أعمال فنية في مكتبة نيويورك العامة تثير موجة من الجدل السياسي

قدمت الرئيس الأميركي جورج بوش وخمسة من أعضاء إدارته كأشخاص مشبوهين

من معرض أقامته مكتبة نيويورك العامة عن فن الحفر قدم فيه الرئيس الأميركي جورج بوش وخمسة من أعضاء إدارته كمجرمين وأشخاص مشبوهين
TT

في الطابق الثالث من مبنى مكتبة نيويورك العامة الهادئ الواقع في الجادة الخامسة وسط مانهاتن أثارت ستة أعمال من الحفر نفذتها الفنانة نورا اليغورانوا بالاشتراك مع الفنانة مارشال ريز موجة من الجدل السياسي في الاوساط الثقافية الاميركية. والأعمال الستة هي جزء من معرض شامل أقامته مكتبة نيويورك العامة عن فن الحفر ولكن الأعمال اكتسبت أهمية خاصة نظرا لما تنطوي عليه من هجاء سياسي قدمت فيه الرئيس الأميركي جورج بوش وخمسة من أعضاء إدارته كمجرمين وأشخاص مشبوهين. وقد تلاعبت الفنانتان بصور فوتوغرافية تعود إلى الرئيس بوش وإلى نائبه ديك شيني وآخرين بواسطة التقنية الرقمية وقدمتهم بصور (بروفايل) مع لوحة من شرطة مدينة واشنطن وعليها تاريخ الادلاء باعترافاتهم عن جريمة الحرب في العراق.

وصاحب الأعمال الستة فيديو يمكن للمشاهد الاستماع إلى الاعترافات التي أدلت بها الشخصيات الست الرئيس جورج بوش ونائبه ديك تشيني ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس وكارل روف ووزير العدل السابق البرتو كونزاليس ووزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد. ومن الأشرطة التي يمكن للمشاهد سماعها شريط مسجل بصوت الرئيس بوش يعلن فيه عن الكشف عن جهود صدام حسين في الحصول على اليورانيوم من أفريقيا. وشريط آخر بصوت نائب الرئيس ديك تشيني يقول فيه «ليس ثمة من قدم أي دليل حول وجود أي خطأ هنا» وهو بذلك يشير إلى شركة هاليبرتون وتورطها بالفساد وحصولها على أكبر العقود في العراق بعد الغزو الأميركي. وأثارت هذه الأعمال الستة موجة من السخط لدى مجموعة من مسؤولي المكتبات العامة في أميركا ولدى بعض الصحف المحلية بنيويورك مثل «ديلي نيوز» وشبكة «فوكس نيوز» التلفزيونية. واعتبر عدد من مسؤولي المكتبات العامة في الولايات المتحدة الأعمال مثيرة نظرا لتوقيتها مع الحملات الانتخابية للرئاسة الأميركية ولكونها اقتصرت على رموز من الحزب الجمهوري فقط. واعتبرت هذه الأعمال صادمة لكونها تصدر عن مكتبة نيويورك العامة وتبدي نوعا من الانحياز السياسي لصالح الحزب الديمقراطي على حساب الحزب الجمهوري.

وقد وصفته صحيفة «الديلي نيوز» وهي من صحف التابلويد في نيويورك بالمعرض الهيستيري وانبرت مؤسسات إعلامية اخرى للطعن في مصداقية مكتبة نيويورك العامة كمعقل للمعرفة واتهمتها بالترويج لأجندة سياسية معينة. وفي بيان صدر عن المكتبة العامة منظمة المعرض دافعت فيه عن الأعمال المعروضة وأكد «ان المعرض لا يملك أية أجندة سياسية وأن الأعمال الست قدمت خارج سياق مضمونها وأنها لا تمثل كل المعرض الذي يقدم 23 عملا من أعمال الحفر الحديث من كل أنحاء العالم». وبالرغم من أن الهجاء السياسي في أعمال الحفر ليس بالجديد والذي بدأ مع الفنان الإسباني غويا وتعمق مع الفنان الهولندي رامبرانت وانتعش في بدايات القرن العشرين خصوصا في أوروبا ومن ثم انتقل إلى أميركا. وقد حرصت المكتبة العامة على عرض ما لديها من أعمال لفن الحديث وقدمته تحت عنوان شامل «التأويلات المتعددة» والمعرض هو متواضع كما وصفته صحيفة «النيويورك تايمز» وأن أغلبية الأعمال التي عرضت لا تنطوي على أي مضامين سياسية ربما باستثناء أعمال الحفر التي قدمها الفنان دانيال هيمان عن سجناء ابي غريب والتي اتسمت بالبساطة. وهناك أعمال أخرى انطوت على نوع من السخرية وهي أعمال الفنان إي في دي عن برجي التجارة العالمي عام 2001 وقدم كل برج ممسوك بقبضة اليد. ويقدم معرض المكتبة العامة تقنيات عديدة لفن الحفر وفن اللوثغراف منها الحفر على الخشب والحديد وهي من الطرق التقليدية إضافة الى فن النقش وأخيرا الأعمال الستة التي استندت على التقنية الرقمية لتطوير فن الحفر. وبحسب صحيفة نيويورك تايمز فإن المعرض الذي نظمته مسؤولة قسم المطبوعات روبرتا واديل كان يهدف الى عرض أنواع أساليب الطباعة المعاصرة التي جمعتها المكتبة خلال السنوات العشر السابقة. هناك أعمال اخرى ذات طابع سياسي واضح، إلا ان الأكثر إثارة وجذبا للاهتمام هي اللوحات التي تظهر سجناء عراقيين. هذه اللوحات ليست جذابة من الناحية البصرية، لكنها تفاصيل ووصف المعاملة السيئة بواسطة الحراس والمحققين الاميركيين تتسم بالفظاعة وتثير الغضب والحزن. ويبدو ان بعض الفنانين الذين شاركوا في المعرض لم يدعوا للمشاركة لخبرتهم في الطباعة ولكن بسبب شهرتهم في اشكال فنية اخرى. واذا لم تكن مجموعة من نسخ photogravure للرسومات البيانية العلمية تحمل اسم اولافور اليسون لما كانت قد جذبت الاهتمام.

وهناك عدد من الفنانين في المعرض يمكن القول انهم ملتزمون بالطباعة. فدافيد افيري على سبيل المثال اعد مجموعة من الرسومات التفسيرية الصغيرة على الطراز الغوطي الجديد لمجموعة قصص غريمز التي تحتوي على كثير من التفاصيل السحرية. ويستخدم اندرو رافتي وسائل رسم حفري تقليدية وتقنيات لخلق مناظير واسعة لرجال تحاول قياس سترات في محل فاخر لبيع السترات. وفي الناحية الاخرى فإن اعمال الرسم الحفري لدافيد شريغلي التي تتميز بالظرف ـ واحد منها يعرض رجلا على شكل عود ثقاب يطحن تحت مكعب ضخم ـ بينما ينظر شخصيتان لما يحدث ـ تؤكد ان الكفاءة الفنية ليست كافية. ويتجاهل شريغلي التوقعات المتعالية ـ وبذلك يتوصل الى امر يحرر الانسان.