إيفيتا الأرجنتين الجديدة

الرئيسة كريستينا فيرنانديز ـ كيرشنر : خوض حملة انتخابية لا يعني ارتداء ملابس بالية

كريستينا فيرنانديز التي لقبت بـ«إيفيتا الجديدة» تلقي خطاباً وخلفها صورة لإيفيتا بيرون (رويترز)
TT

«إيفيتا الجديدة» اصبحت رئيسة للأرجنتين.. فقد أعلن عن فوز كريستينا اليزابيث فيرنانديز، المولودة في 19 فبراير (شباط) 1953 والمعروفة ايضا باسم كريستينا دي كيرشنر، لتصبح ثاني رئيسة للأرجنتين، وإن كانت أول رئيسة منتخبة. وكريستينا محل مقارنات كثيرة مع النساء المشهورات في عالم السياسة فهي «إيفيتا الجديدة»، وقورنت ايضا بالمرشحة للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون. ولا ينسى لها انها وضعت صورة كبيرة لهيلاري كلينتون كخلفية للمنصة التي اطلقت منها حملتها الانتخابية في شهر يوليو (تنوز) الماضي.

ومثل هيلاري فكريستينا محامية في الأصل وزوجة رئيس سابق لها طموحاتها السياسية الخاصة، ولكنها تختلف عن هيلاري في أنها استخدمت اسلحتها الانثوية في سبيل طموحاتها السياسية. ورغم الانتقادات العديدة التي توجه لها لإفراطها في الأناقة إلا ان كريستينا حرصت دائما على الظهور بمظهر متميز سواء في الملابس التي تتبع آخر خطوط الموضة او المكياج وتسريحة الشعر. وعرف عنها حماسها للحقائب التي تحمل توقيع كبار المصممين. ويرى المحللون ان حملة كريستينا الانتخابية قد اعادت صياغة شكل الحملات الانتخابية وفي الوقت الذي يخضع فيه مظهر هيلاري للتدقيق الدائم على اساس انه قد يؤثر على اصوات الناخبين، فان كريستينا أبدت عدم اهتمامها بما يقال عن افراطها في التأنق، وما يقال عنها إنها تخصص ساعة بأكملها في اليوم لوضع المساحيق والاعتناء بشعرها. وأصبحت الصورة العامة لكريستينا تصورها، وهي مرتدية بذلة متقنة الحياكة وحذاء بكعب عال، وهو ما أعطاها مظهر الشخصية الواثقة والمتمكنة.

وقالت كريستينا لسيغولين رويال الاشتراكية التي هزمت في الانتخابات الرئاسية الفرنسية امام نيكولا ساركوزي ان «خوض حملة انتخابية لا يعني ارتداء ملابس بالية».

وتعليقا على فوز كريستينا بالانتخابات، علقت رويال «أحيي شجاعتها لاني اعرف الى اي حد يكون الامر صعبا بالنسبة للنساء».

وركزت كريستينا خلال الحملة على العلاقات بالدول الاوروبية واميركا وقضت وقتا أقل مع الناخبين، فلم تظهر صورا لها وهي تقبل الاطفال ولم تملأ المقابلات والاحاديث الصحافية معها صفحات الجرائد.

وعلق البعض بان الاهتمام الاعلامي الذي تلقاه كريستينا يعود في جزء كبير منه لمظهرها المتأنق. وهي شخصية تشتهر بحبها لمسرات الحياة خاصة مجموعتها الضخمة من الأزياء والأحذية. ولذا أطلقت عليها الصحافة الأرجنتينية لقب «ايميلدا ماركوس الأرجنتينية». وعرفت بحب السفر وجولاتها الشرائية التي أثارت الكثيرَ من الجدل. ويعرف عنها ايضا حرصها على العيش الصحي والرشاقة. ويُشار في هذا المجال الى انها لا تشرب إلا من ماركة معينة من المياه المعدنية.

