة إلى جهاز فني متكامل من جميع الاختصاصات لاستشاري إدارة المشروع (هيل انترناشيونال إنك)، وجهاز فني متكامل من جميع الاختصاصات للاستشاري الرئيسي للمسجد (هالكرو العالمية)، ومهندسين متخصصين لاستشاريين ثانويين لأعمال الزخرفة الداخلية والإلكتروميكانيك، بالإضافة إلى جهاز المقاول الرئيسي الذي يتألف من مهندسين متخصصين في كافة مجالات الإنشاء، بالإضافة إلى عدد 2000 عامل تقريبا يقومون بأعمال التنفيذ. وألحقت بالزاوية الشرقية الشمالية والشرقية الجنوبية وبمستوى منسوب أرضية صحن المسجد، أماكن الوضوء ودورات المياه والمكونة من 80 دورة مياه، بالإضافة إلى عدد 100نقطة وضوء تقريبا، وكان قد تم رفع منسوب المسجد بناء على أمر من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى مستوى 9 أمتار عن مستوى الشارع، بحيث يمكن مشاهدة المسجد من أية زاوية ممكنة، وعلى أية مسافة خاصة من الطرقات المحيطة به.

وتعد الثريات المعدة للمسجد الأضخم عالميا من حيث الحجم ونوع المواد المستخدمة لها، وتم التعاقد مع إحدى كبريات الشركات العالمية المتخصصة في صناعة الثريات وصناعة الكريستال، حيث يبلغ عدد الثريات في المسجد سبع ثريات مختلفة الأحجام والألوان.

ولعل ما يلفت نظر من يدخل المسجد، تلك السجادة الضخمة والتي تعد الأكبر من نوعها في العالم التي تتوسط المسجد، وتم تصنيعها يدويا بواسطة شركة سجاد إيران خصيصا للمسجد، ويوجد في السجادة عدد 3 ميداليات، قطر الميدالية الكبيرة منها حوالي 20 مترا ملونة بـ25 لونا، وتكلفت السجادة ثلاثين مليون درهم أماراتي.

وتبلغ مساحة السجادة خمسة آلاف و627 مترا مربعا، وهي بطول 133 مترا وعرض 48 مترا، وبلغ وزنها حوالي 35 طنا من الصوف و12 طنا من خيوط القطن استغرق العمل بها 12 شهرا، وعمل في حياكتها أكثر من ألف و200 عامل.

والدالف إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي، لا بد أن يلفت انتباهه، هذا الصرح الاسلامي الكبير الذي يقف شامخا مرتفعا عند دخوله أو خروجه من أبوظبي، وكأن المسجد سيظل شاهدا على ذكرى خالدة للشيخ زايد بن سلطان باني الامارات العربية المتحدة. وبالتأكيد لن تخطئ العين منظر المسجد وهو يمثل معلما متميزا من معالم مدينة أبوظبي.