الجامع العتيق.. أقدم مساجد مدينة جدة

مئذنته الصامدة منذ 8 قرون تعد أقدم أثر في الحجاز

المسجد من الداخل (تصوير: غازي مهدي)
TT

تحتوي أحياء وأزقة منطقة وسط البلد بجدة على عدد كبير من المساجد والمباني السكنية والدكاكين التي يمتد عمرها إلى مئات السنين، وتتميز هذه المباني بطراز معماري خاص تزينه «الرواشين» والأبواب الخشبية المقوسة.

وفي حارة المظلوم يقع الجامع العتيق أقدم مساجد مدينة جدة وهو ما يعرف بمسجد الامام الشافعي. وتعتبر مئذنة الجامع التي يصل عمرها إلى ثمانية قرون أقدم أثر معماري تضمه المنطقة الغربية في المملكة.

يقع الجامع في حارة المظلوم احدى اقدم حارات جدة القديمة بجانب سوق الصاغة والفضيات القديم وصانعي النحاس وإلى الشرق منه يوجد سوق النسيج والملابس المعروف بسوق البدو.

يقول المهندس سامي نوار مدير عام السياحة والثقافة بمدينة جدة: يعتبر الجامع العتيق من أقدم مساجد مدينة جدة وأجملها في طراز البناء القديم وتشير بعض المراجع التاريخية إلى أن سبب التسمية يرجع إلى صفة العتيق التي تعني القديم، وتشير أخرى أنه سمي بالمسجد الشافعي نسبة إلى مذهب الملك المظفر والذي يعتقد ان يكون المسجد بني في عهده وهو أحد ملوك اليمن الأيوبيين الذي كان شافعيا ومن ثم فإننا لا نستبعد أن اسم المسجد الشافعي إنما أطلق عليه في القرن السابع الهجري. وعن تاريخ بناء المسجد يوضح المهندس نوار «تشير بعض المؤلفات التاريخية أن المسجد بني في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو قول فيه نظر فلم تكن جدة بلدا في هذا العهد فكيف يبنى بها مسجد في هذا الزمن» ويضيف المهندس نوار «هناك مراجع أخرى تشير إلى أن من بناه هو الملك المظفر وهو سليمان بن سعد الدين شاهنشاه الثاني وهو أحد ملوك اليمن الأيوبيين وقد توفي سنة 649هـ».

وأضاف نوار«وفي سنة 940 هـ جاء تاجر من تجار الهند اسمه الخواجا محمد علي محملا بمؤنه وخشب وأعمدة منحوتة فهدم المسجد وأعاد بناءه ولم يجر أي تعديلات في مئذنته، الباقية حتى الآن من عهد الملك المظفر». ويروي نوار ان وزراء الهند أرسلوا مع الخواجا محمد علي معه نقودا كثيرة ليبني بها دكاكين وبيوتا ومات قبل الانتهاء منه، وظهرت له بنت وادعت أنه بنى هذه البيوت والدكاكين من ماله وطلبت ارثها من هذا المال، ولم تظهر حجة شرعية لمنعها فأخذت الدكاكين والبيوت ولم يبق شيء للصرف على مقبرة المسجد.

أما عن الوصف المعماري للجامع في حالته الراهنة فيصفه خطيب وإمام المسجد الحالي الشيخ محمد خضري بقوله «يتكون الجامع من مستطيل منقسم إلى نصفين ويمتد من الغرب إلى الشرق والجزء الغربي منه عبارة عن صحن مكشوف مربع الشكل أما القسم الثاني وهو شرق القسم الأول فهو إيوان القبلة. ويتصدر حائط القبلة محرابا مجوفا كثير العمق زخرفت عقوده بزخارف زيتية متعددة الألوان وكتابات قرآنية كتبت بالخط الثلث على أرضية نباتية، أما التجويف البيضاوي الذي بداخل المحارب والذي يسمى «الجامه» فنقش عليه أنه بني من قبل السلطان عبد الحميد أحد سلاطين العثمانيين بالإضافة إلى اسم المعماري محمد أفندي الذي قام بترميم المسجد الحرام وعدد من مساجد جدة».

