بين شبح العنوسة وخطر السمنة

الموريتانيات يتناولن أقراصا بحثا عن الجمال

تحاول الموريتانية ان تقتدي بمثيلاتها في العالم لكن نظرة الرجل إلى الجمال تجعلها ممزقة بين رغبتها في الرشاقة ورغبتها في الزواج
TT

فيما تحاول مجموعات نسائية كبيرة في موريتانيا التخلص من أجسام ثقيلة شلت قدرتهن على التحرك وتسببت في تجوالهن المستمر بين المستشفيات، لا تزال شريحة عريضة تبذل قصارى جهدها للقفز بوزنها إلى أعلى الدرجات، متشبثة بنظرة تقليدية لدى المجتمع الموريتاني تختزل جمال المرأة في بدانتها وقدرتها على سد أكبر حيز من الفراش الذي تجلس عليه.

وفي ظل انعدام الوسائل التقليدية لتسمين الفتيات في المدن الكبيرة على الأقل، من قبيل احتساء كميات مفرطة من حليب الإبل، والإكثار من تناول اللحوم الحمراء المشوية، تلجأ عاشقات البدانة في نواكشوط إلى تناول أقراص طبية تستخدم لعلاج بعض أمراض المواشي، تمنحهن أجساما ضخمة في فترات قياسية لا تتجاوز اسبوعين.

وتلقى أقراص «داكساميثاسون» الهندية الصنع التي تحتوي على هرمون «الاستيرويد» المعروفة محليا بحبوب «ادرك ادرك» رواجا كبيرا في صيدليات نواكشوط بسبب الإقبال المتزايد عليها من طرف النساء ما يشجع شركات الدواء في موريتانيا على استيراد كميات أكبر منها سعيا لجني أرباح سريعة من ورائها.

ويكثر استخدام هذا الدواء في صفوف الطبقة الفقيرة التي لا تتوفر لديها الإمكانات المادية لامتلاك الثروة الحيوانية بسبب تدهور وضعها المعيشي الصعب. يقول احد باعة الأدوية في نواكشوط إن الطلب على هذا المستحضر يتضاعف مع انتهاء السنة الدراسية حيث تحاول الفتيات إعادة «الألق» لأجسامهن المنهكة بسبب الجهد الكبير الذي يبذلنه طيلة أشهر السنة الدراسية التسع، مما يؤثر في نظرهن على نماء ونعومة الأجسام.

وتعتبر البدانة لدى المجتمعات الصحراوية أحد أهم مقاييس الجمال بالنسبة للمرأة، وينظر الموريتانيون إلى الفتاة البدينة على أنها الأكثر حظا في الحصول على زوج ما يدفع العائلات هنا لتسمين بناتهم مستخدمين لذلك طرقا وأساليب مختلفة، ضمنها ما يعرف باسم «التبلاح»، وهو إخضاع البنت لحصص من التسمين القسري لفترة طويلة يتم خلالها إرغامها على تناول كميات هائلة من الحليب يوميا، وتعاقب الفتاة في حال تقيئها بزيادة الجرعة التي تتجاوز في الغالب 15 لترا من حليب الإبل.

ويحدد خبراء التسمين، وهم في الغالب نساء، مدة وعدد الحصص التي من المفترض أن تخضع لها الفتاة لتمكينها من زيادة وزنها في فترة وجيزة.

وتبدأ حصص التسمين في سن المراهقة وقبل الالتحاق بمدارس التعليم، كما تكون أحيانا بعد فترة الخطوبة بالنسبة للصغيرة، بهدف تأهيلها جسميا للزواج قبل سنه المعهودة، إذ تفضل شرائح عريضة من الرجال الموريتانيين الزواج بالقاصرات (اقل من 18 سنة).

وفي حال ما لم تكمل الفتاة جرعة الحليب التي تحددها «المسمنة» يوميا توضع رجلها بين عصي مصممة للتعذيب تسمى محليا « الزيار» ويلوى إصبعها إلى الخلف، وتبقى لبعض الوقت في هذه الوضعية التي يفقد صاحبها وعيه أحيانا من شدة الألم، الأمر الذي يدفع الفتيات في هذه الحالة لابتلاع جرعات من الحليب يعجزن عن تناول نصفها في الحالات العادية الأخرى.

