أطفال لبنان.. عساكر صغار وسط «إعصار أمني» جارف

التجهيزات العسكرية تغزو عقولهم وتشكلها.. والسوق جاهزة لتلبية الطلب

ألعاب العسكر والعسكرية بكل أسلحتها تفتن الأطفال وتجتذبهم («الشرق الأوسط»)
TT

يشن أطفال لبنان هجوما كاسحا على الألعاب والثياب العسكرية. ويخال من يتجول في شوارع بيروت، لا سيما الشعبية منها، أن مقاتلين صغارا يسيطرون عليها ويتحكمون فيها. وتبين الجولة الميدانية على عدد من المؤسسات التجارية الكبرى في بيروت انها تفرد لهذه السلع مساحة عرض واسعة نظرا لكثافة الطلب عليها، وتحديدا الملابس، مع العلم ان اسعارها تفوق اسعار الألعاب. ناديا، البائعة في مؤسسة تجارية، تقول: «منذ اكثر من شهرين ولغاية اليوم لا يزال الطلب كبيرا على الملابس العسكرية، والمبيعات تتركز على البدلات الكاملة، أي كما يقال باللغة الدارجة اللبنانية من «البابوج الى الطربوش». والفئات التي تطلب هذه الألبسة تتراوح اعمارها بين الخمس سنوات و15 سنة، وهي لا تقتصر على الاطفال بل تشمل الشبان والشابات حتى سن العشرين عاما».

وفسرت الدراسات المعمقة التي اجراها علماء متخصصون من امثال هوفلاند وشيفليد، اقبال الأطفال على المظاهر العسكرية بأنه نتيجة تأثير التلفزيون من جهة، ومن جهة ثانية مرده محيط الأطفال، حيث الظروف التي تعترض استقرارهم وتطبع شخصياتهم ونفسياتهم وتاليا تصرفاتهم ونظرتهم للأمور. وأشارت دراسات اخرى الى ان الطفل يتأثر ببرامج الكبار التي تتضمن مشاهد حروب وقتال اكثر من تأثره بالبرامج المحددة لسنّه. حسين حمّود، ابن السبع سنوات، يعكس صورة لا لبس فيها لتأثير الظروف الخاصة على نمو نزعته نحو «العسكريتاريا». السبب هو مقتل جده في الحرب. حسين اخذ عهدا على نفسه بالثأر له، وبدأ بالتعبير عن رغبته هذه بأساليب متعددة ومتنوعة تكبر عمره بسنوات وسنوات. كان يمسك «شفرة الحلاقة» بالخفاء عن اهله، ويحاول حلق ذقنه لتنمو بسرعة اكبر ليتمثل بالمقاومين ولحاهم السوداء، كما كانت مسألة الملابس والأسلحة العسكرية شغله الشاغل. كلما حاول الأهل مكافأته بشراء لعبة تثقيفية مثلاً، كان يذرف دموعاً كثيرة في سبيل تبديل لعبته بسلاح يمكنه من اطلاق نار ـ وهمية بالطبع ـ على «العدو الظالم». وتظهر وجهة النظر العلمية في تحليلات المراقبين ان للأحداث الأمنية الدور الأساس في تفعيل ظاهرة بيع الألعاب والألبسة العسكرية هذه، إضافة الى ان الاهمية الكبيرة للدور الذي يلعبه التلفاز عبر البرامج والنشرات الإخبارية، لا سيما ان المشاهد العنفية التي تنقلها تتسم بحبكة الإخراج، وصفاء الصورة، ودقة الرسم والتصوير، وجمال الالوان واختيار القصص المثيرة، واستخدام الموسيقى التصويرية الجذابة، فتجعل المُشاهد يندمج في المشاهد الواردة اليه بإحساسه ومشاعره وكأنه شخص من شخوصها او جزء منها، وهذا ما تحدث عنه مطولا المفكر الأميركي الشهير جيري ماندر في كتابه «اربع مناقشات لإلغاء التلفزيون»، فقال في الصفحة 83 من كتابه: «عندما ادير مفتاح الجهاز احس بعد برهة بأن الصور تصب داخل رأسي، وليس هناك أي شيء يمكنني فعله تجاه ذلك. التأثير الأول الناتج عن هذا هو تكوين سلوك فكري سلبي».

وقال الدكتور الياس ساسين، الاختصاصي في علم نفس الاطفال، لـ«الشرق الأوسط» إن «الطفل اللبناني بدأ يتأثر كثيرا بالوضع الأمني الذي يمر به لبنان، ويتأثر كذلك بالمخاوف التي يبديها الأهل، وخاصة العائلة، بعد سماع الأخبار وما الى هناك، فجو البلد ليس مستقرا وليس مطمئناً، وهذه المسألة تتفاعل منذ سنتين الى الآن وتحديدا منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري». وردا على سؤال عن النصائح التي يقدمها للتخفيف من وطأة هذه الأحداث في نفوس الأطفال قال ساسين: «أولا، يجدر بالأهل التحدث الى أطفالهم ومناقشة الأحداث معهم بطريقة منهجية تريح الطفل بدل ان تزرع في نفسه أشياء تدفعه لتوهم مشاهد خطيرة»، وأضاف: «دور الأهل كبير وضروري جدا، فيجدر بهم عدم ترك أولادهم يتابعون الأخبار بدون مراقبة، خاصة انه وفي أحيان كثيرة تقوم محطات التلفزة بنقل مشاهد مباشرة عن الاغتيالات، وهي مشاهد قاسية جدا على الطفل». وطالب ساسين الأهل «بترغيب الأطفال بأية وسيلة بالألعاب التثقيفية وعدم السير مع رغبة اطفالهم في شراء الالعاب العسكرية والرشاشات وغيرها». من جهة اخرى، لفت ساسين الى نقطة اساسية تتمثل بأفلام الفيديو المستوردة على شكل DVD والتي يتابعها الطفل عبر الكومبيوتر، وهذه الأفلام يجب ان تراعي الفئات العمرية وبعضها يخصص لسن ما فوق الـ18 سنة، لكن في لبنان لا تراعى هذه المسألة التي تفعل فعلها في نفسية الطفل».