وتابع الشيخ الخضري «وبجوار المحراب منبر خشبي درجه مواز لحائط القبلة وليس متعامدا كما هو الحال بالنسبة لباقي المساجد وقد أحضره معه الخواجا محمد علي سنة 940 هـ». وللمسجد أربعة أبواب أهمها الباب الذي يقع على الضلع الغربي المواجه لحائط القبلة وهو عبارة عن فتحة مستطيلة قاعدتها منخفضة على أرضيته التي ارتفعت على مر العصور ويعلو فتحة الباب عقد مستدير ضحل يقفل عليها باب خشبي بينهما (إنف) ويعني العمود الذي يفصل بين ضلفة الباب، وبكل منهما خوخة وهي الفسحة التي تتوسط الباب الكبير في الدور أو في أسوار المدن لدخول وخروج المصلين».

ويحتوي الباب الخشبي على زخارف نباتيه مرسومة بأسلوب يقرب من الطبيعة إلى حد كبير وهو الطراز الفني الذي كان سائدا في المدرسة المغولية الهندية في القرن العاشر الهجري ويعلو الباب الرئيسي لوحة تذكارية نقش عليها العمارة التي قام بها الخواجا محمد علي في أربعة سطور كتبت بخط الثلث ملون، وعلى الجانب الأيمن من اللوحة توجد لوحة تذكارية ثانية صغيرة الحجم تآكل كثير من معالمها، وإن كان يمكن قراءة أسم السلطان فرج بن برقوق وأسم الشريف حسن بن عجلان أحد أمراء مكة بين السنتين 798هـ و829هـ».

وعلى الركن الشمالي الشرقي تقوم المئذنة المستديرة وهي من حجر منحوت ويؤكد المهندس سامي نوار «إن عمارة المئذنة التي ما تزال باقية حتى الآن ونعتقد أنها أقدم مئذنة ليس في جدة فحسب بل في منطقة الحجاز، ويدل أسلوبها وطرازها المعماري دلالة قاطعة على أنها من الطراز الأيوبي الذي ظهر في مصر والشام واليمن منذ الربع الأخير من القرن السادس الهجري والذي استمر حتى نهاية القرن السابع الهجري بل أنها تشبه إلى حد كبير مئذنة المدرسة الصالحية بالقاهرة التي بناها الصالح نجم الدين أيوب سنة 1250م».

وتابع نوار «تتكون المئذنة من ثلاثة طوابق مثمنة الشكل، ويفصل بين كل طابق شرفة محاطة بسياج خشبية ترتكز على خمسة صفوف مدرجة من الدلايات في شكل هندسي جميل، وقد فتح في ضلعين من أضلاع المثمن في كل طابق نافذة «قنديليه»، وفي الضلع الثالث يوجد باب صغير معقود يخرج منه المؤذن للمنادة بالصلاة إلى الشرفة المحاطة بالسياج الخشبي، وطراز المئذنة يؤكد على أنه من عمل الملك المظفر بن يوسف من نهاية القرن السابع الهجري».

وأضاف نوار «ملحق بالجامع صهريج قديم، يعود إنشاؤه إلى عهد الملك المظفر وهو لا يزال عامرا حتى الآن ومملوءا بالماء العذب الذي ينزل من الأمطار فيتسرب من سطح المسجد وصحنه إلى الصهريج، وهو صهريج كبير يملا أسفل ساحة المسجد كلها وله فتحة مرتفعة مغطاة بقطع من الخشب مثل غطاء البئر وكانت مياه تستعمل للشرب قبل دخول عين العزيزة ،وأنه مازال يستعمل إلى الآن في بعض الأغراض».