معرض حول أبو غريب يطرح قضية قوة الفن

اشخاص بوتيرو البدناء في قفص الاتهام

من أعمال الفنان بوتيرو في معرضه عن ابو غريب
TT

عندما نفكر في الفنان الكولومبي فرناندو بوترو، فإن معظمنا يتذكر الشخصيات القصيرة المكتنزة التي تستعرض وزنها الزائد والقبعات والسجائر والمباسم، وباختصار المبالغات. ولم افكر في ذلك كصور سياسية الا عندما شاهدت سلسلة الصور التي رسمها بوترو عن ابو غريب، حيث تشهد رجالا مقنعين معلقين من اقدامهم، وكلاب متوحشة تنبح على السجناء الذين ينزفون على بعضهم البعض.

ونادرا ما يواجه السجناء المقيدون من ايديهم، مع معذبيهم. ويضربون باليد خارج اطار الصور، ويتبول عليهم رجال تكاد ترى وجوههم بالكاد. ويرتدي سجين مقيد بملابس داخلية حمراء وحمالة صدر ـ من المؤكد انها ضد رغبته. والتعذيب مجهول. حتى السجناء يضعون اقنعة بحيث لا يمكن معرفة الرجال الذين يعذبونهم. ولكن بوترو يعرف من هم، هم نفس الاشخاص الذين يتسمون بالبدانة والذين استمتع بمبالغتهم في الماضي.

ونتيجة لهذه المجموعة المثيرة من الرسومات واللوحات، نعلم انه لم يكن يحتفي بهؤلاء، بل ينتظر الفرصة لعرض طبيعتهم الحقيقية. هم من آكلي لحوم البشر يتغذون على اخوتهم ويتعاملون مع الآم البشر الجسدية والنفسية.

وقد اطلع فرناندو بوترو، الذي ستعرض لوحاته عن ابو غريب في الجامعة الاميركية ابتداء من الاسبوع الحالي، عن التعذيب في سجن ابو غريب في صحيفة «نيويوركر»، وقدم تسجيله لما حدث. ولم يخترع أي شيء لم يوصف من قبل، ولكن لانه فنان، نشعر برعب التعذيب اكثر من شعورنا براحة وابتهاج المعذبين ـ الواضح من الصور التي التقطوها لأنفسهم وهم يلعبون وسط دماء الاخرين. ويطلق بوترو على الفن اسم «الاتهام الدائم،» ولكن مجموعة ابو غريب تبدو لي اكثر من اتهام. بل هي تمثل اعادة تقييم شاملة لرؤيتنا لأعمال بوترو. (رفض بيع تلك اللوحات لانه لا يريد تحقيق ارباح من الام الاخرين. وينوي التبرع بها للمتاحف).

ما هي تلك الحاجة لدى الناس للاساءة لبعضهم البعض. ثم التفاخر بها؟ ما هي تلك الحاجة التي تدفعنا لجعل الاخرين ضعفاء، ورؤيتهم وهم ينزفون ويصرخون ويتضرعون طلبا للرحمة؟ يشير علماء النفس الى ان الاشخاص الذين يتولون التعذيب يكررون عقمهم الطفولي بفرضه على الاخرين.

الا ان التعذيب الاميركي مختلف من انواع التعذيب الاخرى بسبب الفكرة العالية لبلادنا وانفسنا. ان التعذيب يقوم به الاخرون. نحن فوق كل ذلك. نحن شعب منطقي تحكمنا الوثيقة التنويرية التي نطلق عليها الدستور. ونساعد، ولا نضر الناس في العالم. وتجدر الاشارة الى ان تلك اللوحات عرضت من قبل، ولكن ليس في واشنطن. يمكن للناس الذين بعثوا بنا الى هناك التفكير فيما حدث هناك.

اتحداهم القاء نظرة على تلك اللوحات وعدم التأثر.

كتبت سوزان سونتاغ ان ابو صور ابو غريب اظهرت «الاعجاب بالوحشية المطلقة». هل ذلك صحيح؟

اشك في ذلك. اعتقد ان معظم الناس الذين شاهدوا صور بوتيرو سيشعرون بالرعب مثلما شعرت. الناس لا تعلم ما الذي يمكن ان تفعله لمنعها. وهو السبب وراء سلبيتهم. وقد تعدى بوتيرو، الذي تأثر بلوحة «غورنيكا،» لبيكاسو سلبيته برسم تلك؛ الاعمال. وقد قارن العديد من الناس اللوحات بلوحاته «السعيدة» للاشخاص البدناء. ولا اعتقد ان شخصيات بوتيرو سعداء. اعتقد انهم مسيسون ايضا ـ لقد ازدادو سمنة على حساب الذين لا يملكون.

وذكر بوترو في حديث مع صحيفة سان فرانسيسكو «لقد صدمت كما صدم العالم من تعذيب الاميركيين للسجناء في نفس السجن مثلما كان يفعل الطاغية الذين قدموا لإسقاطه. الولايات المتحدة تقدم نفسها كمدافعة عن حقوق الانسان وانا كفنان صدمت للغاية بذلك وشعرت بالغضب. وكلما زادت مطالعتي على ما حدث كلما زاد حماسي... اعتقد ان مقالة سيمور هيرش هي اول ما اطلعت عليه. كنت في طائرة وأخذت ورقة وقلم وبدأت في الرسم. ثم ذهبت الى الاتيليه الخاص بي واستمرت في الرسم بالزيت. لقد درست كل المواد بقدر امكاني. لم يكن من المناسب نسخ الصور، كنت احاول تصور ما حدث هناك.

ما هو رد فعلنا على تلك التصورات؟ هل نستمر في سلبيتنا؟ هل سننفي وقع مثل تلك الامور؟ او سيصبح لفن بوترو القدرة على التغيير؟

كما يمكننا سؤال انفسنا ما هي قوة الفن. هل اوقف غويا القسوة في زمنه، او بيكاسو؟ لا. ولكن دور الفنان اثارة ضميرنا هو امر ضروري. الفنان يجعلنا نفتح اعيننا على قسوتنا، وسلبيتنا، وعدم اهتمامنا.

واشاهد عملا آخر من بوترو لامرأة تأكل تفاحا وكأنها خنزير. وقبل مجموعة ابو غريب، كنت لا اهتم بمثل تلك اللوحة. والان انظر الى كل اعمال بوترو باعتبارها سجلا لوحشية الذين يملكون تجاه الذين لا يملكون. وكنت سأدهش اذا لم تغير مجموعة لوحات ابو غريب نظرتنا الى بوترو كرسام.

* قصاصة وشاعرة وكاتبة اعدت مقالا لمعرض ميلانو لاعمال بوترو عن ابو غريب وتملك تمثالا لحواء مع ثعبان وتفاحة في شقتها في نيويورك.

خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»