لوحات تزيح الكآبة عن الجدران الخرسانية في بغداد

رسامون عراقيون شباب يزرعون البسمة على وجه عاصمتهم

حمورابي يعود من التاريخ الى بغداد من خلال لوحات غنية فوق الجدران الكونكريتية (ا ف ب)
TT

كانت واجهات وجدران بغداد وبقية المدن العراقية في عهد النظام السابق تزدحم بصور مرسومة للرئيس العراقي السابق صدام حسين، مرة بزي عسكري واخرى مدني وثالثة في زي ريفي، وهكذا. وكانت هناك مجموعة من الرسامين يجنون أموالا طائلة لرسمهم هذه الجداريات.

بعد رحيل النظام السابق وتأثيث بغداد بالجدران الكونكريتية العازلة لاسباب امنية، منها صد المتفجرات ومنع وصول السيارات المفخخة، اضحت بغداد عبارة عن مدينة رصاصية اللون، كالحة وحزينة، حتى انها شوهت العاصمة العراقية. اليوم تحولت هذه الجدران الكونكريتية الى لوحات فنية زاهية، تروي تاريخ العراق وتصور جوانب من طبيعته، بفضل رسامين عراقيين من طلاب معهد الفنون الجميلة وهواة اخرين، لتزرع الابتسامة في بلد بأمس الحاجة اليها.

يقول احمد (45 عاما) احد الرسامين، وهو منهمك برسم لوحة تمثل فلاحين يدخلون بغداد على عربة، على احد الجدران العازلة في جانب الكرخ (غرب نهر دجلة) «لقد حولنا الجدران القبيحة الى لوحات جميلة».

ويضيف ان «معظم الرسامين العراقيين المعروفين فروا خارج العراق، ودورنا الان اعادة الفن والحياة التي يحلم بها اطفالنا بعيدا عن العنف والدمار».

ويوضح احمد ممسكا بفرشاته ان «أمانة بغداد طلبت منا ان نجسد مشاهد من الحياة في بغداد، ولدينا الحرية في اختيار ما نرسم».

ويتابع مبتسما «نحترم اراء الاخرين في ما يتعلق بعملنا حتى من يقول منهم ان انفاق المال في اصلاح شبكة الكهرباء اكثر اهمية».

وعلى الطريق الرئيسية المؤدية الى مطار بغداد (غرب)، الذي اقامت القوات الاميركية قربه احدى قواعدها الرئيسية، انتشر 12 رساما على امتداد الجدار العازل على طول الطريق، وهم يرسمون لوحات تاريخية تصور عصورا مختلفة من تاريخ العراق.

واعتبرت هذه الطريق حتى وقت قريب من اخطر الطرق في بغداد، بعد تعرضها خلال الاعوام الماضية لتفجيرات متكررة استهدف معظمها دوريات لقوات الامن العراقية وقوات التحالف ومواكب مسؤولين حكوميين.

لكن لوحات تجسد صورا لحمورابي واحدى الاميرات وجواهر وذهبا وجوانب من مدينة بابل الاثرية، اضافة الى اشجار نخيل، باتت اكثر ما يجذب المارة حاليا.

وتتولى احدى الشركات العراقية الخاصة لاعادة اعمار العراق، التي تتخذ من مطار بغداد مقرا لها، تمويل العمل على امتداد اربعة كيلومترات، عبر توفير الالوان ودفع اجور الرسامين التي تبلغ عشرين دولارا في اليوم (نحو 25 الف دينار عراقي).

ويقف علي احمد (21 عاما) الطالب في المرحلة الرابعة في اكاديمية الفنون الجميلة امام لوحته مؤكدا «يسعدني كثيرا ان اعمل لتجميل بلدي». ويضيف ان «هذه الجدران قبيحة وتزرع الكآبة في النفوس، وعلينا بذل ما نستطيع لجعلها جميلة، خصوصا انها اول ما يشاهده المرء حين يصل الى بغداد».

من جانبه، يقول استاذ الفنون ناجي حسين (60 عاما) الذي كان يضع لمساته الاخيرة على احد اعمال طلابه، لوكالة الصحافة الفرنسية ان «هذا العمل بالنسبة اليهم (الطلاب) جيد لممارسة فنهم، فضلا عن كونه يخدم بلدهم ويفتح نافذة على تاريخنا وحضارتنا العريقة».

ويعرب حسين عن أمله في ان «ترفع هذه الجدران الاسمنتية ويعود الأمن والسلام لمدينة بغداد، فيظهر جمال الطبيعة بدلا من الكآبة التي تظهرها الجدران الكونكريتية».