خوليو أوسكار الشاب الكولومبي الذي أصبح كرديا

يتحدث اللغة الكردية بطلاقة ويطالب بالجنسية

خوليو اوسكار يمارس عمله
TT

قبل اشهر قليلة اكمل الشاب الكولومبي، خوليو اوسكار، 32 عاما، عشر سنوات من الاقامة في اقليم كردستان الذي دخله لأول مرة في يونيو (حزيران) 1997 متطوعا للعمل ضمن فريق تابع لمنظمة انسانية اميركية. كانت الفكرة ان يعود الى بلاده بعد اداء مهامه الانسانية في مجال الخدمات العلاجية لكنه آثر مواصلة الاقامة والمكوث في كردستان لتقديم المزيد من الخدمات الطبية لسكانها، ومن ثم تنامت الرغبة لديه في البقاء فيها اطول فترة ممكنة. طالب السلطات المحلية بمنحه حق المواطنة والتجنس في الاقليم، لا سيما بعد تعلم اللغة الكردية التي صار يتحدثها بطلاقة وكأنه احد ابناء مدينة اربيل عاصمة اقليم كردستان، الى جانب اللغات الفرنسية والايطالية والانكليزية التي يتقنها ايضا، فضلا عن لغته الام الاسبانية.

اوسكار، الذي يدرس حاليا اللغتين العربية والفارسية، تحدث لـ«الشرق الاوسط» عن تفاصيل رحلته المثيرة من اقصى الغرب الاميركي الى اقصى الشرق قائلا: «قبل 12 عاما تخرجت من معهد امراض الاسنان في مدينة مونتريال الكولومبية، وعملت في احد المستشفيات المتخصصة بامراض الفم والاسنان في العاصمة الكوستاريكية، سانت خوسيه، واثناء عملي هناك تعرفت الى اصدقاء كانوا يعملون ضمن منظمة اميركية انسانية تدعى (نورث اميركن تايمز انترناشيونال) التي كانت لها انشطة انسانية وقتذاك في اقليم كردستان العراق وقد شجعني اصدقائي كثيرا على الانضمام اليهم والمجيء الى كردستان وهو ما تم بالفعل».

ومضى اوسكار الى القول «ان معلوماتي الاولية عن كردستان لم تكن تتجاوز حدود الاخبار التي كنت اسمعها من وسائل الاعلام حول انتفاضة الكرد ربيع عام 1991 ونزوحهم المليوني نحو الحدود مع ايران وتركيا هربا من بطش قوات صدام حسين. وقتها كنت ارغب بشدة في زيارة هذا الاقليم لكن الفرصة لم تكن مؤاتية لحين انضمامي الى المنظمة الانسانية التي توليت فيها مهام مدير انشطتها في مجال طب الاسنان بالاقليم في يونيو 1997». اوسكار الذي يقيم حاليا في حي شعبي مزدحم بالاطفال والصبية الاشقياء بمدينة اربيل المعروفة بمجتمعها المتحفظ، تحدث أيضا عن مهامه في المنظمة قائلا إنه في بداية عمله كان يولي اهتماما مكثفا بصحة اسنان تلاميذ المراحل الابتدائية بمدارس اربيل عبر تلقينهم البرامج التوعوية والارشادات المتعلقة بامراض الاسنان وسبل الوقاية، فضلا عن معالجة التلاميذ وخصوصا ابناء العوائل الفقيرة. وبمرور الوقت ونتيجة لحواره المباشر واليومي مع التلاميذ والمحيطين به من الكرد تعلم اللغة الكردية ولم يعد بحاجة الى مترجمين ليفهم ما يقوله الاطفال وادرك مغزى الاختلافات الكبيرة والعديدة بين الثقافتين الكولومبية والكردية «التي تطلبت مني وقتا ليس بقصير خصوصا المسائل المتعلقة بطبيعة العلاقة والتعامل بين الرجال والنساء.. ولعل الشيء الوحيد الذي كنت استمد منه الصبر والسلوى خلال السنوات الماضية هو الطبيعة الجبلية الخلابة لكردستان التي تتشابه الى حد كبير مع طبيعة كولومبيا، لذلك لم اكن اشعر بالغربة مطلقا».

يقول اوسكار ايضا انه ونتيجة للعلاقات الاجتماعية التي تعززت تدريجيا بينه وبين المحيطين به من سكان المنطقة الذين اغمروه بحبهم واحترامهم له ولخدماته الانسانية الجليلة، فقد رفض العودة الى بلاده فور انتهاء مهام وانشطة المنظمة الاميركية التي كان يعمل فيها، وأصر على مواصلة عمله الانساني في منظمة اخرى تدعى «ميلاني» المعنية بمجال الصحة والتربية ومحو الامية واعادة الاعمار بالرغم من الضغوط النفسية التي يتعرض لها من قبل ذويه واهله واقربائه واصدقائه الذين يدعونه باستمرار الى الاسراع في العودة الى موطن اجداده في كولومبيا.

وتابع اوسكار حديثه قائلا «ان اهلي واصدقائي واقربائي يتساءلون باستمرار عن طبيعة عملي في كردستان ودوافع مكوثي فيها رغم المخاطر والمشاكل المحيطة بها من كل حدب وصوب لكنني اجيبهم بان لكل بلد مشاكله، وكولومبيا ليست خالية من المعضلات، اما انا فاطمح دوما الى تقديم المزيد من الخدمات الانسانية التي في وسعي الى الذين هم في حاجة اليها، وهذا هو دافعي الحقيقي والوحيد لمواصلة البقاء في هذا الاقليم الذي صار وطني الثاني».

اوسكار صار ملما ايضا بآداب وتقاليد المجتمع الكردستاني التي قال ان اجمل واهم ما فيها هو احترام الغريب وكرم الضيافة التي يسميها الانكليز بـ«فاليو»، والظريف ان هناك تطابقا شبه تام بين الثقافتين الكردية والكولومبية في مجال الموسيقى والرقص الشعبي، فالشعبان يعشقان الموسيقى والرقص، كل على طريقته الخاصة.

الآن وبعد ان اكمل اوسكار عشر سنوات بالتمام والكمال في كردستان مقرونة بالعمل الدؤوب لخدمة سكانها، فانه يطمح الى الحصول على حق المواطنة والتجنس في الاقليم اذ تقدم قبل اشهر بطلب رسمي في هذا الشأن الى مديرية الجنسية في اربيل ومازال ينتظر الرد على طلبه بشغف كبير مؤكدا انه يحلم بنيل الجنسية في الاقليم ليحملها الى اهله واصدقائه واقربائه في كولومبيا متباهيا بان كردستان منحته جنسيتها عرفانا منها بالخدمات التي قدمها لسكان الاقليم، على حد تعبيره.

اوسكار الذي يحمل في جيبه باستمرار صورة حبيبته ماريا التي لم يلتق بها منذ سنوات ختم حديثه بالقول «اصدقائي الكرد هنا يصفونني بالمجنون لإصراري على الاقامة في كردستان وطلب حق المواطنة والتجنس فيها، قائلين باندهاش ان شبابها يفرون منها نحو المهجر والشتات وانت تطلب التجنس فيها ؟! لكنهم يجهلون ان بلادهم هي احدى اجمل واغنى بلاد العالم، اما انا فما زلت اتمنى نيل حق المواطنة فيها باسرع وقت ممكن» مذكرا بمثل شعبي دارج في كولومبيا مفاده «لا يثمن المرء شيئا الا بعد فقدانه».