لرؤساء فرنسا في الطعام أيضا مذاهب

طاولة ساركوزي تحفل بالشوكولاته بعد أن كان شيراك يزينها بالكتب والأوراق

الرئيس الفرنسي ساركوزي مع دومينيك ستراوس ـ كان (رويترز)
TT

لاحظ مراقبون من الفضوليين وذوي الأعين التي لا يفوتها شيء أن الرئيس الفرنسي الحالي نيكولا ساركوزي يضع، عند استقباله الزوار، علبة من الشوكولاتة الفرنسية على الطاولة، في حين كانت طاولة الرئيس السابق جاك شيراك تحتشد بالكتب والكاتالوغات الفنية، خصوصاً تلك التي تتناول الفنون البدائية.

وأكد مقربون من ساركوزي أنه يحب الشوكولاتة، الأمر الذي يعرفه أصدقاءه فيقدمون له، في المناسبات، هدايا من الشوكولاتة الفاخرة. وهو الأمر الذي كان يقلق زوجته سيسيليا التي تعتبر نفسها مسؤولة عن صحته، وبالذات عن رشاقته، عندما كان مرشحاً للرئاسة، خصوصاً أن السمنة لا تناسب القامة القصيرة.

أما شيراك، فلم يكن هناك خوف عليه من زيادة الوزن نظراً لقامته الفارعة. وقد اشتهر بحبه للمأكولات الشعبية الدسمة، وبالذات طبق رأس العجل المطبوخ على طريقة الجدّات. وفي حين لم يعرف عن ساركوزي ميله الى هواية فنية، فإن الرئيس السابق كان من جامعي التماثيل الآسيوية الخشبية والبرونزية الصغيرة، ولم يقتصر شغفه باليابان على الفن بل كان من عشاق مصارعة السومو ومن الحريصين على مطالعة كل ما يتعلق بها.

لكن شيراك لم يصل في عشق الكتب الى المدى الذي اشتهر به الرئيس الأسبق فرانسوا ميتيران. فهذا الأخير كان قارئاً ممتازاً في كل المجالات، مع أفضلية لكتب التاريخ والأدب والنظريات السياسية. وعدا عن هوايته في التقرب من النساء الجميلات والشهيرات في ميادينهن، كان ميتيران يهوى الطعام الجيد ويعتني بالمواسم المناسبة لكل طبق. وقد روى عنه المقربون منه أنه كان يقيم طقوساً لتلك «الوقعات» الموسمية. وكتب عديله الممثل الجزائري الأصل، روجيه حنّان، أن ميتران حرص على دعوة الدائرة الضيقة من أصدقائه على وجبة طيور، في بيته الريفي، قبل وفاته بفترة قصيرة، وكأنه كان يدرك أنها وجبته اللذيذة الأخيرة.

ولتناول هذا النوع من الطيور عادات غريبة تقضي بأن يغطي الآكل وجهه بمنديل أبيض لكي يأخذ راحته في التهام الطير ومصمصة عظامه بدون أن ينفر جلساؤه على المائدة من المنظر، خصوصاً أن الدهن الذي تقلى به الطيور يسيل من حافات الفم. وكان وزير الثقافة الاشتراكي السابق جاك لانغ حاضراً تلك المأدبة الوداعية. ولاحظ أن الرئيس التهم طيراً ثم طلب الثاني، رغم أن الشخص لا يستطيع، في العادة، الاتيان على واحد. فكيف استطاع الرجل المريض أن يفعلها؟

 وعموماً، فإن كل واحد من رؤساء الجمهورية الخامسة ترك وراءه أثراً ينسجم مع شخصيته ويحمل اسمه. فقد سميت ساحة النجمة، في أقصى الطرف الغربي من جادة «الشانزيليزيه» على اسم الجنرال شارل ديغول. ففيها يقع نصب الجندي المجهول وقوس النصر الذي سار من تحته القائد العسكري لقوات فرنسا الحرة حين دخل عاصمته بعد تحريرها من الاحتلال الألماني. هذا عدا عن ثاني مطارات باريس الذي يحمل اسم شارل ديغول. ولو كان هناك متحف للأجبان لكان من المعقول جداً أن يسمى باسم ديغول، أيضاً، لأنه الرجل الذي دوخته فكرة أن يحكم شعباً يأكل أكثر من 100 نوع مختلف من الجبنة.

أما الرئيس جورج بومبيدو فقد منعه المرض من الانسياق وراء شهواته الغذائية لكن عقار الكورتيزون كان يجعل وجهه منفوخاً على الدوام. وقد تم اطلاق اسمه على المركز الثقافي المعروف أيضاً باسم «بوبور»، في حي «الهال» وسط العاصمة، لأن زوجته السيدة كلود كانت ترعى الفنانين والمؤلفين وتهوى الفنون الحديثة.

وكان من الطبيعي أن يطلق اسم الرئيس ميتيران على المكتبة الوطنية الجديدة التي شيدت على ضفة نهر السين، في الطرف الجنوبي الشرقي من العاصمة. وأن يتبع ذلك التفكير بإطلاق اسم شيراك على متحف الفنون البدائية والقديمة الذي جرى افتتاحه، العام الماضي، في رصيف «برانلي»، غير بعيد عن برج إيفل.

 وإذا كان الرئيس فاليري جيسكار ديستان قد خرج من المولد بدون حمص وما زال أنصاره يبحثون عن مشروع يحمل اسمه، فإن ساركوزي ما زال في أول العهد بالولاية، ولعل أذهان الفرنسيين تتفتق عن فكرة إقامة متحف للشوكولاتة يحمل اسم الرئيس، دون أن ننسى ما النظرية التي يروج لها المحللون النفسيون الذين يؤكدون أن شهوة الشوكولاتة تأتي من رغبة في تناسي مشكلات الحياة العاطفية، وأن تناولها له مفعول مخدر لآلام الهجر. وهذا ينطبق على الرئيس الشاب الذي غادرت زوجته سيسيليا القصر الصغير الذي اختارته لسكنها في فيرساي، منذ أيام، واستقرت في فندق «لا ريزيرف» السويسري الراقي الواقع على بحيرة جنيف. ومن يدري... فقد تكون ذهبت الى هناك لتشتري الشوكولاتة السويسرية الشهيرة لزوجها.