ويتسبب التسمين أحيانا في حدوث وفيات سريعة مفاجئة أو الإصابة بأمراض مستعصية تنجم عنها عاهات بدنية مزمنة. لحسن الحظ أن نظرة الموريتانيين للبدانة بدأت تتغير تدريجيا مع تزايد انفتاحهم على الحضارة، واحتكاكهم بالمجتمعات الأخرى.

وتسبب دخول نسبة أكبر من البنات للمدارس في موريتانيا في الحد من ممارسة ظاهرة التسمين، والانشغال عنها بهموم الدراسة سعيا للحصول على شهادات عليا، خصوصا بعدما أصبحت للمرأة المتعلمة مكانة خاصة لدى الرجال تساعدها في الفوز بشريك حياتها.

كما ساهمت المساعي الحكومية الرامية لتغيير هذا الوضع في توعية المواطنين بضرورة التخلي عن هذه الممارسة لما قد ينجم عنها من أضرار بدنية بالغة من قبيل الإصابة بأمراض القلب وارتفاع ضغط الشرايين، وآلام المفاصل الناتج عن «الروماتيزم» .

وفي السنوات الأخيرة كثفت الجهات الرسمية جهودها لمعالجة هذه الظاهرة عبر حملات دعائية في وسائل الإعلام الرسمي، ومن خلال بيانات إذاعية عقب نشرات الأخبار تدعو النساء للحذر من زيادة الوزن باعتباره عائقا كبيرا أمام التنمية والتطور، كما يحول دون قيام المرأة بواجبها تجاه بيتها وأبنائها.

وفي هذا السياق، انطلقت مبادرات حكومية لدمج المرأة في الحياة النشطة ومنحها وظائف مهمة في القطاع العام بهدف تغيير العقلية السائدة لدى هذه الشريحة التي كانت تكرس معظم وقتها للعناية بجسمها وتتحاشى القيام بأي جهد يمكن أن يتسبب في نقص وزنها. وفرضت السلطات تخصيص 20 في المائة على الأقل من المقاعد النيابية، وفي المجالس البلدية الأخيرة للنساء، ما أسفر عن وصول 18 نائبة إلى قبة الجمعية الوطنية (البرلمان) المنتخبة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

ومع بداية ولوج الموريتانيات لميادين العمل المختلفة ووصولهن إلى مراكز القرار، ازدادت نقمتهن أكثر على ممارسة التسمين، واعتبرت الكثيرات منهن انفسهن ضحايا لتخلف المجتمع. ووصفت إحداهن هذه الظاهرة بأنها أسلوب همجي ارتكب في حق المرأة إرضاء لرغبة رجال الصحراء الذين يختزلون كل مقومات الأنوثة في الجسم البدين.

بيد أن النظرة الحديثة للمرأة الموريتانية حيال البدانة والمساعي الحكومية الرامية للقضاء عليها اصطدمتا بنظرة رجالية مغايرة حيث يفضل معظم الموريتانيين زوجة بمواصفات معينة في مقدمتها الجسامة باعتبارها أكثر جاذبية. ويلجأ بعض المسؤولين ورجال الأعمال الكبار في موريتانيا للزواج من سكان المجتمعات البدوية في القرى النائية التي مازالت تحافظ على تقاليد اجتماعية قديمة من بينها نمط التسمين الأصيل، وهو الأمر الذي يزيد من قلق هذه الشريحة التي باتت متأرجحة بين شبح العنوسة وخطر السمنة، في وقت تحاول فيه المرأة في هذا البلد الاقتداء بمثيلاتها في العالم شكلا ومضمونا. وفيما يدرك معظم النساء في موريتانيا حجم الأضرار الصحية التي تسببها البدانة، إلا أن مخاوفهن من التخلف عن قاطرة الزواج، تدفعهن للاهتمام أكثر بزيادة الوزن والاعتناء بنعومة أجسامهن على حساب كل شيء.