مكرم سلامة أشهر جامع لأرشيف السينما المصرية ومؤرخ لتاريخها بالصور والأفيشات

الهوايات فنون.. والفنون جنون..

صورة نادرة لاسمهان
TT

البعض يهوى سماع الموسيقى، فيما قد يهوى آخرون القراءة، أو السفر والترحال ومشاهدة معالم جديدة، وقد تكون لدى البعض هوايات قد تبدو غريبة للبعض الآخر، كما هو الحال مع مكرم سلامة المواطن الاسكندري، أحد عشاق الفن السابع. ويتبدى هذا العشق في اهتمامه بجمع كل ما يتعلق بعالم السينما والنجوم في منزله، خاصة أفيشات الأفلام، وخطابات الفنانين لبعضهم بعضا ولأصدقائهم، بالإضافة إلى مئات الصور الخاصة بصناعة الفيلم ذاته. ولتتحول تلك الهواية التي مارسها على مدار أكثر من 30 عاماً إلى نوع من العشق الخاص الذي دفعه للتوثيق للإنتاج السينمائي المصري منذ عشرينات القرن الماضي من خلال رحلة بحثه في عالم الوثائق، التي باتت جزءاً لا يتجزأ من حياته. «غرامي بالسينما خطفني إلى جمع الوثائق»، هكذا يقول مكرم سلامة أشهر جامعي الوثائق والسجلات في مصر، موضحا سر الهواية التي تملكته منذ الشباب إلى اليوم، وجمع خلالها الوثائق والأفيشات السينمائية والمراسلات والحجج الأصلية من دور السينما ليس في الاسكندرية فحسب، بل في أسوان أيضا. ومع الوقت تحولت هواية مكرم إلى احتراف وعمل جاد يسعي فيه إلى أرشفة كل هذا التراث بصورة رقمية. الزائر لمنزل مكرم سلامة بالإسكندرية، سيدهش لاكتظاظه بالأفيشات السينمائية والصور والبوسترات لأشهر نجوم السينما المصريين والأجانب، ولا بد أن يتملكه الشعور بالانبهار بهذا الكم الهائل من تراث السينما المصرية، التي احتفلت بمئويتها هذا العام. يقول مكرم إن قصة عشقه لتلك الهواية تعود إلى اكثر من 30 سنة، حين كانت السينما المصرية تمر بأزمتها في الإنتاج، ودور العرض التي كانت تغلق أبوابها استعداداً للبيع. ويضيف: «لقد نشأت في الصعيد وشهدت أوائل الخمسينات صحوة في صناعة السينما، التي كانت منتشرة حتى أقاصي الصعيد، حيث كان يعرض بها فيلم عربي أو أجنبي كل اسبوع، وكان هناك احترام شديد للسينما، حتى ان السلام الملكي كان يعزف قبل عرض الفيلم ويقف جميع المتفرجين. هذا الاحترام ازداد بداخلي وهو ما دفعني إلي جمع كل تراث السينما المصرية، فكنت أذهب إلى كل دور العرض قبل أن تبيع ما لديها وأشتري الأرشيف الخاص بها. كنت مدفوعا بالخوف من ضياع هذه الثروة، أو ذهابها إلى من لا يدرك قيمتها وأهميتها. وهو نفس ما فعلته مع شركات الإنتاج والتوزيع الخارجي والداخلي في مصر، التي أغلقت بعد بيعها الأفلام للقنوات الفضائية في منتصف التسعينات. كانوا يبيعون كل شيء، بدءا من المراسلات والخطابات إلى البوسترات، فكنت أجمع ما أجده منها، وبالفعل نجحت في جمع أفيشات للأفلام المصرية منذ عام 1928، حتى وصل عدد ما أقتنيه حالياً 120 ألف بوستر، وهي خاصة بـ2000 فيلم، حيث جمعت لكل فيلم 10 أو 20 بوسترا حسبما أجده، كما جمعت 1000 «بريس بوك»، و10 آلاف لوبي كارد، ولدي أفيشات نادرة منها، أفيش فيلم «أمير الانتقام» لأنور وجدي، وفيلم «الفلوس» لعزيزة أمير. يرى مكرم أن صناعة الافيشات تطورت كثيراً عن بداياتها، حيث كانت في البداية نوعاً من الاجتهاد الشخصي لأشهر الرسامين في وقتها، وكانت شهرة الفنان تتحكم في تصنيف الأفيش بدءاً من الدرجة الأولى أو الدرجة الثانية أو الثالثة، فكان الرسامون يختلفون، ولكن الأفيش هو نفسه. فقد كان يتم رسمه يدوياً وغالباً ما يظهر فيه البطل والبطلة الرئيسيان في الفيلم، بعد ذلك أدخلت فنون الجرافيك البدائية عليه، حيث تداخلت الصور مع لمسات الخطاطين لصناعة أروع الأفيشات، حيث كانوا يضيفون بعض الجمل التي تروج للفيلم وتشوق المشاهدين لأحداثه مما كان يجعلها مميزة وتعلق بالأذهان. بيد أن هواية مكرم في جمع الأفيشات لا تقتصر على الأفلام المصرية وحدها، بل تمتد إلي الأفلام الأميركية أيضاً، التي يمتلك منها 2000 بوستر، لأهم وأشهر الافلام. ويقول مكرم عن الطريقة التي جمع بها تلك الأفيشات: «تعاونت مع عدد من الهواة الأميركيين المهتمين بجمع تراث السينما المصرية، فكنت أمنحه لهم وفي المقابل يرسلون لي بافيشات الافلام الأميركية النادرة».

