أزمة الرئاسة اللبنانية في محاضرة عن «إدارة الأزمات»

الورشة طرحت 4 سيناريوهات كارثية.. أهمها اختطاف بوش

ديدييه رونشون نائب رئيس شركة «جيوس» GEOS
TT

في وقت كان اللبنانيون يستعدون فيه للأسوأ، ويضعون تصورات لما يمكن أن تؤول إليه الانتخابات الرئاسية في لبنان، وحول ظروف إجرائها في ظل إصرار كل من فريقي السلطة والمعارضة على موقفيهما، كانت جامعة الحكمة في بيروت تشهد سلسلة محاضرات تحت عنوان «إدارة الأزمات» في إطار برنامج ماجستير «الدبلوماسية والمفاوضات الاستراتيجية» بالتعاون مع جامعة باريس سود(باريس 11)، ألقاها نائب رئيس شركة «جيوس» (GEOS)، ديدييه رونشون الذي أدار عملية إجلاء الرعايا الفرنسيين من لبنان في حرب مايو(تموز) العام الماضي.

رونشون الآتي من عالم الشرطة مستندا إلى خبرة 25 سنة، عمل لمصلحة الخارجية الفرنسية منذ مطلع العام 2003 وحتى يناير(كانون الثاني) العام 2007، وكان هو من أنشأ «خلية إدارة الأزمات» في الخارجية الفرنسية، التي كان لها الدور الفعال خلال حرب الصيف الماضي، حين باشرت مهماتها بعد يومين فقط من اندلاع المواجهات.

«الشرق الأوسط» التقت رونشون وسألته عن ضرورة وجود خطة طوارئ في ظل الوضع الراهن في لبنان إذا تعثر انتخاب رئيس جديد للجمهورية فرد: «إن كل السفارات في لبنان وبما لا يقبل الشك لديها خطط جاهزة في حال حصول توترات أمنية في البلاد، وهي خطط متدرجة قد تصل إلى حدود إجلاء الرعايا كما حصل خلال حرب يوليو (تموز) العام الماضي».

وعن عمله في القطاع الخاص، قال: «كنت أمام خيارات عدة ولكنني اخترت أن أعمل في هذا المجال لمصلحة قطاعات أوسع، فكرت كيف يمكن أن تكون الخبرة التي كونتها بمتناول الجميع وليس شركة كبرى تهتم بموظفيها فقط». مضيفا: «إننا شركة خاصة أنشئت في العام 1997، توفر خدماتها حول العالم، وتعنى بمعالجة الأزمات، مستعينة بفرق عمل متخصصة ومجهزة لكل طارئ، وتضع تصورات وتقدم استشارات في مجال الوقاية والاستعداد». وهي شركة، بحسب ما تعرف عن نفسها، تعنى بالمساعدة والنصح في وضع الخطط الاستراتيجية وتوفير الحماية للأفراد والمؤسسات الخاصة والعامة على الصعيدين الوطني والدولي. وتملك شبكة دولية لتكون جاهزة للتدخل لمساعدة أكثر من 200 مؤسسة حول العالم متكلة على الكثير من الإنجازات في ما يزيد عن 80 دولة.

رونشون تنقل حول العالم وكان حاضرا في أكثر مواقع الكوارث، أكان في نيوأورلينز مع إعصار «كاترينا» أو في تايلاند أو في ساحل العاج أو هايتي أو لبنان وغيرها من المواقع. وإذ يرفض الإفصاح عن الكارثة الأخطر التي واجهها يقول «إن المأساة الإنسانية هي نفسها، والضحايا دوما ضحايا».

وينطلق رونشون من مبدأ أن وجود خلية لمواجهة الأزمات أمر لا مفر منه ومسلم به في معظم دول العالم ليشرح آلية عمل هذه الخلية وتكوينها وكيفية توزيع المهمات فيها. ويشدد على أن مواجهة الأزمات عمل جماعي ولا يمكن أن يتولاه شخص بمفرده، عارضا لحالات وأمثلة عدة ومقدما سيناريوهات مختلفة منها كيفية التعامل مع إعصار «كاترينا» والأخطاء التي ارتكبت لجهة التسرع في عمليات الإخلاء مما سبب حالة من الفوضى وازدحاما خانقا حال دون وصول فرق الإنقاذ وترك المنطقة المنكوبة عرضة لأعمال النهب.