وفرنانديز هي أول رئيسة تنتخب في الارجنتين لكنها ليست اول رئيسة تحكم البلاد. فقد تولت ايزابيل بيرون الزوجة الثالثة للرئيس السابق خوان بيرون السلطة بعد وفاة زوجها عام 1974 لانها كانت نائبة للرئيس.

وقد خاضت فيرنانديز الانتخابات الرئاسية عن حزب «جبهة النصر» الحاكم وفازت بدون حاجة الى جولة ثانية، إذ حصلت على 44.6 في المائة من الأصوات مقابل 22.6 في المائة لأقرب منافسيها، المحامية السابقة اليزا كاريو. وهذا أكبر فارق في الأصوات منذ عودة الأرجنتين الى حظيرة الديمقراطية عام 1983.

وهي عقيلة الرئيس المنتهية ولايته نيستر كيرشنر وتمتعت بعضوية مجلس الشيوخ بشكل متواصل منذ عام 1995 عن اقليم بوينس ايريس. ولكريستينا وزوجها كيرشنر ابن وبنت هما ماكسيمو وفلورنسيا على التوالي. درست فيرنانديز الحقوق في «كلية العلوم القانونية والاجتماعية» بجامعة لابلاتا في السبعينات. وتزوجت كيرشنر، زميل دراستها في الكلية، في 9 مارس (اذار) 1975، ثم انتقل الاثنان الى سانتا كروز حيث أسسا مكتبا للمحاماة.

بدأت فيرنانديز حياتها السياسية في السبعينات عضوا في «حزب العدالة» وهو أكبر الأجنحة البيرونية في الأرجنتين. وعام 1989 انتخبت نائبة في برلمان سانتا كروز الاقليمي. وعام 1995 انتخبت لتمثيل سانتا كروز في مجلس الشيوخ.

وشكلت فيرنانديز الدينامو المحرك لحملة زوجها الرئاسية عام 2003، بشكل رئيسي ضد الرئيس السابق كارلوس منعم. ورغم ان هذا الأخير فاز بالجولة الأولى (25 في المائة من الأصوات)، فقد توجس خيفة من هزيمة مريرة في الجولة الثانية وسحب ترشيحه تاركا المجال لكيرشنر للفوز بالتزكية رغم ان النسبة التي حصل عليها (21.97%) هي الأقل في تاريخ الديمقراطية الأرجنتينية.

وصارت فيرنانديز متحدثة غير رسمية باسم الحكومة الجديدة واشتهرت بخطبها النارية وانحيازها الى صفوف الفقراء مما أكسبها صفة «ايفيتا بيرون الجديدة» (سيدة الأرجنتين الأولى الشهيرة التي لها شراكة قوية مع زوجها الرئيس خوان دومينغو بيرون نهاية الأربعينات ومطلع الخمسينات). لكن الفارق بين المرأتين هو ان ايفيتا لم تنتخب لأي منصب حكومي.

وقيل ان فيرنانديز كانت تستشار في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالقرارات الحكومية. وكانت عضو مجلس الشيوخ الوحيد الذي يتمتع بمكتب داخل «الدار القرمزية» (القصر الرئاسي) وهو ما أثار انتقادات غاضبة من كتل المعارضة. وردت الحكومة على ذلك بأن مكتبها صغير وأنه من حقها بفضل انها سيدة البلاد الأولى في أي حال.

ويتوقع لفيرنانديز، على سدة الرئاسة، ان تواصل سياسات زوجها ولكن بمزيد من الاهتمام بالشؤون الخارجية، خاصة على صعيد تحسين العلاقات المتوترة أحيانا مع الولايات المتحدة. ويقول المحللون انه بالرغم من شخصيتها القوية وتتمتعها بثقافة عالية، فإن نقطة ضعفها ربما كانت قلة خبرتها في الحكم المباشر.

والثابت ان فيرنانديز تخلف زوجها في زمن صعب بالنسبة للأرجنتين. ذلك انه على الرغم من الانتعاش الاقتصادي النسبي الذي شهدته البلاد في السنوات الأخيرة، تبقى حقيقة ان قطاعا عريضا من المواطنين يعاني من الفقر المدقع. * وحدة أبحاث («الشرق الأوسط»)