إلى جانب زخم الأفيشات، تتراءى لزائر منزل مكرم العديد من صور النجوم التي يعلقها على الجدران، مذيلة بإهداءات خاصة وموقعة بأسمائهم، ومنها صورة للمطربة أسمهان كانت قد ارسلتها لشقيقها فؤاد الأطرش وقد كتب عليها إهداء «أقدم أغلى هدية». كما يقتني مكرم سلامة مجموعات أرشيفية كاملة خاصة بكبار الفنانين والنجوم تضم مجموعة من الصور الفوتوغرافية، التي تسجل لقطات من الأفلام القديمة أثناء مراحل التصوير وخلف الكاميرا، وصورا لفريق الفيلم قبل تصوير الفيلم وبعده، فيما يشبة الـmaking ، ومنهم الفنانة ماري كويني وأرشيف آسيا ومحمد فوزي ومديحة يسري ويحيى شاهين، والمصور الكبير عبد الحليم نصر وحسين صدقي وبدر وابراهيم لاما والجزايرلي. تضم هذه المجموعات الأرشيفية متاعبهم ومآسيهم بخط أيديهم، سواء متاعب التصوير، أو مصاريف وتكاليف الافلام وتوزيعها، والمشاكل التي كانت تقابلهم من جراء حبهم للفن، وهذا بحد ذاته يجعلها تمثل فصولا مهمة من قصة السينما المصرية. ومنها خطابات لحسن الإمام أشهر المخرجين المصريين يستجدي أموالا لاكمال أفلامه، وخطاب يعود لسنة 1947 كتبت فيه زوجة فوزي الجزايرلي إلي الموزع الخارجي بهنا، تطلب منه مصاريف المستشفى، وتشكي له الحالة المرضية لزوجها وعدم زيارة ابنه المخرج فؤاد له، ووثيقة كتبت بها كلمة التأسيس للمعهد المصري للسينما، الذي أسسه المخرج محمد بيومي بالإسكندرية عام 1932. وخطاب من يوسف وهبي أرسله لاسماعيل وهبي في مصر أثناء تصوير فيلم «أولاد الذوات»، أول فيلم مصري ناطق في باريس، يقول في مضمونه أن بهيجة حافظ تركته وعادت الى مصر وأضرت به ضرراً بالغا في باريس، وطلب منه أن يرسل له أمينة رزق لتكمل تمثيل الفيلم وبالفعل أكملت أمينة الفيلم. يرفض مكرم سلامة التفريط بورقة واحدة من هذا الأرشيف، إلا أنه لم يبخل على مكتبة الإسكندرية بأرشيف توجو مزراحي، عندما نظمت احتفالية كبرى احتفاء بالمخرج الاسكندري وتكريمه، حيث أعطى للمكتبة كل أرشيفه السينمائي المكون من 37 فيلما. ويروي مكرم أنه وجد هذه الأفلام مهملة وفي حالة مزرية لدى احد تجار الخردة في القاهرة، وكانت المجموعة تضم أفلام علي الكسار وشالوم، فاشتراها وقام بإعادة طبعها من النيجاتيف، ويقول: «عملت لفترة من الزمن في مجال التصوير الفوتوغرافي، مما أهلني للحصول على خبرة في التحميض والتصوير ساعدتني على تحميض نيجاتيف هذه الأفلام، التي يعود تاريخها إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية، حيث كانت تصنع الأفلام باستخدام الزجاج، أما الآن فقد تطورت صناعة السينما وأصبحت الأفلام الـ35 ملم توضع على قاعدة من البلاستيك».