وقدم رونشون خلال محاضراته التي كانت أقرب إلى ورشة عمل متخصصة رؤيته الخاصة لأفضل خلايا إدارة الأزمات وسبل التدرج في مواجهة المستجدات في مسعى لمنع تفاقمها، وفي حال بلوغ الأزمات مراحل خطيرة لا بد من وجود تصورات عدة لمواجهة المستجدات. ويشدد على ضرورة إيجاد مقر يخصص لخلية إدارة الأزمة مع ضرورة احترام هذا المكان والحرص على المواد التي يتم جمعها للإحاطة بالوضع وكيفية معالجة هذه المعلومات. وترتكز آلية عمل هذه النواة على وسائل الاتصال والنقل التي لا بد من وضعها في تصرفها، والقدرة على اتخاذ القرارات من دون المرور بسلسلة من الإجراءات الروتينية والتراتب الوظيفي.

وتطرق رونشون إلى المعاهدات الدولية التي غالبا ما يتم التغاضي عنها في حالات الطوارئ، إضافة إلى الاتفاقات بين الدول التي تسهل لرعايا بلدين أو مجموعة بلدان مثلا أن يحصلوا على مساعدة سفارات أخرى غير سفارة بلادهم كما هي الحال مع دول الاتحاد الأوروبي.

ولا تقتصر خلايا مواجهة الأزمات على الدول بل تنشئها أيضا المؤسسات الاقتصادية الكبرى التي تعنى غالبا بشؤون المنافسة والحوادث وسبل الحماية والاستعداد.

واستحضر رونشون قضية 11 سبتمبر (أيلول) 2001 وتساءل هل كان يمكن اتخاذ قرار ما قد يحول دون حادث الاصطدام، وقال: «هل كان يمكن مثلا اتخاذ قرار بإسقاط الطائرات؟ ماذا كان يمكن أن يحدث؟ هل كان يمكن تبرير قتل المدنيين في الطائرتين لمجرد ترجيح أنهما كانتا ستصطدمان ببرجي التجارة العالمية في نيويورك؟ ماذا لو أسقطت الطائرات فوق مناطق سكنية أيضا؟» وسيخلص الى أنه ليس من أحد بمأمن من حوادث كهذه، إلا أن هذا لا يعني عدم الاستعداد لمواجهتها.

وعن الوضع في لبنان يلفت مثلا إلى أن لبنان يقع على خط الزلازل وسبق أن شهد هزات أرضية مدمرة، فهل هناك استعدادات لمواجهة زلزال؟ ويعطي هذا المثال للقول إن الاستعدادات يجب ألا تقتصر على الحروب وأعمال الشغب والفوضى. وكان مثال آخر عن الحرائق التي شهدها لبنان أخيرا وأتت على مساحات واسعة من غاباته المعمرة وألحقت ضررا بالغا بغطائه الأخضر.

وقدم رونشون جدولا بنسب الأخطار التي يتعرض لها الفرنسيون خارج بلادهم، وكان لافتا أن اكبر نسبة وفيات تكون غالبا بسبب حوادث السير، فيما نسبة الضحايا الفرنسيين جراء أعمال إرهابية كانت الأدنى. وعرض رونشون لسبل التعاون مع وسائل الإعلام وكيفية تقديم المعلومات وتوفيرها والاتصال بأهالي الضحايا والتعامل معهم. والأهم بحسب ما قاله لـ«الشرق الأوسط» «الاستعداد الدائم، لأن هذا الاستعداد يؤدي إلى تجنب الكثير من الاخطار، ويضع مسبقا آليات وتصورات لمعالجة ما قد يترتب على كارثة حلت بالبلاد».

وكانت ورشة تطبيقية في الختام تم خلالها طرح أربعة سيناريوهات كارثية، واحد لكارثة طبيعية تناولت الإجراءات التي يمكن اتباعها في حال حصول انهيار ثلجي مع نهاية العام في جبال لبنان، وأخرى إرهابية بيئية عن فيروس يستخدمه إرهابيون ضد الصين ويهددون به دولا شيوعية أخرى. وكانت باكستان القاسم المشترك في كارثتين، الأولى تمثلت في سيناريو وصول متطرفين إسلاميين إلى السلطة نتيجة انقلاب مع اخطار اندلاع مواجهة نووية مع الهند. أما الكارثة الأخرى فكانت سيناريو اختطاف الرئيس الأميركي جورج بوش خلال زيارته لباكستان بصحبة الرئيس الباكستاني برويز مشرف على أيدي إرهابيين يهددون بقتلهما اذا رفضت الولايات المتحدة الانسحاب من العراق وأفغانستان وحل القضية الفلسطينية.